المعلم الرابع: إثبات وجود الخالق (ح9)
- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المؤمنون:
السؤال الثالث والعشرون: معلوم أن الله على كل شيء قدير , فهل يقدر على إيجاد إله أقوى منه؟
الجواب: واضح أن السؤال خطأ من ناحيتين: لأن صاحب القدرة المطلقة لا يسأل ولا يطلب منه إيجاد قدرة مطلقة مثله, فضلا عن إيجاد قدرة أقوى منه. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى, فإن قدرة الله عز وجل قدرة مطلقة لا حدود لها, ولا توجد قدرة مطلقة أخرى مثلها فكيف لنا أن نتصور قدرة أقوى منها, إن جاز لنا هذا التعبير. ولو سرنا شوطا أبعد في المسايرة, وقلنا: إن الله تعالى يقدر على إيجاد ذلك الإله, فهل يكون هذا الإله خالقا؟ كلا, إنه مخلوق, وما دام مخلوقا, فهو ليس خالقا, وما دام ليس خالقا, فهو ليس إلها؛ لأن من صفات الإله ألا يكون مخلوقا, فما ليس بمخلوق هو الخالق.
السؤال الرابع والعشرون: كيف آمن الإنسان بالله عقلا مع أن عقله عاجز عن إدراك ذات الله سبحانه وتعالى؟
الجواب: الإيمان إنما هو إيمان بوجود الله, ووجود الله مدرك من وجود مخلوقاته, وهي الكون والإنسان والحياة, وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل فأدركها, وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها وهو الله تعالى؛ لذلك كان الإيمان بوجود الله عقليا, وفي حدود العقل. إن إدراك ذات الله مستحيل؛ لأن ذاته وراء الكون والإنسان والحياة, فهو وراء العقل, والعقل لا يمكنه أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الإدراك. ثم إن عقل الإنسان محدود, وذات الله غير محدودة, فأنى للمحدود أن يدرك غير المحدود!
وهنا تحضرني قصة الإمام أبي حنيفة النعمان مع الملحدين الذين طالبوه أن يريهم الله جل في علاه, وكان قد حفر حفرة صغيرة عند شاطئ البحر, وجعل يغرف من ماء البحر, ويصب في الحفرة, فقالوا له: ما الذي تفعله يا أبا حنيفة؟ فقال لهم: أريد أن أنقل ماء البحر إلى هذه الحفرة! فقالوا له: هل جننت؟ كيف لهذه الحفرة الصغيرة أن تستوعب ماء البحر الكبير؟ فقال لهم: أأنا المجنون أم أنتم؟ وكيف تستوعب عقولكم الصغيرة رؤية الله الكبير, فاقتنعوا, وكفوا عن طلبهم؟!
السؤال الخامس والعشرون: قصور العقل عن إدراك ذات الله هل هو من مقويات الإيمان, أم من عوامل الارتياب والشك؟
الجواب: قصور العقل عن إدراك ذات الله يجب أن يكون من مقويات الإيمان, وليس من عوامل الارتياب والشك. لأنه لما كان إيماننا آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا تاما, ولما كان شعورنا بوجود الله مقرونا بالعقل, كان شعورنا بوجوده يقينيا. وهذا يجعل عندنا إدراكا تاما, وشعورا يقينيا بجميع صفات الألوهية, وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به سبحانه. فيجب أن نسلم بما أخبرنا به الله مما قصر العقل عن إدراكه, أو الوصول إلى إدراكه؛ وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل الإنساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه, وإدراك ذات الله يحتاج إلى مقاييس ليست نسبية, وليست محدودة, وهي مما لا يملكه الإنسان, ولا يستطيع أن يملكه.
السؤال السادس والعشرون: ماذا يترتب على الإيمان بالله تعالى؟
الجواب: الإيمان بالله تعالى آت عن طريق العقل, وهو الركيزة التي يقوم عليها الإيمان بالمغيبات كلها, وبكل ما أخبرنا الله به, وما دمنا آمنا به تعالى, وهو يتصف بصفات الألوهية, يجب حتما أن نؤمن بكل ما أخبرنا به سواء أأدركه العقل أو كان مما وراء العقل؛ لأن المخبر صادق وهو الله تعالى, وصدق الخبر من صدق المخبر, ومن أصدق من الله قيلا؟
أيها المؤمنون:
سئل الإمام علي كرم الله وجهه ثلاثة أسئلة فيما يتعلق بالذات الإلهية وهي: أين الله؟ وكيف الله؟ ومتى كان الله؟
فأجاب على سؤال: أين الله؟ مَنْ أيَّنَ الأَيْنَ لا يُسْأل أيْن! وعلى سؤال: كيف الله؟ مَنْ كيَّفَ الكَيْفَ لا يُسْأل كيْف! وعلى سؤال: متى كان الله؟ ومتى لم يكن؟
أيها الأحبة الكرام:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وسائط
1 تعليق
-
إدراك العجز او القصور عن إدراك ذات الله هو من مقويات الايمان
لأني عندما أدرك ما يمكنني إدراكه وما لا يمكنني إدراكه أكون مطمئنة أن ما توصلت إليه عن طريق العقل هو صحيح ، لانه في هذه النقطة يخلط الكثير بين ما يدركه العقل وهو اثبات وجود الله وبين ما لايدركه اي ذات الله .
فمن يقول " بما أني لا أستطيع أن أرى الله أو ادرك ذاته لا اجزم بوجوده " لم يدرك حدود العقل .
وهو ما ادى بالفلاسفة للبحث في ما لايبحث
إذن ليس العجز نفسه أو القصور هو من مقويات الإيمان ، بينما إدراك العجز هو من مقويات الإيمان