خبر وتعليق إعادة هيكلة بنية المجتمع من خلال الزواج: أحدث سياسات الصين لتذويب المسلمين الإيغور وإبعادهم عن الإسلام (مترجم)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الخبر:
أفادت تقارير نشرتها صحيفتا الغارديان ونيويورك تايمز وغيرها من وسائل الإعلام الأسبوع الماضي أن السلطات الصينية في مقاطعة تركستان الشرقية (شينجيانغ) ذات الغالبية المسلمة سوف تقدم حوافز نقدية لتشجيع الزيجات المختلطة بين الأعراق والأديان. وستقدم هذه الجائزة النقدية للأزواج الذين يكون أحدهما من أقلية عرقية والآخر من عرق هان الصيني. ولقد وصفت هذه الخطوة من قبل كثيرين على أنها دافعٌ آخر يهدف إلى دمج المسلمين الإيغور في الثقافة الصينية المهيمنة في البلاد وإبعادهم عن العقيدة الإسلامية. وتشمل "حزمة هدية الزواج الضخمة"، حسبما أطلق عليها المسؤولون الصينيون، صرف مبالغ نقدية سنوية مقدارها 10 آلاف يوان (980 جنيه إسترليني) للزوجين مختلطي الأعراق خلال السنوات الخمس الأولى من زواجهما، إضافةً إلى مزايا وتسهيلات في إمكانية الحصول على السكن، والرعاية الصحية، والتعليم لأطفالهما. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الصيني شي جينبينغ كان قد دعا خلال منتدى رفيع المستوى، عقد في أيار/ مايو من هذا العام لبحث مشكلة هذه المقاطعة (تركستان الشرقية)، دعا إلى وضع وتنفيذ سياسات جديدة لاستيعاب مسلمي الإيغور ودمجهم في المجتمع الصيني والثقافة الصينية السائدين في البلاد. بل وزاد صنّاع السياسات الصينيون على ذلك بأن صاغوا مصطلحات جديدة فيما يتصل بهذه الاستراتيجية مثل مصطلحات "المزج العرقي" أو "الانصهار العرقي". ولم تكن هذه الإعادة لهيكلة بنية المجتمع من خلال الزواج سوى واحدة من الفروع التي أنبتتها هذه الخطة.
التعليق:
إن هذه السياسة الجديدة التي ينتهجها نظام البطش الحاكم في الصين، التي ترمي إلى إعادة تشكيل البنية الديمغرافية لسكان تركستان الشرقية، ما هي إلا أحدث ذراع يستخدمه لتحقيق هدفه القديم المتجدد بتحويل المسلمين الإيغور إلى أقلية في وطنهم الأم، ومحو الثقافة والهوية الإسلامية للمنطقة. إذ لم تكن نسبة السكان الهان الصينيين عندما احتل الجيش الشيوعي تركستان الشرقية في 1949 تزيد عن 7% من سكانها. أما الآن فقد باتوا يشكلون زهاء 40%، كما يشكل المسلمون الإيغور نحو 45%. وقد كان هذا الواقع الجديد نتيجة لاستراتيجية صينية تقضي بتوطين ملايين السكان الهان في المقاطعة على مرّ السنين من أجل فرض الثقافة الصينية على سكانها المسلمين. كما رافق ذلك عقود من سياسات التمييز ضد الأقلية الإيغورية، حيث كانت تعطى الأفضلية للهان الصينيين في التوظيف والالتحاق بالمدارس، وغيرها من المجالات. بل وهناك تقارير تفيد بأن النظام دأب على مدّ المهاجرين الهان بأشكال الدعم المالي الحكومي السخي مثل تقديم المنح لهم لشراء البذور والأسمدة، وتزويدهم بالمعدات الزراعية مجاناً، ما يكسبهم قدرة أكبر على منافسة المزارعين الإيغوريين.
وبالإضافة إلى ذلك، طبق النظام الصيني أسوأ سياسات الاضطهاد البغيضة بحق المسلمين الإيغور بهدف التقييد الخانق للشعائر والمظاهر الإسلامية لديهم وإبعادهم عن معتقداتهم وتراثهم الإسلامي، وكل ذلك من أجل الحيلولة دون نهوض الإسلام في المنطقة. حيث شملت تلك الإجراءات فرض حظر على أداء موظفي الحكومة والطلبة شعيرة الصوم في رمضان؛ ومنع الأطفال والشباب تحت سن 18 من الدخول إلى المساجد، ومنعهم من تعلّم القرآن الكريم في المؤسسات الدينية؛ وحظر أداء الصلاة في غير المساجد التي تخصصها الدولة، والسماح باستخدام ترجمات القرآن التي أقرّتها الدولة فقط؛ وإجبار النساء المسلمات الإيغوريات بصورة ممنهجة على الخضوع لعمليات الإجهاض، حتى وإن كن في الشهر التاسع من الحمل؛ وتقديم مكافآت نقدية لمن يخبرون عن الأشخاص الذين يمارسون بعض السلوكيات الإسلامية، مثل ارتداء اللباس الشرعي للنساء، وإطلاق اللحية للرجال، ومن يتزوجون وفق إجراءات النكاح الشرعي. كما ذكرت تقارير في آب/أغسطس من هذا العام أن مدينة كاراماي في تركستان الشرقية منعت النساء المسلمات اللواتي يرتدين الخمار أو النقاب والرجال المسلمين ذوي اللحى الطويلة من ركوب الحافلات العامة المحلية. كذلك يسيطر النظام الصيني ويتحكم بما يسمى "الرابطة الإسلامية في الصين" التي تقوم بتدريب الأئمة ومعلمي التربية الدينية في البلاد. وذلك بالرغم من قول الرابطة، وبكل وضوح، بأن أحد واجباتها ومهامها هو "غرس حب الوطن والقيام على خدمته ورعايته" و"توحيد المسلمين للمشاركة في بناء الوطن بالطريقة الاشتراكية."
وإلى جانب ذلك كله، وتحت ستار ما تزعم أنه "محاربتها للإرهاب"، دأبت الحكومة الصينية على استخدام طائرات الاستطلاع من دون طيار للتجسس على السكان الإيغور، وقد اعتقلت منذ أيار/مايو الماضي فقط ما بين 800 و 1000 مسلمٍ إيغوري. كما أفادت تقارير وسائل إعلام الدولة الصينية بقتل نحو 100 مسلم إيغوري من قبل قوات الأمن التابعة للدولة يوم 28 تموز/يوليو في ياركاند بمنطقة شاتشي في تركستان الشرقية. وإن كانت وسائل إعلام أخرى تقدر عدد القتلى المسلمين في هذه المذبحة بالمئات.
وفي مقابل ما يلاقيه المسلمون الإيغور اليوم من قمع وظلم واضطهاد على يد السلطات الصينية، كان لمسلمي الصين تاريخ مشرق وضاء أيام الخلافة. إذ كان الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه قد أرسل أول وفد إلى الصين في السنة 29 هجرية (651 ميلادية)، بقيادة الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، لدعوة إمبراطور الصين إلى الإسلام. وبعدها استوطن الصينَ عددٌ من المسلمين بحكم التجارة وغيرها من النشاطات. فكان بعض المسلمين يلقون شيئاً من الظلم على يد بعض الحكام في ظل الأسر الحاكمة الصينية المتعاقبة. ولكن بسبب من وجود الخلافة آنذاك، كان سوء المعاملة هذا يواجَه برد قاسٍ من قبل الخلفاء. وكانت إحدى الحروب الأولى التي شنتها الخلافة ضد دولة الصين قد وقعت على حدود الصين في السنة 133 هجرية. وعلى الرغم من أن عدد جيش المسلمين في هذه الحرب كان أقل بكثير من عدد الجيش الصيني، فقد حقق المسلمون انتصاراً ساحقاً عليهم. وعلى أثر هذه الانتصارات المظفرة لدولة الخلافة، ازداد عدد المسلمين الداخلين إلى الصين، ووسعوا رقعة انتشارهم فيها، حاملين معهم الإسلام إلى أهل تلك البلاد. فعمروا الكثير من المساجد والمدارس فيها. كما حولوا بعض المدن التي قطنوها إلى مراكز ذات شهرة عالمية لتعليم الدين الإسلامي. فكان من ضمن هذه المدن عاصمة تركستان الشرقية كاشغار ذاتها، إلى جانب مدينة بخارى التي كانت تتبع الصين آنئذ ثم باتت تعرف "برُكن الإسلام". ولذلك فإن إقامة الحكم بما أنزل الله في ظل دولة الخلافة هو وحده الذي سيكفل الحماية للمسلمين في الصين، بل كل المسلمين. كما سيضمن لهم القدرة على ممارسة شعائر دينهم، وتطبيق أحكامه، بحماية كاملة من القانون فيها. ودولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي أظلّ زمانها بإذن الله، هي وحدها التي ستؤمّن لهم مستقبلاً زاهراً لا يقل مجداً عن ماضيهم التليد.
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير