الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ»

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

«يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ»

 

خلق الله تعالى البشر، وجعل الزواج سنتهم لتناسلهم، وقد سمّاه الله في القرآن الكريم الميثاق الغليظ للدَّلالة على أهميته، ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾.. وقد أنكر النّبي ﷺ على من امتنع عن الزواج لأي سبب كان، حتى لو كان هذا السبب قيام الليل وصِيام النَّهار؛ حيث قال ﷺ: «...وَأَتَزَوَّجُ النّساء، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام".

 

فالعزوف عن الزواج مخالف للسنة، ومناقض للفطرة السوية، وباب لانتشار الفساد والرذيلة والموبقات والعياذ بالله، وترك الزواج بلا مانع صحيح سبب للقلق والاضطراب، لأن الزواج سكن وطمأنينة ومودة ومحبة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21].. وفيه موافقة للفطرة الإنسانية وتحقيق بقاء النوع البشري والاستخلاف في الأرض وتكثير النسل وعمارة الأرض وتحصيل المكاثرة والمباهاة التي وعد النبي ﷺ بها يوم القيامة.

 

ولكن الناظر إلى البلاد الإسلامية يرى عددا كبيرا من الفتيات والشباب بدون زواج، وأشارت دراسة حديثة إلى أن ثلث عدد الفتيات في الدول العربية‏ ‏بلغن سن الثلاثين دون زواج. فمثلا سجلت نسبة الذكور غير المتزوجين بمصر في الفئة العمرية ما بين 18 و29 سنة نحو 37.4 بالمائة من إجمالي الذكور المتزوجين مقابل 16.4 بالمائة للإناث في تعداد 2017، وفقا لبيانات الإحصاء المصري. ووفق بعض الإحصائيات سجلت فلسطين أقل نسبة حيث بلغت 7%، والبحرين في المركز الثاني بنسبة 25%، واليمن 30%، الكويت وقطر وليبيا 35%، مصر والمغرب40%، السعودية والأردن 45%، الجزائر 51%، وتونس 65%، العراق وسوريا 70%، الإمارات 75%، فيما سجلت لبنان أعلى نسبة حيث وصلت إلى 85%.

 

إن هذه النسب الكبيرة لا تبشر بخير، وتقود إلى شرور وفتنة وانحلال تؤثر على الأسرة والمجتمع. وهؤلاء الشباب يظنون أنهم يعيشون حياة هادئة بعيداً عن منغصات المشكلات العائلية وأن حياتهم خالية من الهموم والمتاعب الأسرية، ولكنهم واهمون مخطئون لأنهم إن كانوا متعفّفين فهم يعيشون بتوتر وقلق وانزعاج ويقاسون حياة مريرة فيها الحرمان من متعة الزواج ونعمة البنين التي هي من أعظم النعم التي منَّ الله بها على الإنسان. وإن لم يعفّوا فإنهم سيتوجهون إلى الحرام والإثم مبتعدين عن الدين والقيم الرفيعة والأخلاق.

 

لهذا وجب بحث أسباب تأخر الزواج أو العزوف عنه وإزالة موانعه وتسهيله للشباب والفتيات، وإلا حل الحرام محل الحلال، وانتشر الفساد والفواحش والآثام في الأسرة والمجتمع، وابتعدت الأمة أكثر عن النهضة والعودة إلى الإسلام دستورا ومنهاجا ودولة.

 

ولو نظرنا إلى أسباب تأخر الزواج لرأينا أنها أحيانا تختلف من بلد لآخر، لكنها مشتركة وتعود إلى عدم تطبيق الأحكام الشرعية، وأهم هذه الأسباب:

 

غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج بمظاهره الفارغة، مما يجعل الزواج يتعسر أو يتعذر على كثير من الشباب فيتأخر الزواج لذلك، أو يتوجه الشباب إلى الزواج من أجنبيات لا يكلفونهم شيئا، مما يزيد عدد الفتيات غير المتزوجات، وهذا خلاف ما شرعه الله من تخفيف تكاليف الزواج قال النبي ﷺ: «أَعَظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً». ناهيكم عن كثرة الشروط والمطالب المادية من قبل الفتاة وأهلها، والاهتمام بالجانب المادي في اختيار الزوج وعدم الاهتمام بالصفات المهمة الأخرى كالدين والخلق والكفاءة، والشارع اهتم بأن يكون في الزوج خصلتان عظيمتان، قال الرسول ﷺ «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةُ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ»، رواه الترمذي. ولا شك أن الله تكفل بإعانة العبد الصادق على الزواج، قال الرسول ﷺ: «ثَلَاثَةٌ حُقَّ عَلَى اللهِ عَوْنُهُمْ: الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُكَاتِبُ الَّذِي يُرِيدُ الأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ»، رواه الترمذي. والعجب كل العجب ممن يزوج ابنته من لا يصلي ولا يخاف ربه من أجل غناه وكثرة ماله في الوقت الذي يرفض الرجل الصالح لفقره!!

 

ويزيد من هذه المشكلة نتائج غياب الدولة الإسلامية الراعية، وإفرازات النظام الرأسمالي الذي نعيشه مثل انتشار البطالة وقلة الدخل وانتشار الفساد والمحسوبية مما يجعلهم غير قادرين على فتح بيت وتكوين أسرة.

 

ومن أهم العوامل التي تعيق الزواج وتؤخره عند كثير من الشباب والفتيات تأثير الإعلام الفاسد والموجَّه والمتأثر بمفاهيم الغرب ومبادئه وأنماطه الاجتماعية وأفكاره ومظاهره البعيدة عن أحكام الإسلام والتي يبثها لأبناء المسلمين عن طريق المسلسلات والأفلام والبرامج المتعددة، مع ضعف الوازع الديني وعدم وجود قوانين وحدود رادعة من الأنظمة، مما أدى إلى انحدار القيم والأخلاق، والانفتاح دون قيود، فأصبح البعض يرتبط بعلاقات غير شرعية وينساقون وراء الشهوات المحرمة والاغترار بالأحلام وسراب الحب الكاذب وضرورة وجود علاقة قبل الزواج حتى يتعرفوا على بعضهم!! وهذا من أعظم الفتنة والعياذ بالله. أو رغبتهم في الحرية وعدم الالتزام بالمسؤولية أو غير ذلك من القناعات الفكرية التي لا تسوغ شرعا ولا يجوز الاعتماد عليها.

 

وبسبب سيادة القوانين الرأسمالية الوضعية في بلاد المسلمين والتي تحكمها المنفعة والمصلحة، وتضمحل فيها العلاقات الأسرية والقوامة الصحيحة وصلة الرحم، فإن عددا من الفتيات يتملكهن الشعور بالخوف وعدم الأمان من المستقبل، فتعمل - حسب رأيها - على إيجاد سلاح بيدها للمستقبل وهو التعليم والعمل ولو كان على حساب الزواج والأمومة. ولو طُبقت أحكام الإسلام لما شعرت بكل هذا لأن الإسلام يكفل لها الحماية والرعاية والأمان في كل أدوار حياتها. وكذلك لا ننسى وهم المساواة والتمكين الاقتصادي، التي تجعل الفتاة تفكر بالاستقلالية وتحقيق ذاتها وشخصيتها بإيجاد مكان مرموق لها في المجتمع، وبالتالي تظهر فكرة التكافؤ الطبقي والثقافي بين الزوجين مما يجعلها تضع معايير معينة لاختيار الشخص الذي تتزوجه قد لا تجدها، مما يؤدي إلى تأخير أو عدم زواجها. وللأهل أحيانا علاقة بتأجيل تزويج البنت أو "عضلهن" لأسباب لرغبتهم في الاستفادة المادية منها.

 

ولأن القضاء على الشيء أو التقليل منه يكون بالقضاء على أسبابه، فعلينا بداية تأكيد أهمية الزواج وضرورته لدى الشباب والفتيات، وبيان خطورة العزوف عنه أو تعسيره. ثم العمل على تسهيل أمر الزواج ومن وسائل ذلك:

 

تخفيف تكاليف الزواج، بتخفيف المهور، والاقتصاد في تكاليف الزواج وطلباته، وقبول من يُرضى دينه وخلقه، حتى لو قلَّ ماله. واضعين نصب أعيننا قول الله تعالى ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 32]، وقول رسوله ﷺ: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا»، وقول عمر رضي الله عنه "لا تُغلوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها رسول الله" رواه الخمسة وصححه الترمذي.

 

ونقول لمن يعضل ابنته أو أخته ولا يزوجها طمعا في مالها أو وظيفتها مع تقدم الكفء لها ورضاها به، أن هذا منهي عنه شرعا، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾.

 

أما للشباب العازف عن الزواج انجرارا وراء أفكار ومفاهيم خاطئة وبعيدة عن الإسلام، فنخاطبه قائلين: اتق الله واعلم أن العمر يمضى والشهوة تنقضي ويبقى الذنب والحسرة والندامة، ولن تكون السكينة والراحة إلا بالزواج من امرأة صالحة أو زوج صالح: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21] ولا تقلدوا ما ترونه في المسلسلات والبرامج الهدامة المليئة بالمفاهيم والسلوكيات الفاسدة البعيدة عن ديننا وأخلاقنا وقيمنا، والتي تُصدر لنا للإفساد لما يخشونه من عودة الإسلام عزيزا كما كان أيام وجود دولته المنيعة القوية..

 

أما أنت يا ابنتي وأختي فلتقبلي لك زوجا من يرضاه الله ورسوله ولا تفضلي غير الأكفاء على الأكفاء لمال أو حسب أو جاه تريدينه، أو لشرف تطلبينه، أو لدنيا تؤثرينها حتى يبارك الله لك فيه. وأيضا إن دراستك أو وظيفتك ليست أهم من زواجك وأمومتك، ولا تعارض بينهما وبين العلم والعمل إن استطعت التوفيق بينهم، فدورك الأول في هذه الحياة هو أن تكوني أما وربة بيت، وكسب الرزق هو مهمة هذا الرجل، وعليه تأمين احتياجاتك كلها، وهذا ليس تبخيساً بحقك أو تقليلا من مكانتك ومركزك، بل على العكس فإن دورك هذا والله دور مهم جدا ومن أصعب المهمات التي لا يستطيعها الرجل، فهو صناعة الإنسان، وبيتك وأسرتك لا تعوضهما شهادة ولا وظيفة مهما كانت.

 

وكذلك ننبه هنا إلى حكم شرعي كان لعدم تطبيقه تأثير في زيادة عدد الفتيات غير المتزوجات، والذي تم تشويهه من قبل المسلسلات والأفلام وكتابات التافهين والتافهات، وهذا هو تعدد الزوجات، الذي هو شريعة من شرائع الله، ومن سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، وهو حل جيد لتزايد عدد الفتيات غير المتزوجات، فعلينا توضيح هذا الحكم. وكذلك على المعددين أن يتقوا الله تعالى ويقيموا العدل، فما شوه شريعة التعدد إلا الظلمة من المعددين - وهم كثير - يميلون مع بعض النساء وأولادهن على حساب الأخريات وأولادهن، حتى كرهت النساء التعدد، وخافته الكثيرات على أنفسهن وبناتهن، فتفضل أن تبقى بلا زواج على أن تأخذ معدداً يظلمها أو يظلم أخرى بسببها فتبوء بالإثم..

 

ونختم بقول الرسول الكريم ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مسلمة الشامي (أم صهيب)

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع