مع الحديث الشريف- ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. رواه البخاري
جاء عند الإمام ابن حجر في فتحه بتصرف يسير " قوله صلى الله عليه وسلم ( وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ), ويستفاد منه أن أداء الفرائض أحب الأعمال إلى الله. قال الطوفي : الأمر بالفرائض جازم ويقع بتركها المعاقبة بخلاف النفل في الأمرين وإن اشترك مع الفرائض في تحصيل الثواب فكانت الفرائض أكمل, فلهذا كانت أحب إلى الله تعالى وأشد تقريبا, وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به امتثال الأمر واحترام الآمر وتعظيمه بالانقياد إليه وإظهار عظمة الربوبية وذل العبودية فكان التقرب بذلك أعظم العمل.
قوله صلى الله عليه وسلم ( يتقرب إلي ) التقرب طلب القرب, قال أبو القاسم القشيري : قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه, ثم بإحسانه. وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه, وفي الآخرة من رضوانه, وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه.
وقال الفاكهاني : معنى الحديث أنه إذا أدى الفرائض ودام على إتيان النوافل من صلاة وصيام وغيرهما أفضى به ذلك إلى محبة الله تعالى. وقال ابن هبيرة : يؤخذ من قوله " ما تقرب " أن النافلة لا تقدم على الفريضة, لأن النافلة إنما سميت نافلة لأنها تأتي زائدة على الفريضة, فما لم تؤد الفريضة لا تحصل النافلة, ومن أدى الفرض ثم زاد عليه النفل وأدام ذلك تحققت منه إرادة التقرب انتهى. وأيضا فإن من جملة ما شرعت له النوافل جبر الفرائض كما صح في الحديث الذي أخرجه مسلم " انظروا هل لعبدي من تطوع فتكمل به فريضته " الحديث بمعناه فتبين أن المراد من التقرب بالنوافل أن تقع ممن أدى الفرائض لا من أخل بها."
عالج الإسلام الإنسان معالجة كاملة لإيجاد شخصية معينة له متميزة عن غيرها. فعالج بالعقيدة أفكاره إذ جعل له بها قاعدة فكرية يبني عليها أفكاره، ويكِّون على أساسها مفاهيمه. فيميز الفكر الصائب من الفكر الخاطئ حين يقيس هذا الفكر بالعقيدة الإسلامية، يبنيه عليها باعتبارها قاعدة فكرية. فتتكون عقليته على هذه العقيدة، وتكون له بذلك عقلية متميزة بهذه القاعدة الفكرية، ويوجد لديه مقياس صحيح للأفكار، فيأمن بذلك زلل الفكر، وينفي الفاسد من الأفكار، ويظل صادق الفكر سليم الإدراك.
وفي نفس الوقت عالج الإسلام أعمال الإنسان الصادرة عن حاجاته العضوية وغرائزه بالأحكام الشرعية المنبثقة عن هذه العقيدة نفسها معالجة صادقة، تنظم الغرائز ولا تكبتها، وتنسقها ولا تطلقها، وتهيئ له إشباع جميع جوعاته إشباعاً متناسقاً يؤدي إلى الطمأنينة والاستقرار. فالمسلم حين تتكوّن لديه العقلية الإسلامية والنفسية الإسلامية يصبح مؤهلاً للجندية والقيادة في آن واحد، جامعاً بين الرحمة والشدة، والزهد والنعيم، يفهم الحياة فهماً صحيحاً، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها وينال الآخرة بالسعي لها. ولذا لا تغلب عليه صفة من صفات عُبّاد الدنيا، ولا يأخذه الهوس الديني ولا التقشف الهندي، وهو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، وفي الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. ويجمع بين الإمارة والفقه، وبين التجارة والسياسة. وأسمى صفة من صفاته أنه عبد لله تعالى خالقه وبارئه. ولذلك تجده خاشعاً في صلاته، معرضاً عن لغو القول، مؤدياً لزكاته، غاضَّاً لبصره، حافظاً لأماناته، وفياً بعهده، منجزاً وعده، مجاهداً في سبيل الله. هذا هو المسلم، وهذا هو المؤمن، وهذا هو الشخصية الإسلامية التي يكوّنها الإسلام ويجعل الإنسان بها خير بني الإنسان.