الأربعاء، 25 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة التاسعة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الرعاية الصحية في الدولة الإسلامية – الحلقة التاسعة

 

 

عرضنا في الحلقتين السابقتين الأمر الأول من الأمور الواجب على الدولة أن تقوم بها للحفاظ على بيئة نظيفة، ألا وهو التقليل من التلويث الصناعي.

 

أما الأمر الثاني فهو: نظافة مصادر المياه وجودة ماء الشرب:


الماء مادة ضرورية لا تقوم حياة بدونها، ولا يستوي أي كائن إن لم يتوفر له الماء الصالح، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء30]، وقد عد الإسلام الماء ملكية عامة لتمكين جميع أفراد الرعية من الانتفاع به، فهو مرفق من مرافق الجماعة - التي يشترك المسلمون فيهم - بالإضافة إلى الكلأ والنار، إن لم يتوفر أيا منهم تفرقت الجماعة في طلبه، لذلك ولضمان حفظه وتوفيره صالحا لكل الرعية حرم الشرع منع أي فرد من الانتفاع به، روى ابن ماجه عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلأُ وَالنَّارُ"، وروى البخاري في صحيحه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" وَمِنْهُم: "رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِطَرِيقٍ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ".

 

وكما أن الماء لازم للشرب والطهي والتنظيف فهو لازم لري المزروعات وتربية الحيوانات ولإقامة الصناعات، ولقد أدرك المسلمون أهميته منذ نشوء الدولة الإسلامية في المدينة، فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قدم المدينة لم يكن فيها بئر يستعذب منه إلا رومة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَيَكُونَ دَلْوُهُ فِيهَا كَدُلِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ؟" فاشتراها عثمان (رضي الله عنه) من خالص ماله.


وقد أمر الإسلام بالحفاظ على جودة المياه ونظافتها، وحذر من تلويث مصادر المياه، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ"، رواه مسلم في صحيحه، وروى ابن ماجه بسند صحّحه الألباني عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) أنه قال: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أَنْ نُوكِيَ أَسْقِيَتَنَا وَنُغَطِّيَ آنِيَتَنَا"، وذلك حفظا لما تحويه هذه الآنية من الماء.

 

وكما أن الماء قد يتلوث بفعل الإنسان نتيجة لما يستخدمه من مواد في الصناعة والزراعة، كالمعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق، والكيماويات والمركبات الخطرة مثل المبيدات الحشرية والمخصبات. فقد يتلوث أيضا نتيجة لمواد طبيعية المنشأ، مثل معدن الزرنيخ أو الكائنات الدقيقة المسببة للأمراض من بكتيريا وفيروسات وطفيليات كالكائنات أحادية الخلية والديدان. وإذا تركت هذه الملوثات دون معالجة فمن الممكن أن تسبب طائفة كاملة من الأمراض، والتي تلحق ضررا كبيرا بصحة الإنسان. ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من مليار نسمة على مستوى العالم محرومون من مياه الشرب النظيفة، ويموت سنويا ما لا يقل عن أربعة ملايين شخص معظمهم من الأطفال بسبب الأمراض الناتجة عن تلوث مياه الشرب، كأمراض الحمى التيفية والكوليرا وداء المنشقات (البلهارسيا) والزحار (الدوسنطاريا) وأمراض الإسهال الأخرى.


لذلك فإنه وانطلاقا من القاعدة الشرعية الواسعة القاضية بأن لا ضرر ولا ضرار، وتطبيقا للأحاديث السابقة التي تحرم تلويث المياه العامة التي هي ملك لكافة المسلمين، كان من الواجب على الدولة الإسلامية أن تهتم بنظافة مصادر المياه ومراقبة جودة ماء الشرب وخلوه من الملوثات، عن طريق إنشاء مختبرات خاصة لهذا الهدف، وإقامة محطات لمعالجة المياه وتطهيرها من الملوثات، ويتولى جهاز الحسبة في الدولة الإسلامية مراقبة المياه وجودتها وتقرير عقوبة الأفراد أو الشركات والمصانع التي تلوث مصادر المياه بحيث تكون العقوبة رادعة ومزيلة للتلوث الحاصل. 

 

                                                                                    جمع وإعداد: راضية عبد الله

 

آخر تعديل علىالجمعة, 09 شباط/فبراير 2024

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع