الإثنين، 23 شوال 1446هـ| 2025/04/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

الواقعية وخطرها على الأمة

 

 

إن الواقعية هي من أخطر المفاهيم على عملية التغيير ونهضة الأمة، والتي تعني الانطلاق من الواقع والمحددات والإمكانيات كأساس لتحديد الأهداف والغايات، فيضع الإنسان بذلك العربة أمام الحصان عند السعي لإحداث التغيير، فبدل أن يحدد الإنسان هدفه بناء على قناعاته وثوابته ومعتقداته ثم ينطلق متحديا الواقع ومذللا الصعاب، فإنه ينطلق من الإمكانيات والواقع والصعاب فيضع غاياته وأهدافه بناء عليها.

 

صحيح أن الأمر قد يبدو للوهلة الأولى عقلانيا وعمليا، ولكن بإنعام النظر فيه ندرك أن الأمر عبارة عن وصفة مخدرة ومثبطة عن التغيير الحقيقي أو الجذري، ومآل صاحبها التماهي مع الواقع ومسايرة الزمان.

 

تأملوا معي قصة رسول الله ﷺ مع قريش وعمه أبي طالب:

 

قال ابن إسحاق رحمه الله إن قريشاً حين قالوا لأبي طالب "يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا مِنْ شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفّه عنّا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين"، أو كما قالوا له، بعث إلى رسول الله ﷺ فقال له: "يا ابن أخي، إن قومك قد جاءوني فقالوا لي: كذا وكذا، للذي كانوا قالوا له، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق". فظن رسول الله ﷺ أنه قد بدا لعمه فيه أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. قال رسول الله ﷺ: «يا عَمُّ، واللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِينِي، والقَمَرَ في يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، ما تَرَكْتُهُ». قال: ثم استعبر رسول الله ﷺ فبكى ثم قام، فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: "أقبل يا ابن أخي"، قال: فأقبل عليه رسول الله ﷺ، فقال: "اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبداً".

 

فانظروا قول رسول الله ﷺ: «يا عَمُّ، واللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِينِي، والقَمَرَ في يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، ما تَرَكْتُهُ»، فهو ﷺ تحدّث بالمستحيلات وهو أن يقدر أهل قريش على أن يضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره، وحتى لو قدروا على تلك المستحيلات فإن ذلك لن يثنيه عن سعيه للتغيير ولن يدفعه لترك غايته ما دام حيا يرزق. وهذا الموقف ينسف الفكر الواقعي نسفا.

 

كما أنه لا يتصور أن يسمح لنا الطغاة والغرب والاستعمار بتغيير الواقع الفاسد ليوافق الإسلام بكل سهولة ويسر، لأن ذلك يعني نهايتهم وفناءهم، فهو تهديد وجودي لهم، لذلك من الطبيعي أن يستأسدوا ويستنفروا ويبذلوا كل ما يستطيعون عليه من أجل منع ذلك، وإن لم يجدوا في المقابل رجالا أشداء أقوياء أولي عزم وإرادة يتحدون الواقع والصعاب والمكاره فلن يرى التغيير النور.

 

أختم بما جاء في سبب نزول سورة الكافرون ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...﴾ والتي تمثل نموذجا يحتذى به في رفض الواقعية أو القبول بها. إذ نزلت في رهط من قريش قالوا: يا محمد هلم فاتبع ديننا ونتبع دينك، تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد أشركناك فيه وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يدك كنت قد أشركتنا في أمرنا وأخذت بحظك، فقال: "معاذ الله أن أشرك به غيره"، فأنزل الله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ...﴾، وغدا رسول الله ﷺ إلى المسجد الحرام وفيه الملأ من قريش، فقرأها عليهم حتى فرغ من السورة، فأيسوا منه عند ذلك.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

المهندس باهر صالح

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع