الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

نداءات القرآن الكريم ح61 النهي عن تحليل شعائر الله وعن الاعتداء والأمر بالتعاون على البر والتقوى ج2

بسم الله الرحمن الرحيم


(يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر‌ الله ولا الشهر ‌الحر‌ام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحر‌ام يبتغون فضلا من ر‌بهم ور‌ضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجر‌منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحر‌ام أن تعتدوا وتعاونوا على البر ‌والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).


الحمد لله الذي أنزل القرآن رحمة للعالمين، ومنارا للسالكين، ومنهاجا للمؤمنين، وحجة على الخلق أجمعين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين, وآله وصحبه الطيبين الطاهرين, والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين, واجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين.


أيها المؤمنون:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد: في هذه الحلقة نتابع وإياكم النداء التاسع والعشرين من نداءات الحق جل وعلا للذين آمنوا, نتناول فيه الآية الكريمة الثانية من سورة المائدة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر‌ الله ولا الشهر‌ الحر‌ام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحر‌ام يبتغون فضلا من ر‌بهم ور‌ضوانا وإذا حللتم فاصطادوا ولا يجر‌منكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحر‌ام أن تعتدوا وتعاونوا على البر ‌والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب). نقول وبالله التوفيق:

 

أيها المؤمنون:


يسترسل صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة فيقول: "وفي جو الحرمات وفي منطقة الأمان، يدعو الله الذين آمنوا به، وتعاقدوا معه، أن يفوا بعقدهم وأن يرتفعوا إلى مستوى الدور الذي ناطه بهم .. دور القوامة على البشرية بلا تأثر بالمشاعر الشخصية، والعواطف الذاتية، والملابسات العارضة في الحياة .. يدعوهم ألا يعتدوا حتى على الذين صدوهم عن المسجد الحرام في عام الحديبية وقبله. كذلك وتركوا في نفوس المسلمين جروحا وندوبا من هذا الصد, وخلفوا في قلوبهم الكره والبغض. فهذا كله شيء, وواجب الأمة المسلمة شيء آخر. شيء يناسب دورها العظيم: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان. واتقوا الله ، إن الله شديد العقاب) .. إنها قمة في ضبط النفس وفي سماحة القلب .. ولكنها هي القمة التي لا بد أن ترقى إليها الأمة المكلفة من ربها أن تقوم على البشرية لتهديها وترتفع بها إلى هذا الأفق الكريم الوضيء.


أيها المؤمنون:


إنها تبعة القيادة والقوامة والشهادة على الناس .. التبعة التي لا بد أن ينسى فيها المؤمنون ما يقع على أشخاصهم من الأذى ليقدموا للناس نموذجا من السلوك الذي يحققه الإسلام، ومن التسامي الذي يصنعه الإسلام. وبهذا يؤدون للإسلام شهادة طيبة تجذب الناس إليه وتحببهم فيه. وهو تكليف ضخم ولكنه- في صورته هذه- لا يعنت النفس البشرية، ولا يحملها فوق طاقتها. فهو يعترف لها بأن من حقها أن تغضب، ومن حقها أن تكره. ولكن ليس من حقها أن تعتدي في فورة الغضب ودفعة الشنآن .. ثم يجعل تعاون الأمة المؤمنة في البر والتقوى لا في الإثم والعدوان ويخوفها عقاب الله، ويأمرها بتقواه؛ لتستعين بهذه المشاعر على الكبت والضبط، وعلى التسامي والتسامح، تقوى لله، وطلبا لرضاه. ولقد استطاعت التربية الإسلامية، بالمنهج الرباني، أن تروض نفوس العرب على الانقياد لهذه المشاعر القوية، والاعتياد لهذا السلوك الكريم .. وكانت أبعد ما تكون عن هذا المستوى وعن هذا الاتجاه .. كان المنهج العربي المسلوك والمبدأ العربي المشهور: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» .. كانت حمية الجاهلية، ونعرة العصبية. كان التعاون على الإثم والعدوان أقرب وأرجح من التعاون على البر والتقوى وكان الحلف على النصرة، في الباطل قبل الحق. وندر أن قام في الجاهلية حلف للحق. وذلك طبيعي في بيئة لا ترتبط بالله ولا تستمد تقاليدها ولا أخلاقها من منهج الله وميزان الله .. يمثل ذلك كله ذلك المبدأ الجاهلي المشهور: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» .. وهو المبدأ الذي يعبر عنه الشاعر الجاهلي في صورة أخرى، وهو يقول:


وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد!

 

أيها المؤمنون:


ثم جاء الإسلام .. جاء المنهج الرباني للتربية .. جاء ليقول للذين آمنوا: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) .. جاء ليربط القلوب بالله وليربط موازين القيم والأخلاق بميزان الله. جاء ليخرج العرب ويخرج البشرية كلها من حمية الجاهلية، ونعرة العصبية، وضغط المشاعر والانفعالات الشخصية والعائلية والعشائرية في مجال التعامل مع الأصدقاء والأعداء ..

 

وولد «الإنسان» من جديد في الجزيرة العربية .. ولد الإنسان الذي يتخلق بأخلاق الله .. وكان هذا هو المولد الجديد للعرب كما كان هو المولد الجديد للإنسان في سائر الأرض .. ولم يكن قبل الإسلام في الجزيرة إلا الجاهلية المتعصبة العمياء: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». كذلك لم يكن في الأرض كلها إلا هذه الجاهلية المتعصبة العمياء!


أيها المؤمنون:


نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا, وشفاء صدورنا, ونور أبصارنا, وجلاء أحزاننا, وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نسينا, وعلمنا منه ما جهلنا, وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار, على الوجه الذي يرضيك عنا, واجعله اللهم حجة لنا لا علينا.. آمين آمين آمين برحمتك يا أرحم الراحمين, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

محمد أحمد النادي

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع