- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
فكرة الحل الوسط
ومما ابتليت به أمة الإسلام اليوم ومنذ غياب دولة الإسلام دولة الخلافة وغزيت به فكرة الحل الوسط المنبثقة عن المبدأ الرأسمالي الوضعي، الحل الذي ليس هو بحل، وإنما هو تقريب بين وجهات النظر، وما هو إلا محاولة ترضية للطرفين، وما هو بإنصاف ولا بإحقاق حق، وما الحل المأخوذ بواسطة فكرة الحل الوسط إلا حل واقعي.
فكرة الواقعية
مما ابتليت به أمة الإسلام، فكرة الواقعية، وهي الفكرة التي تجعل الواقع مصدراً للتفكير وليس موضعاً للتفكير، وما الواقع في الحقيقة إلا محلّاً يتنزل عليه الفكر لإصلاحه وتغييره، ولم يكن الواقع يوماً مصدراً للفكر، إذ إن محل التفكير البشري هو الواقع، تنقله الحواسّ إلى الدماغ فيربطه الدماغ بما لديه من معلومات سابقة عنه ليصدر عليه حكماً، أما أن يؤخذ الحكم من الواقع فما هو إلا إخلاد إلى الأرض، كمثل ذلك الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها واتبع هواه، ولاتباعه هواه وإخلاده إلى الأرض أبى الله تعالى أن يرفعه بالآيات، فصار مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.
إن هذا الكون بما فيه من جماد وحياة وإنسان مخلوق لخالق خلقه من العدم، وبهذا الوصف المحسوس لكل عاقل وقّاف عند الحق نشأت العلاقة بين هذا الكون بما فيه مع خالقه سبحانه وتعالى، وهي صفة المخلوقية، وهي الناحية الروحية فيه، ولكن من يدرك هذه الناحية الروحية في نفسه وفي غيره مما حوله؟ إنه الإنسان الذي يؤمن بالله سبحانه وتعالى خالقاً لهذا الكون، ومدبراً له، ومنظماً لشؤونه، إنه التقي الذي يتحرّى الحكم الشرعي في كل أعماله، فيتحقق لديه السمو الروحيّ، ويسير في حياته من عليّ إلى أعلى، وبإدراكه صلته بخالقه سبحانه وتعالى وبملاحظة هذه الصفة فيه؛ صفة المخلوقية؛ باستمرار، وإدراكه عظمة خالقه سبحانه، وبالغ حكمته، وعظيم تدبيره، وواسع لطفه، يرتقي بنفسه وذاته وروحه لأعلى المراتب، ويصبح ولياً من أولياء الله تعالى بإيمانه وتقواه، إن عاداه أحد آذَنَه الله تعالى بالحرب، أولئك الذين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله، ذلك الفوز العظيم.
أولئك الذين يتقربون إلى الله تعالى بما فرضه عليهم من أحكام شرعية متعلقة بعلاقتهم بأنفسهم، وبعلاقتهم بخالقهم، وبعلاقتهم بغيرهم من الناس، يتقربون إلى خالقهم بأحب شيء عنده، وهو الفرائض، ويزدادون تقرباً بالنوافل حتى يحبهم الله، فيكون سبحانه سمعهم الذي يسمعون به، وبصرهم الذي يبصرون به، وأيديهم التي يبطشون بها، وأرجلهم التي يمشون بها، وإن سألوه أعطاهم، وإن استعاذوه أعاذهم.
إن مقاييس العدل والقِسط ليست في مُكنةِ البشر إلا بالتزام نظام الله تعالى، فهم فاقدو الإحاطة، يقول سبحانه وتعالى عن الكفار: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولـمّا يأتهم تأويله)، فهم لم يحط علمهم بالقرآن ولا بما فيه. وينعى عليهم تكذيبهم به مع واقعهم هذا. ويقول الخضر لموسى عليهما السلام: (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً)، فعدم الإحاطة بالأمر تفقد الإنسان الصبر عليه، والمحيط علمهُ بكل شيء هو الله تعالى، فما تسقط من ورقة إلا يعلمها، ولا حبةٍ في ظلمات الأرض، ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين، وهو الذي يعلم ما في البر والبحر، وهو الذي عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام، وهو الذي يصوّرنا في الأرحام، أما البشر فلا تدري نفس ماذا تكسب غداً، وما تدري نفسٌ بأي أرض تموت، والله سبحانه هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، له ما في السموات وما في الأرض، وهو الذي وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يؤوده حفظهما، وهو العلي العظيم. وهو الذي يعلم السر وأخفى، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يعلم ما في السموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. علمه مطلق، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ).
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد
الأردن