الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
الكلمة الخامسة في مؤتمر: "الشباب المسلم... روّاد التغيير الحقيقي" معالجة أزمة هوية الشباب المسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكلمة الخامسة في مؤتمر: "الشباب المسلم... روّاد التغيير الحقيقي"
معالجة أزمة هوية الشباب المسلم


(مترجمة)


(1) المقدمة:


• أخواتي العزيزات والضيوف الكرام، إن أزمة الهوية التي تؤثر على كثير من شبابنا المسلم هي واحدة من أهم القضايا الملحة التي تؤثر على هذه الأمة. وكما هو الحال مع أي أزمة، فإن معالجتها بشكل فعال وعلى وجه السرعة أمر حتمي؛ حتمي لأنها ستحدد نجاح أبنائنا وأنفسنا في هذه الحياة وفي الآخرة. وحتمي كذلك لأنه جزء لا يتجزأ من نجاح مستقبل هذه الأمة ومكانة ديننا في هذا العالم.


• أيتها الأخوات، قال المفكر الإسلامي الكبير، الإمام الغزالي رحمه الله: "والصبي أمانة عند والده. وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له مؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له. إذا اعتادوا على الشر وأهملت، اتضح مؤسف ودمرت".


• أخواتي العزيزات، حقا إن قلوب أبنائنا عند الصغر تكون نقية، غير معبوث بها، ومثل الجواهر الثمينة. فإذا كانوا منغمسين في الدين بالطريقة الصحيحة، وعودوا على الحق والخير الذي يتدفق منه فإنهم سوف يصبحون إن شاء الله شبابا قلوبهم ثابتة على الحق، واثقين في عقيدتهم الإسلامية، راسخين في الامتثال بواجباتهم الإسلامية، متحلّين بالشجاعة في الدفاع عن دينهم وضد الباطل والظلم، محبين للبر، نافرين من كل ما يصفه ربهم سبحانه وتعالى بأنه فاسد، أو غير أخلاقي، أو غير عادل. وسوف يكونون مصدر خير لأسرهم ومجتمعاتهم، ولهذه الأمة. وسوف يكونون من أولئك الذين تتجسد فيهم الصفات لإحداث تغيير جذري في هذا العالم، متحملين المسؤولية ومدعمين بالحلول الإسلامية السليمة لرفع هذه الأمة، بل هذا العالم من المشاكل التي لا حصر لها والقمع الذي يواجهه اليوم.


• ولكن كيف نحقق هذا الهدف؟ كيف يمكننا بناء والحفاظ على الهوية الإسلامية في شبابنا وإعدادهم للتعامل مع التحديات الكبيرة التي تواجههم في تمسكهم بدينهم، ودفاعهم عن دينهم، والكفاح من أجل دينهم؟


• اليوم، أود أن أتناول بعض النقاط الرئيسية وبعض المفاهيم الأساسية التي تحتاج إلى أن تُبنى في شبابنا والتي هي مهمة للغاية في معالجة أزمة الهوية هذه، وفي تمكينهم من التغلب على التحديات التي يواجهونها بشكل فعال إن شاء الله.


• ولكن أيتها الأخوات الكريمات، هناك سؤال لا بد لنا من الإجابة عليه عن أنفسنا أولاً - كآباء وأمهات، وكمجتمع، وكأمة - إذا أردنا التعامل بشكل فعال مع أزمة هوية شبابنا. وهو: ماذا نريد نحن حقاً لأطفالنا؟ هل نرى الإسلام والإسلام وحده في جميع جوانبه؛ الروحية والأخلاقية والاجتماعية، والسياسية، الوسيلة الوحيدة لإنقاذ أطفالنا من مشاكل تدمير الذات التي يواجهها الكثير من الشباب اليوم؛ والوسيلة الوحيدة لتمكينهم من تقديم مساهمة إيجابية حقيقية للنهوض بالبشرية وتحسين هذا العالم، والتي تضمن لهم كذلك النجاح التام في هذه الحياة وفي الآخرة؟


• أم أن هناك قيماً أخرى، وأفكاراً وتقاليد لا تستند على الإسلام، نشكل على أساسها آراءنا، وأفعالنا، ونظرتنا للنجاح وتطلعاتنا لأنفسنا وأطفالنا، والتي تدفعنا لتقديم تنازلات في ديننا، وتخلق رسائل مختلطة والارتباك في عيون شبابنا، وحتى الاستياء في أذهانهم تجاه الإسلام؟


• كيف على سبيل المثال، يمكننا أن نتوقع من شبابنا تجنب علاقات خارج إطار الزواج، إذا سمحنا للأعمال الدرامية والأفلام والموسيقى التي تروج وتزين استقباح الفجور في مثل هذه العلاقات، إذا سمحنا لها بدخول غرف معيشتنا، أو إذا قبلنا اختلاط الرجال والنساء في تجمعاتنا وحفلات الزفاف بحرية في تناقض مع أحكام الإسلام؟


• كيف يمكن أن نبني في شبابنا عقلية أن النجاح النهائي هو نيل مرضاة ربنا ودخولنا الجنة، إذا قبلنا لهم تقديم تنازلات في صلواتهم، ولباسهم الإسلامي والتزاماتهم الأخرى من أجل تحقيق النجاح في التعليم أو تأمين فرص العمل أو الوظيفة العالية المرموقة، مما يؤدي بهم إلى الاعتقاد بأن ما يهم حقا هو المركز والثروة والحصول على متاع هذه الحياة؟


• كيف يمكننا تربية شبابنا على التقيد بما يرضي الله سبحانه وتعالى، عندما تكون توقعاتنا لكيفية لباسهم، وسلوكهم، وزواجهم، وانتماءاتهم، ووجهات نظرهم السياسية مبنية على المثل والتقاليد غير الإسلامية، أو القومية، أو النظام الديمقراطي الذي صنعه الإنسان، أو توقعات الأسرة أو المجتمع، وليس على ما شرعه الله سبحانه وتعالى؟


• وكيف يمكن أن نغرس في شبابنا الشجاعة والدفاع عن الإسلام عندما نخشى تشجيعهم على التحدث عن أحوال الأمة في فلسطين وسوريا وفي جميع أنحاء العالم، أو ضد الاعتداء على نبينا الحبيب ﷺ وديننا الحنيف، أو ضد الحروب الغربية والطغيان في العالم الإسلامي، أو دعم الشريعة ونظام الله؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، خوفا من أن ينظر إليهم على أنهم متطرفون ويقعوا تحت رقابة الحكومات القمعية.


• أيتها الأخوات، إذا كنا نقدم رسائل مختلطة ومعايير مزدوجة للشباب من خلال آرائنا، وأقوالنا وأفعالنا فنحن لن نكون قادرين على التعامل بشكل فعال مع أزمة الهوية التي يواجهونها. فالخطوة الأولى لإنقاذ أطفالنا بالتالي تتلخص في إعادة تقييم هويتنا وثباتنا نحن على الالتزام بديننا.


(2) بناء العقيدة مع القناعة:


• أخواتي العزيزات: بعد أن تناولت هذه النقطة الأولية المهمة، ما هي الخطوات الأساسية الأخرى التي نحتاج إلى اتخاذها لمواجهة أزمة الهوية في شبابنا؟


• أولا أخواتي، إن واحدة من أثمن الهدايا التي يمكن أن نقدمها لأطفالنا هي القدرة على التفكير بأنفسهم في الحياة والكون، بطريقة تجعلهم قادرين على تمييز الحق من الباطل. وهذا يعني أولا، تمكينهم من تأسيس حقيقة العقيدة الإسلامية بقناعة مطلقة من خلال تزويدهم بالأدلة العقلية الملموسة التي تثبت باليقين التام وجوب وجود الخالق وبأن القرآن هو كلام الله؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾.


• أخواتي العزيزات، في عالم اليوم حيث يتعرض شبابنا في وسائل الإعلام أو عبر الإنترنت لوابل من الخطب التي تعادي الإسلام، وتهاجم معتقداته، وتشيع الخوف من الالتزام بأحكامه، والتي تجادل بأن الإيمان بالله والدين هو أمر غير عقلي، ورجعي، وهو فقط لضعاف العقول؛ فإن تأسيس العقيدة الإسلامية مع القناعة الفكرية المطلقة أمر في غاية الأهمية. فهذا هو الذي سوف يحول الإسلام عند الكثير من الشباب من كونه مجرد شيء تسلموه من آبائهم، إلى شيء هم مقتنعون به فكريا بأن لديه الإجابات الصحيحة عن الحياة، وبالتالي هو الشيء الذي ينبغي أن يحدد أفكارهم وأفعالهم.


• إن هذا اليقين في الاعتقاد هو الذي سيجعل الجنة والنار حقيقة ثابتة في عيون شبابنا إن شاء الله، والمساءلة أمام الله مفهوما قويا في عقولهم، مما سيجعلهم يعيشون في هذه الحياة وفقا لأحكام الله سبحانه وتعالى وحدوده. وهذا اليقين في الإيمان هو الذي سيؤسس إن شاء الله فهما واضحا من أن الغاية الحقيقية في الحياة والنظرة الصحيحة للنجاح ليس التهافت وراء المراكز والملذات المؤقتة في هذه الحياة، أو اكتساب قبول أو شعبية بين الأصدقاء والمجتمع، وإنما نيل رضا الله سبحانه وتعالى والثواب العظيم في الآخرة.


• أخواتي الكريمات، في الواقع، في عالم مادي مهووس بالنزعة الاستهلاكية الذي يحاول خلق جنة على الأرض لشبابنا بمغريات مبهرة وملذات وافرة تتعارض مع الدين، وحيث السعي لامتلاك: أحدث الهواتف، والأجهزة، والإكسسوارات، والملابس وغيرها من مقتنيات هذا العالم، يحتل وقتهم واهتمامهم، فإنه من المهم تماما أن نوجد في شبابنا التوق إلى الجنة الذي سوف يرفعهم فوق الملذات المؤقتة في هذه الدنيا ويمكنهم من قبول الضوابط الشرعية التي وضعها الإسلام على حياتهم؛ وذلك من خلال تذكيرهم باستمرار بأن كل هذا هو مجرد قطرة في المحيط مقارنة بالخيرات الوفيرة التي لا يمكن تصورها التي تنتظر الشباب الصالحين في الجنة، كما قال النبي ﷺ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعَهُ هَذِهِ - وَأَشَارَ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ - فِي الْيَمِّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ».


• أيتها الأخوات، إن القناعة في العقيدة والتوق إلى الجنة هي التي دفعت الغلام الضعيف راعي الغنم، الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، بأن يجهر بالقرآن الكريم أمام قريش، مع علمه بأنه سيضرب على أيديهم. وهي التي قادت الشاب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للتحدث نيابة عن المسلمين في بلاط ملك الحبشة، ولم يردعه وجود أفصح الرجال لسانا من الذين أرسلتهم قريش للتحدث ضد المؤمنين. وهي كذلك أخواتي، التي سوف تغرس إن شاء الله في شبابنا الشجاعة للتمسك في معتقداتهم الدينية مهما كلفهم، والوقوف في وجه ضغط الأقران، لا يخشون من أن يتم وسمهم، أو أن يكونوا مختلفين عن أصدقائهم، أو حتى يتم نبذهم بسبب لباسهم وممارساتهم وآرائهم الإسلامية، وسوف تغرس فيهم الدفاع عن الإسلام كلما تعرض لهجوم.


(3) إبطال إغراء طريقة الحياة العلمانية الليبرالية:


• الخطوة الثانية في التعامل مع أزمة الهوية عند شبابنا، هي بناء طريقة التفكير النقدي في داخلهم تمكنهم من تمييز الأكاذيب عن الحقيقة فيما يتعلق بالأفكار السائدة والروايات التي تغذيهم بها وسائل الإعلام أو المجتمع ومواجهتها بالحكمة. ففي الوقت الذي تبذل الجهود لجعل شبابنا يشعرون بأن الإسلام هو مصدر الكثير من المشاكل والفوضى في هذا العالم، وأن الطريقة الليبرالية الغربية في الحياة هي السبيل إلى السعادة والنجاح، والاستقرار والازدهار في هذا العالم، فإن تمكينهم من رفض الأكاذيب ضد الإسلام وإبطال إغراء الطريقة الليبرالية العلمانية في الحياة هو أمر حتمي.


• نحن بحاجة لأن نظهر لهم: أنه ليس الإسلام هو الذي تسبب في وباء المخدرات، وتعاطي الكحول، والعنف، والعصابات، وجرائم الاعتداء بالمسدسات وأنماط السلوك الإجرامي الأخرى التي ابتلي بها الشباب اليوم، بل هي القيم الليبرالية التي تشجع على اتباع نمط حياة إرضاء الذات والسعي لتحقيق الرغبات الشخصية مهما كانت العواقب. ليس الإسلام هو الذي سحق احترام الذات والثقة بالنفس لدى العديد من الفتيات الصغيرات لأنهن لسن قادرات على مواكبة صيحات الشهيرات وعارضات الأزياء، بل هو القالب الغربي غير الواقعي للجمال والذي جعله مقياسا للنجاح. وليس الإسلام هو الذي جعل الكثير من الشباب يشعرون بعدم الكفاءة أو يتم معاملتهم كمنبوذين إن لم يكونوا قادرين على مواكبة أحدث الاتجاهات في مجال الهواتف أو سلع المصممين، بل هي الثقافة المادية الرأسمالية التي تقيس القيمة الذاتية بالممتلكات الدنيوية. وليست القوانين الاجتماعية في الإسلام هي التي أوجدت ثقافة عدم الاحترام تجاه الفتيات والنساء، والذي يؤدي إلى العنف والتحرش الجنسي، بل هي المجتمعات التي تقدس الحريات الجنسية وتسمح بهدر كرامة المرأة من خلال النظرة الجنسية لها وجعلها سلعة في الترفيه والإعلانات التجارية. وليس الإسلام هو الذي ولّد الفقر الشامل والبطالة وعدم المساواة الهائلة في الثروة، وانهيار خدمات التعليم والرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم، ولكنه النظام الرأسمالي السام الذي شل الاقتصادات وأثقلها بالديون الربوية الضخمة، وفضل الأغنياء على الفقراء.


• وإلى جانب هذا يا أخواتي، نحن أيضا بحاجة إلى أن يفهم شبابنا وأن يبيّنوا لمن حولهم بالحكمة والبراهين، أنه ليس بعض الفكر الإسلامي المنحرف هو الذي يغذي الإرهاب، بل الغضب الذي أشعله التدخل الغربي والحروب الاستعمارية في العالم الإسلامي التي قتلت مئات الآلاف من المسلمين. نحن بحاجة إلى أن يناقشوا بوضوح بأن العقيدة الإسلامية التي تدفعهم لممارسة الإسلام هي نفسها التي تلزمهم أيضا باحترام الوالدين والمعلمين، ومعاملة النساء بكرامة، وتجنب الإجرام، والسعي لخير البشرية، ونبذ العنف ضد الأبرياء أو سوء معاملة غيرهم من أتباع الديانات الأخرى. ونحن بحاجة لأن يدرك شبابنا ويقولوا بثقة تامة بأنه ليس تطرفا التحدث علنا ضد ظلم الحكومات أو التحدث باسم المظلومين، أو الدعوة إلى الشريعة الإسلامية أو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي سيتم تطبيقها في بلادنا والتي سوف تحل الرعاية محل الدكتاتورية، والمساءلة والعدالة في الحكم محل الدول البوليسية، والتي سوف تستغل ثروات بلادنا لتلبية احتياجات الرعية بدلا من ملء جيوب الحكومات الأجنبية والشركات الجشعة أو النخب القليلة المحظوظة.


• أخواتي، نحن بحاجة لجعل أطفالنا يديرون المناقشات والسيطرة على الروايات فيما يتعلق بالإسلام وأنماط الحياة الأخرى داخل مجتمعاتهم، مسلحين بالحقيقة.


(4) فهم الإسلام كدين لديه حلول لمشاكل الحياة وبناء الاعتزاز بالثقافة والتاريخ الإسلامي:


• وأخيرا أخواتي العزيزات، في عالم حيث يتم تصوير الإسلام على أنه متخلف، وهمجي، ويقمع النساء والأديان الأخرى، وأنه منتج تاريخي لا علاقة له بالحياة العصرية، فإنه من المهم للغاية أن نبني في شبابنا الثقة بدينهم والنظرة إليه على أنه ذو صلة بحياتهم وبعالم القرن الواحد والعشرين هذا، بدلا من مجرد كونه مجموعة من الطقوس والأحكام. والسبيل الوحيد لتحقيق هذا هو جعلهم يفهمون الإسلام على أنه دين شامل يحوي قواعد وقوانين وحلول لمشاكل العصر الحديث في كل ميدان من ميادين الحياة؛ الروحية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية والقضائية والتعليمية، وفي الاقتصاد، وغيرها، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾.


بالإضافة إلى ذلك، علينا أيضا بناء الاعتزاز والفخر بالثقافة والتاريخ الإسلامي وما يجلبه للبشرية، وما حققه لهذا العالم من العدالة والرخاء والاستقرار والتقدم العلمي والإنسانية، وحماية حقوق المرأة وأهل الذمة، والتميز في المجال الأكاديمي، والتعليم الراقي وأنظمة الرعاية الصحية خلال قرون حكمه في بلادنا الإسلامية تحت ظل دولة الخلافة المجيدة.


• كما علينا أن نبين لهم أن أحكام النظام الاقتصادي الإسلامي هي التي تحمل مفتاح التوزيع العادل للثروة وإيجاد اقتصاد مزدهر، كما يتبين من خلافة عمر بن عبد العزيز الذي بلغه من عامله في العراق أنه حتى بعد إخراج الأموال من بيت المال لتلبية احتياجات الرعية، ولسداد ديونهم، والمساعدة في نفقات زواجهم، بقي هناك مال في بيت مال المسلمين. فأمره عمر باستخدام هذا الفائض لمساعدة الرعية في زراعة أراضيهم. سبحان الله!


• نحن بحاجة لأن نظهر لشبابنا بأنه ليس هناك سوى الدين الإسلامي الذي يرفض الحريات الجنسية، ويمنع استغلال النساء، ويضع إطارا شاملا من القوانين لتنظيم العلاقة بين الرجال والنساء لحماية أعراضهم، ليس سوى الإسلام يمكنه أن يضع حلا لوباء العنف والاعتداء الجنسي على النساء الذي ابتلي به العالم اليوم.


• ونحن بحاجة لأن نظهر لأبنائنا بأنه ليس هناك سوى النظام الإسلامي الذي يرفض النهج المادي والوطني للتعامل مع مشاكل الإنسان، والذي يخدم بإخلاص احتياجات الإنسانية يمكنه أن يحل أزمة اللاجئين، كما يتضح من تصرفات الخلافة العثمانية في عام 1492م، عندما أرسل الخليفة بايزيد الثاني أسطولا بحريا بأكمله لإنقاذ 150 ألفاً من يهود أوروبا الذين كانوا يتعرضون للاضطهاد من قبل النصارى خلال محاكم التفتيش الإسبانية، وقام بالترحيب بهم إلى أراضي دولة الخلافة التي عاملتهم كرعايا متساوين وسنحت لهم الفرصة للازدهار.


• أيتها الأخوات، إن بناء هذا الاعتزاز بالثقافة والتاريخ الإسلامي في شبابنا، وفهم الإسلام على أنه دين شامل لديه حلول لجميع مشاكل الإنسان لجميع الأوقات وجميع الأماكن هو الذي سيمكنهم من مواجهة الهجوم ضد دينهم، ورفض أجندة "إصلاح" الإسلام، وسيغرس فيهم الثقة بهويتهم الإسلامية، وتمكنهم من التحدث عن الإسلام بالحكمة وقوة الحجة.


• ولكن إضافة إلى ذلك أخواتي، فإن اكتشاف الطبيعة الحقيقية للإسلام هو الذي من شأنه أن يبني في شبابنا الشعور الكبير بالمسؤولية تجاه هذه الأمة، بل تجاه الإنسانية بعد أن يدركوا القوة الكبيرة التي بين أيديهم لتحقيق التغيير الجذري في هذا العالم من خلال هذا الدين، وسيمنحهم قضية تستحق النضال من أجله، والذي يمكنه أن يبني حقا مستقبلا أفضل لبلدانهم وهذا العالم، بما في ذلك تأمين تطلعاتهم التعليمية والاقتصادية؛ القضية التي لن تضيع طاقاتهم، أو تخيب آمالهم، أو تطفئ حماسهم، وليست تلك التي من شأنها إشراكهم في أعمال عنف عقيمة كوسيلة للتغيير السياسي بل في معركة الأفكار لإقامة هذا الدين في الحكم، اتباعا لسنة النبي ﷺ.


• أخواتي العزيزات، إن كل ذلك سوف يبني شبابنا المسلم لكي يكونوا "رواد التغيير الجذري"، ممكنين بالإسلام، وسوف يسخر العاطفة والطاقة الهائلة الكامنة في شبابنا لكي يحدثوا فرقا حقيقيا في هذا العالم، ولكن بطريقة ينالون بها رضا ربهم ويمنحهم الثواب العظيم في الآخرة. ومن خلال تنشئة شبابنا للارتفاع إلى مستوى هذا التحدي الكبير الذي أيضا سوف يسهل، إن شاء الله، العودة السريعة لدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، والتي هي القيادة التي ستكون بمثابة الحارس الحقيقي للهوية الإسلامية لأطفالنا؛ الدولة التي سوف تغمرهم بالقيم الإسلامية النبيلة وتُوجِد بيئة تذكرهم باستمرار بمسؤوليتهم تجاه الله وأهمية العمل للآخرة. الدولة التي ستقوم وسائل الإعلام والنظام التعليمي فيها بتشجيع الأفكار والأعمال الصالحة، وتغذية التقوى في شبابنا وحبهم لدينهم. إنها سوف تصنع بأعداد كبيرة شبابا ذوي شخصيات إسلامية مميزة، مثالا للسلوك النبيل، وعباد الله المخلصين، يحملون أعباء الأمة، ومعارضين أقوياء للظلم، وتتجسد فيهم خصائص قادة البشرية.


• أخواتي، إن المعركة لحماية الهوية الإسلامية لأجيال المستقبل لن تكسب دون التعجيل بإقامة هذا النظام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. لذلك فبالإضافة إلى بناء المفاهيم الإسلامية في شبابنا اليوم، دعونا أيضا نوجه اهتمامنا ونبذل كل جهودنا لإعادة هذه الدولة الكريمة إلى أراضينا، ومن خلالها بناء جيل من الشباب الذين هم مصدر فخر لهذه الأمة والذين يمثلون نموذجا ومصدر إلهام للشباب في هذا العالم.


يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

 

كتبته د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي
في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

3 تعليقات

  • khadija
    khadija السبت، 07 أيار/مايو 2016م 22:00 تعليق

    بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة

  • أم راية
    أم راية السبت، 07 أيار/مايو 2016م 14:32 تعليق

    جزاكم الله خيرا

  • إبتهال
    إبتهال السبت، 07 أيار/مايو 2016م 14:30 تعليق

    بارك الله فيك أختي

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع