مقالة عودة قرغيزستان إلى منطقة الصراع الملتهب بين الدول الكبرى! (مترجمة)
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد كانت الأحداث التي جرت في السابع من أكتوبر 2013م في مدينة كاراكول القرغيزية دافعا لأصحاب المصالح للقيام بزيارات إلى قرغيزستان. حيث قام وفد تابع للناتو (حلف شمال الأطلسي) يترأسه "ألبرتو بين" المدير العام لبرنامج (شراكة الاندماج والتعاون في سياسة الأمن) وفي الوقت ذاته وصل "سيرغي ناريشكن" المتحدث باسم (الجوس دوما - البرلمان الروسي) في زيارة رسمية، ووصل أيضا في اليوم نفسه السكرتير العام لمنظمة اتفاقية الأمن (نيكولا بيردوجا)، وعلى وجه السرعة قام بالاجتماع بالرئيس القرغيزي أنامباييف.
لقد اندلعت احتجاجات واسعة في مدينة كاراكول القرغيزية في السابع من أكتوبر حيث يوجد منجم الذهب (كومتوري) الذي تملكه شركة "Centerra" الكندية التي كانت تملك 100% من أسهم منجم الذهب، ولكن الاتفاق الجديد نص على حق الشركة Centerra في امتلاك 50% من الأسهم والـ50% الأخرى للحكومة القرغيزية. إن هذه الأحداث وقعت احتجاجا من الأهالي وتعبيرا عن عدم رضاهم عن شروط الاتفاق مع الشركة الكندية، علما بأن الناس كانوا يعلمون قبل الاتفاق الجديد أن الشركة الكندية كانت تملك 100% من الأسهم، ورغم ذلك لم يحتجوا، بل لم يحركوا ساكنا، والسؤال هو: ما الذي دفع الشعب اليوم للاحتجاج على الاتفاق الجديد؟!
من المعلوم أنه إذا كان مستوى المعيشة منخفضًا إلى دون مستوى الفقر فإن بإمكان أية جهة سياسية أن تستغل حاجة الناس لسد حاجاتهم الأساسية، بل ربما لمجرد لقمة العيش فتحركهم بأقل المنافع المادية وتخرجهم للتظاهر والاحتجاج ولو كان الثمن حياتهم. وفي حالتنا هذه فإن الجهة السياسية ليست قوى محلية، إنما هي دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين؛ فكل واحدة من هذه الدول استطاعت أن تشتري لحسابها ذمم بعض السياسيين المحليين المنتفعين والمتسلقين لخدمتها، وبمساعدة هؤلاء السياسيين وباستغلال مستوى المعيشة المنخفض وحاجة الناس تقوم هذه الدول باستخدام الشعوب لتحقيق مصالحها. وفي هذه الحادثة تم استخدام الشعب لتحقيق مصالح الولايات المتحدة وخصوصا بما يتعلق بقاعدة ماناس العسكرية في قرغيزستان.
فقد صرح رئيس الوزراء القرغيزي ساتي بالدييف فيما يتعلق بمنجم ذهب (كومتري) قائلا "حتى شركة Centerra ليست ضد تأميم منجم كومتري ولكن قرغيزستان لا يمكنها دفع المبلغ المتفق عليه في الاتفاق" وهنا يبرز السؤال: من أجل ماذا تقوم أمريكا بحشر الشركة الكندية في الزاوية مع أنها تعمل لصالح الولايات المتحدة؟
وهكذا تكون قرغيزستان في مأزق دائما، وهذا يعني أن الأحداث الجارية تموّلها الولايات المتحدة، والقائمون على الأحداث يهمهم فقط الناحية المادية وليس غير.
إن الروس في زياراتهم الرسمية دائما يمسكون بأنامباييف ليبقى على موقفه الحالي نفسه وأن لا يتراجع عنه مثل سلفه أكاييف. فإذا كان أكاييف قد فتح قاعدة "قانقي GANI" فإن باكاييف وعد بإغلاقها وبعد ذلك تراجع عن وعده وكلاهما تم إزاحته من الحكم من قبل روسيا، والآن جاء دور أنامباييف.
فالحاصل أن مشاكل الشعب لا تهم أولئك الحكام، بل كل ما يعنيهم هي تلك الوعود التي أعطوها لأسيادهم الذين أوصلوهم للحكم؛ فها هو أنامباييف على وشك أن يلاقي مصير سابقيْه؛ وذلك لعدم وفائه بوعوده بقيادة الشعب حسب مصالح أسياده.
ولكن ما هي الفائدة المرجوة للشعب القرغيزي من تغيير جديد للحكومة؟
الحقيقة أنه ليست هناك فائدة؛ فالمصائب الكبيرة تقع على الشعب على يد الحكام الجدد، فهم أسوأ من الذين سبقوهم، ولن تختلف الأنظمة عن سابقاتها في شيء إلا مجرد تغيير شخص الحاكم. وقد صدق الرئيس حين قال "هيا اعملوا إذا استطعتم أي شيء أفضل مما عملنا بما يتعلق بموضوع كومتري". إن المشكلة ليست في أصحاب الاختصاص ولكن في السياسة الدولية. حيث تحتل الدول الكبرى مكان اللاعب الرئيسي، أما الدول الأخرى مثل قرغيزستان فهي بمثابة الكرة التي تركلها الدول الكبرى لتحرز أهدافها، وتمر جرائم تلك الدول دون عقوبة.
إن الأمن والسلام يمكن أن يوجد في قرغيزستان إذا توافقت الدول الكبرى على مصالحها أو كانت فقط لدولة واحدة مصلحة فيها. فسابقا كان الوضع هكذا ولم تكن هناك مشاكل، ولكن مع الوقت ومع ظهور ما سمي بالمشكلة الأفغانية اختل التوازن وصار هناك صراع على المصالح بين عدد من الدول الكبرى، ولكل منها طريقتها وأساليبها في تحقيق مصالحها تستعمله في قرغيزستان، مما يضع المنطقة على برميل من المتفجرات قد ينفجر في أية لحظة والسؤال هو: كيف الخروج من هذا المأزق ليعم الأمن والسلام والهدوء قرغيزستان؟
إن الحل الأمثل هو بتغيير النظام الدولي الحاليّ الذي نخره الصدأ إلى نظام عالمي جديد يقوم على أساس صحيح وهو أساس العدل النابع من الإسلام، وترك الرأسمالية العفنة القائمة على الديمقراطية التي تمص دماءنا. فقط حينها ينتصر المسلمون ويظهرون على الكفر، وتمحى الحواجز التي تحول دون نهضة الأمة في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية، وتزدهر حينها الصناعة الثقيلة، وعندها فقط نكون مستقلين فعلا عن أي تدخل خارجي؛ فلا نعطي الدنية لأحد، ولا نكون تابعين لأحد. نصنع آلاتنا بأيدينا وننعم بخيرات منجم كومتري وكل ثروات بلادنا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
إلدر خزمين