الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

مقالة حياة يحلم بها جميع البشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

منذ فجر التاريخ والإنسان يفرّق بين الخطأ والصواب، والحق والباطل، والعدل والظلم, لكن تعدّد الشعوب والأقوام، وكثرة الثقافات والحضارات، وتشعب الناس وتفرقهم ليصبحوا شعوباً وقبائل، وكذلك اختلاطهم الطبيعي مع بعضهم البعض، نتج عنه ما يسمى الفرق في التسميات والمسميات, حتى وصل الاختلاف إلى كل شيء، في الذوق، والمزاج، والتفكير، وحتى الميول. وهذا الجنس البشري بقي يسعى إلى حقائق وظروف يحتاجها من أجل الاستمرار في الحياة والطمأنينة والاستقرار فيها، ومنها مصطلح الحق والباطل، والعدل والظلم، والصواب والخطأ.


وأول هذه المصطلحات هو الخطأ والصواب. إن تقرير الخطأ والصواب لو تُرِك للإنسان العادي أو حتى المثقف والمرتقي فكريا لوجد هناك فرقاً كبيراً بين الميزان الذي يزن عليه الإنسان العادي والإنسان المثقف، وحتى بين العادي والعادي، والمثقف والمثقف، ولن يقبلوا الاجتماع والاتفاق على ميزان واحد. وهذا يدل على أن العقل البشري يقف عاجزاً أمام إنتاج ميزان صحيح للخطأ والصواب، وحتى لو اتفق المجموع على "دستور" معين، فيجب البحث في مقياس الخطأ والصواب الذي وضع على أساسه الدستور، هل على أساس المعرفة العامة بالجنس البشري أم ما اقترب من مصلحة المشرعين؟ وهنا يختل الميزان الذي عليه يقاس ويصبح ما يصلح لك لا يصلح لي، وما هو خطأ في نظرك هو عين الصواب في نظري.


أما لو نظر للأمر من زاوية خاصة يمكن من خلالها الإحاطة بجميع الجوانب لاختلف الأمر تماماً، وهنا تكون الشمولية والمعرفة العامة بالجنس البشري هي السليمة والدقيقة والصائبة وهي المرجعية الحقيقية لميزان الخطأ والصواب, ولن يوجد هذا إلا في ميزان الخالق الباري، المحيط علمه بكل شيء, فيكون الخطأ والصواب تبعا لما أخبرنا به العليم، ويكون مرضياً ومقنعا لكل من سلّم أن الخالق يختار ويقرر الأفضل للخلق، فلن نرى اختلالا وعدم توازن في مقياس الخطأ والصواب.


أما مصطلح الحق والباطل, فهذا المصطلح قد أذاق البشرية الويلات والآلام الشديدة والعناء، فكل فئة أو مجموعة لها حق يختلف تماما عن حق الآخرين، وكل قطر له حق يضعه كيفما شاء ولا يكترث بغيره من الأقطار؛ والسبب هو جعل العقل هو القيم على هذا المصطلح. فما يفعله المستعمر في وجهة نظره هو حق، والمقاوم في نظره فعل المستعمر باطل، فكيف يحتمل الأمر الاثنين؟! وما نسمّيه جهاد يطلقون عليه إرهاب، فهو حق لنا باطل لهم، ولهذا الأمر كثير من التناقضات، فما هو الضابط الحقيقي والمقياس الدقيق الذي يُجمع عليه البشر ويكون منصفًا للجميع؟ إنه الأحكام الشرعية التي أنزلها الله لنا من أجل تنظيم حياتنا العامة والخاصة، فما وافق أوامر الله حق، وما خالفها باطل. أما إن تُرك تحديد الأمر للعقل، فسيكون المحتل على حق بالنسبة له، والمقاوم على حق بالنسبة له.

 

أما بالنسبة للوصف المتصل بهذا المصطلح ألا وهو "أهل الحق" أو "أهل الباطل"، فمن يسعى لتطبيق عدل الله وشرع الخالق الباري هو من أهل الحق، وغيره هو من أهل الباطل، إن كان يسعى لنشر وتطبيق أحكام البشر التي لا تغني ولا تسمن من جوع. ولهذا يجب أن نعرف الحق وأهله، والباطل وأهله، ونسير مع من نرجو منه الحق.


وأخيراً العدل والظلم. إن من أبشع الأمور، وأكثر ما ينفر منه البشر كلهم هو الظلم، وأكثر ما ينشده البشر ويموتون لتحقيقه هو العدل. والعدل هو ما يُظن به أنه ما للبشر وسلبه هو الظلم. فالعدل هو الإنصاف في توزيع ما يحتاجه الإنسان لبقائه على قيد الحياة من غير الشعور أو الظن بأن هناك من سلب منه حقه في الحياة الكريمة. ومن هنا نجد البشر يسعون ويقدمون كل ما يملكون من نفس ومال من أجل الوصول إلى العدل، أي من أجل أخذ الحق الذي أُخذ منهم من غير إرادتهم، فهذا هو عين الظلم. والظلم من الأمور التي جعلها الخالق محرمة على البشر كما حرمها على نفسه؛ لأنه أكثر ما يمتهن البشر، ويكسر كل القيم الحقيقة التي تُبنى عليها المجتمعات الواعية المدّكرة لغاية خلقها.


وهنا يجب على الجنس البشري أن يعلم أن قدراته المحدودة غير كافية لتسير البشرية كلها بشكل يضمن الحقوق، وأن العقل البشري لا يستطيع إيجاد مقياس صحيح يقبله جميع البشر ويعيشون بسببه بانسجام مع بعضهم، بشكل يتوافق مع غاية الخلق. وهذا لا يكون ولن يكون إلا باتباع الأحكام المستنبطة من شرعنا الحنيف وتطبيقها على البشر جميعا، عندها سيشهد القاصي والداني الحياة التي أرادها الله لنا بني الإنسان على هذه البسيطة، ومن ينقلب بعدها يكون كمن يجدّف عكس التيار، والأمواج كفيلة للقضاء عليه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع