- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
"التدين" قليل الكُلفة
إنّ من أخطر المسالك لدى الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية هو التوجه نحو التدين قليل الكلفة، أي عبادة الله بالحد الأدنى الذي يظن به المتراخي أنه ينجيه من غضب الله ويرفع عنه العتب تجاه أمته ودينه وبلاده.
فتجد الكثيرين يتجهون نحو الاستكانة والاكتفاء بالشعائر التعبدية دون غيرها من باقي أحكام الإسلام والتي هي محل الصراع والتحدي والتغيير.
وهذا القسم يقنع نفسه بأنه بتلك الممارسات التعبدية، كصلاة المسجد وقيام الليل وإطلاق اللحى وحفظ القرآن وتلاوته، يكون قد قام بما عليه ويواسي نفسه بقوله تعالى: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾.
وقد يصل الأمر ببعضهم إلى تأييد بعض الجماعات، كالحركات الجهادية مثلا، دون أن يكون له معها نصيب من العمل، ويظن أنه بتأييده إياها يكون قد كفّى ووفى، مع أنه قد يفعل ذلك فقط للتهرب من واجب العمل السياسي الجاد المفضي للتغيير لأنه لا يريد أن يدفع ثمن ذلك بالمواجهة مع الحكام والأنظمة، مواجهة قد تعرضه لنقمة الأنظمة بالسجن أو الطرد من الوظيفة أو التضييق عليه في تجارته ومعاملاته الحياتية، وغير ذلك من أساليب البطش والأذى.
والحقيقة أن هذا السلوك والتوجه هو خطير على الفرد وهو أخطر على الأمة عندما يتنامى ويتكاثر.
فتصوروا معي لو كان هذا نهج الصحابة والتابعين مثلا، هل كان سيصلنا الإسلام ويعلو شأنه؟
إن لم ينبر للإسلام رجال أقوياء كصحابة رسول الله ﷺ، كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وحمزة وسعد، فمن سيعيد الإسلام إلى الحياة؟!
وهل نتوقع من الغرب والحكام مثلا أن يتنازلوا عن باطلهم وتسلطهم على رقاب الناس هكذا طواعية دونما مواجهة وكفاح ونضال؟!
لا شك أن الجواب بديهي وواضح، وهو بالنفي طبعا.
فكفاح رسول الله ﷺ وصحابته ونضالهم المشهود، وبأسهم الشديد في مواجهة الكفر ونظامه، هو ما ثبت الإسلام وأجبر الطغاة على التراجع.
وكفاح الأمة وأبنائها ونضالها اليوم لاستعادة سلطانها وخلع الحكام عن عروشهم المعوجة قوائمها، هو ما سيعيد الإسلام إلى الواجهة ويجبر الغرب ونواطيره الحكام على التراجع والاندثار.
فتأملوا معي حديث رسول الله ﷺ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ الله وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُم يَلْقَاهُ مِن الْغَدِ وَهُو عَلَى حالِهِ، فَلا يَمْنَعُه ذلِك أَنْ يكُونَ أَكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ».
فهذا الحديث يحث المسلم على المفاصلة والوقوف وقفة الحزم في دين الله وعدم التراخي أو الاستكانة إلى العصاة. وإذا كان هذا الحزم مطلوبا مع العوام والأفراد فكيف به مع الحكام والقائمين على أمور الناس؟!
لذلك حث رسول الله ﷺ المسلم على أمر الظالم بالمعروف ونهيه عن المنكر، بل وأطره على الحق أطرا، ليكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على صعيد الإصرار والإلجاء وليس على سبيل رفع العتب والملامة، فقال رسول الله ﷺ: «كَلَّا، وَالله لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ الله بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ ليَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ».
وأختم بقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾، قال القرطبي: وقيل على حرف أي على وجه واحد وهو أن يعبده على السراء دون الضراء.
فاحذروا عباد الله من عبادة الله بالسراء دون الضراء، وبالرخاء دون الشدة، وباليسير دون الصعب.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير