الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خاطرة سورة الضحى زاد وتذكرة

بسم الله الرحمن الرحيم


قال تعالى: [وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ]


صحيح أن هذه الآيات نزلت لتسلية الرسول صلى الله عليه وسلم وتخفيف آلامه والرد على من قالوا أن الوحي قد قلى عنه، إلا أننا يمكن أن نستشعر هذه السورة والنسائم الرقيقة فيها لتكون لنا زادا في دربنا في حمل الدعوة كما كانت زادا له عليه الصلاة والسلام.


فحمل الدعوة عمل الأنبياء، وهو عمل شاق طويل يتخلله مواقف جد عصيبة تجعل أناسا يتنكبون عن الاستمرار بالعمل إن تعرضوا لأي نوع من أنواع الملاحقة والتعذيب والبطش، وآخرين يصيبهم التراجع أو الفتور لفترة ما، لأنهم لم يدركوا وعورة الطريق وظلمته وأن نهايته مهما طالت كنهاية النفق، له باب واسع يؤدي إلى فضاء واسع ونور منتشر، ولم يستشعروا أنهم في رعاية الله وحفظه دائما وأبدا أينما كانوا داخل النفق وخارجه، وأن ما يتعرضون له من صعاب وضيق ونكد ما هو إلا لازمة من مستلزمات حمل الدعوة الصحيحة، وامتحان يمتحن الله به المسلم ليرى مدى صدق إيمانه.


سورة الضحى سورة إن تمعنا فيها وقسنا ألفاظها الموجهة إلى الحبيب المصطفى، واستشعرنا معانيها وأحسسنا وكأنها موجهة إلينا فستكون آثارها علينا كالماء البارد للعطشى في هجير الصحراء، وكالركوب القوي الذي يحمل الزاد للمنقطع في الدروب البعيدة المهجورة.


في سورة الضحى يُذكِّرُ الله النبي صلى الله عليه وسلم كيف أنه كان من يوم مولده في رعايته وحفظه، فلم يتركه لمصائب الدنيا، لم يتركه ليتمه وإنما يسر له عمه أبا طالب ثم جده لإيوائه والعطف عليه ورعايته والقيام على شئونه، ولم يتركه للفقر والعوز وإنما رزقه القناعة ويسر له عملا يستجلب به رزق الله، ومالا (مال السيدة خديجة) يتاجر به وينميه ويجعله يتنقل بين الناس ويتعرف إلى الدروب والنفوس، وزوجة صالحة صابرة معينة له على الصبر والتحمل تدفعه وبقوة للمضي قدما في دعوته.


ونحن إن عدنا إلى ماضي كل واحد فينا، سنجد أن الله يسر لنا من يعيلنا ويحتضننا ويرعى شئوننا ويوجهنا التوجيه المناسب للسير في الدروب السليمة، ألم يرزقنا الله وينعم علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى؟ من نعمة الأهل والأولاد والصحة والمال، وأهم من ذلك كله نعمة الإسلام والإيمان، وزادَنا نحن حملة الدعوة نعمة العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وتحقيق وعد الله في الأرض، والتي نسأل الله الثبات عليها حتى بلوغ الغاية.


وكما لم يتركه سبحانه وتعالى ضالا في شعاب الجاهلية المضطربة المنحرفة، بل أوحى إليه بالمنهج القويم المستقيم، المنهج الذي أخرج الناس من ظلمات الجهل والانحراف إلى نور العلم والهداية والرشاد، من ظلمات الظلم والتجبر إلى نور العدل والمودة والتعاضد.


فكذلك الأمة الإسلامية عاشت وتنعمت في ظل الحكم بهذا المنهج الذي لم يعرف التاريخ منهجا مثله، وحين حادت عن الطريق شيئا فشيئا وأدخلت في أدبياتها ونهج حياتها ما ليس منه، ووصل بها الأمر إلى جاهلية أكبر من الجاهلية الأولى وإلى ظلم واقع عليها أعظم وأشد من ظلم الجاهلية الأولى، لم يتركها ربها فقد تجلت رحمته تعالى في خلقه في ناموسه الذي وضعه للبشرية، بأن يرسل لها من يجدد دينها ويعيد توجيه سيرها إلى الوجهة الصحيحة التي تعيدها إلى الالتقاء مع ذاك الخط المستقيم الذي حادت عنه من قبل، لتسير عليه لكن بثبات وحرص أشد، حتى تبقى سائرة عليه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها حسب ما وعدنا به سبحانه وبشرنا به نبيه صلى الله عليه وسلم.


وها أنتم يا حملة الدعوة، يا من منَّ الله عليكم بفضله ونعمه، وهداكم إلى حمل هذا الحمل الثقيل، الوعرة طريقه التي تضيق أحيانا حتى تصل إلى ما قبل الصفر فتشعرون بدنو الهلاك وضياع التضحيات، فإذا بعناية الله تتنزل عليكم وتفتح لكم آفاقا لم تكونوا تتوقعون أنها تُفتح، وتتوسع لكم سبل العمل وتيسيره وتترسخ وتثبت أقدامكم فتكون كالأوتاد المغروسة عميقا يصعب قلعها.


فالدعوة تأتيها الرياح معها أحيانا وضدها أحيانا أخرى ولا يستطيع الصمود في وجه الرياح المضادة العاصفة إلا من عرف الله حق معرفته وانغرست العقيدة في قلبه وعقله غرسا عميقا، وأدرك واجبه في حمل الأمانة إدراكا صحيحا وتصور الطريق ونوائبها، وتصور نتائجها وغايتها، وتيقن أن لا معين ولا منجي ولا ناصر إلا الله سبحانه وتعالى، ولا معطي ولا مثيب الجزاء الأوفى إلا الله سبحانه وتعالى.


وأخيرا: فقد وجه الله حبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم في آخر السورة إلى إكرام اليتيم وعدم قهره وإذلاله، وإلى الرفق بالسائل وعدم نهره، وإن هذه التوجيهات موجهة بداهة إلى كل مسلم، وحري بكم يا من وصفكم الرسول الحبيب بأنكم أحباؤه أن تكونوا أول العاملين بها في ظل هذا الواقع الجاحد الذي لا يرعى للضعيف حقه، ولا يغضب غضبة لله حين يُعتدى على حقوق من لا يملك قوة الذود عن حقوقه، فإن رعاية الأيتام وكفاية السائلين هي صورة عملية من صور شكركم للمنعم سبحانه وتعالى الذي لا تحصى نعمه على عباده وأعظمها نعمة الهداية إلى الإسلام والإيمان.


اللهم إنا نسألك أن نكون من أهل الصبر والثبات وأن تكتبنا مع الصادقين الراجين رحمتك الخائفين من عذابك، إنك أرحم الراحمين وأعدل الحاكمين

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
راضية

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع