- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
![بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح212) التصرف بالملكية بالإنفاق، أم بتنمية الملك مقيد بإذن الشارع](/ar/media/k2/items/cache/0bbae3fe32b3957719c29542421d0f01_M.jpg?t=1738430717)
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح212)
التصرف بالملكية بالإنفاق، أم بتنمية الملك مقيد بإذن الشارع
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "التَّصَرُّفُ بِالمِلْكِيَّةِ بِالإِنفَاقِ أَمْ بِتَنْمِيَةِ المِلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرين بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 132: التَّصَرُّفُ بِالمِلْكِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ تَصَرُّفاً بِالإِنْفَاقِ أَمْ تَصَرُّفاً بِتَنْمِيَةِ المِلْكِ. فَيُمْنَعُ السَّرَفُ، وَالتَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ، وَتُمْنَعُ الشَّرِكَاتُ الرَّأْسْمَالِيَّةُ، وَالجَمْعِيَّاتُ التَّعَاوُنِيَّةُ، وَسَائِرُ المُعَامَلَاتِ المُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ، وَيُمنَعُ الرِّبَا، وَالغُبْنُ الفَاحِشُ، وَالاحتِكَارُ، وَالقِمَارُ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًاً لِلْحَياَة، أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ المَادَّةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ المَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ إِنْفَاقِ المَالِ، وَدَلِيلُ التَّصَرُّفَاتِ القَولِيَّةِ بِهِ مِثْلُ البَيعِ، وَالإِجَارَةِ، وَغَيرِهَا، وَهِيَ أَدِلَّةُ تَنْمِيَتِهِ. أَمَّا دَلِيلُ الإِنْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ). (الطَّلَاق 7)، وَقَالَ تَعَالَى فِي النَّهْيِ عَنِ الإِسْرَافِ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). (الأَنعَام 141)، وَقَالَ: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ). (الإسراء 27)، وَقَالَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّقْتِيرِ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا). (الفُرقَانُ 67).
وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ القَولِيَّةُ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ حَدَّدَهَا بِمُعَامَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، مِنْ بَيعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَحَدَّدَ كَيفِيَّتَهَا. وَحَرَّمَ مَا سِوَاهَا. قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». (أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها)، فَهَذَا التَّحْدِيدُ لِلمُعَامَلَاتِ بِكَيفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُعُامَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ نَهْياً صَرِيحاً، هُوَ تَقْيِيدٌ لِلتَّصَرُّفِ بِتَنْمِيَةِ المِلْكِ بِإِذْنِ الشَّارِعِ.
فَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٍ وَرَدَ الأَمْرُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ مَـخْصُوصٍ مُـحَدَّدٍ، وَوَرَدَتِ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ عَلَى شُرُوطِ انعِقَادِ المُعَامَلَةِ وَعَلَى شُرُوطِ صِحَّتِهَا بِشَكْلٍ جَازِمٍ، فَالوَاجبُ أَنْ يَكُونَ القِيَامُ بِهَا عَلَى الوَجْهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّصُّ الشَّرعِيُّ، وَأَنْ يَكُونُ مُستَوفِياً جَمِيعَ شُرُوطِ الانعِقَادِ، وَجَمِيعَ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الَّتِي جَاءَ بِـهَا النَّصُّ الشَّرْعِيُّ. فَإِذَا جَاءَتْ مُخَالِفَةً لِـمَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ أَو غَيرَ مُسْتَوفِيَةٍ شُرُوطَ الانعِقَادِ وَشُرُوطَ الصِّحَّةِ فَقَدْ خَالَفَتِ الشَّرْعَ، فَكَانَتْ إِمَّا (بَاطِلَةً) إِذَا كَانَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي لَمْ تَستَوفِهَا هِيَ شُرُوطَ انعِقَادٍ، وَإِمَّا (فَاسِدَةً) إِذَا كَانَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي لَمْ تَستَوفِهَا لَيْسَتْ شُرُوطَ انعِقَادٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُخَالِفَةٌ لِمَا جَاءَ الشَّرعُ بِالأَمْرِ بِهِ أَوِ بِالنَّهْيِ عَنهُ.
وَهَذَا البُطْلَانُ وَالفَسَادُ هُوَ مُخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ، أَيْ مُخَالِفَةٌ لِأَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ، وَهُوَ ارتِكَابٌ لِإِثْمٍ. مِثَالُ ذَلِكَ العَقْدُ الشَّرعِيُّ، فَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَينَ عَاقِدَينِ اثْنَينِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابنِ عُمَرَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ). وَقَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ». (أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ). وَأَمَرَ أَنْ يَكُونَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِذَا لَمْ يَسْتَوفِ العِقْدُ هَذِهِ الشُّرُوطَ: عَاقِدَينِ، وَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فِي مُعَامَلَةٍ مِنَ المُعَامَلَاتِ بَطَلَ العَقْدُ، وُلَـمْ يَنْعَقِدْ، وَكَانَ التَّصَرُّفُ الحَاصِلُ فِي هَذِهِ المُعَامَلَةِ ارتِكَاباً لِإِثْـمٍ، وَفِعْلاً لِحَرَامٍ، إِذْ تُعتَبَرُ هَذِهِ المُعَامَلَةُ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنهُ.
مِثَالُ ذَلِكَ: الشَرِكَاتُ المُسَاهِمَةُ، فَإِنَّهَا تَتِمُّ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. فَبِمُجَرَّدِ تَوقِيعِ الشَّخْصِ عَلَى شُرُوطِ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ شَرِيكاً، وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الشَّخْصِ لِلسَّهْمِ فِي الشَّرِكَةِ يَصِيرُ شَرِيكًاً، فَهِيَ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ مِنْ قَبِيلِ الإِرَادَةِ المُنْفَرِدَةِ كَالوَقْفِ وَالوَصِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ. فَلَيسَ فِي الشَرِكَةِ المُسَاهِمَةِ عَاقِدَانِ، بَلْ مُتَصَرِّفٌ وَاحِدٌ، وَلَيسَ فِيهَا إِيجَابٌ وَقَبُولٌ، بَلْ إِيجَابٌ فَحَسْب.
وَالشَّرِكَةُ شَرْعاً لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِعَقْدٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنْ عَاقِدَينِ مِثلُهَا مِثْلُ البَيعِ وَالإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنَ العُقُودِ. وَلِذَلِكَ لَمْ تَنعَقِدِ الشَرِكَةُ المُسَاهِمَةُ فَكَانَتْ بَاطِلَةً، وَكَانَتْ حَرَاماً. فَإِنَّـهَا لِمُخَالَفَتِهَا لِلشَّرعِ تُعتَبَرُ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ عَنهُ، فَفِيهَا تَركُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ شُرُوطِ انعِقَادِ الشَّرِكَةِ، وَفِيهَا فِعْلٌ لِمَا نَهَى اللهُ عَنهُ وَهُوَ مُخَالَفَةُ أَمْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (النور 63) فَكَانَ القِيَامُ بِهَا ارتِكَابًا لِإِثْمٍ، وَفِعْلاً لِحَرَامٍ؛ فَكَانَتْ مِنَ المُعَامَلَاتِ المُحَرَّمَةِ شَرْعاً؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَاطِلٍ حَرَامٌ.
وَمِثَالُ ذَلِكَ أَيضاً: التَّأْمِينُ عَلَى الحَيَاةِ أَوْ عَلَى البِضَاعَةِ أَوْ عَلَى المُمْتَلَكَاتِ، فَإِنَّهُ تَعَهُّدٌ مِنْ شَرِكَةِ التَّأْمِينِ بِأَنْ تُعَوِّضَ عَلَيهِ عَيْنَ مَا خَسِرَهُ أَوْ ثَمَنَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلبِضَاعَةِ أَوِ المُمْتَلَكَاتِ، أَوْ مَبْلَغاً مِنَ المَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلحَيَاةِ، وَمَا هُوَ مِثْلُهَا مِثْلُ التَّأْمِينِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الجِسْمِ. وَذَلِكَ حِينَ حُصُولِ حَادِثٍ مَا يُعَيِّنَانِهِ خِلَالَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُقَابِلَ مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ. فَلَيسَ فِي هَذَا التَّأْمِينِ مَضْمُونٌ عَنهُ، وَلَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، إِذْ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ قَدْ ضَمِنَتْهُ الشَّرِكَةُ وَضَمَّتْ ذِمَّتَهَا إِلَى ذِمَّتِهِ، وَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا التَّأْمِينِ حَقٌّ مَالِيٌّ لِلمُؤَمِّنِ عِندَ أَحَدٍ قَدِ التَزَمَتْهُ شَرِكَةُ التَّأْمِينِ. إِذْ لَيسَ لِلمُؤَمِّنِ حَقٌّ مَالِيٌّ عِندَ أَحَدٍ وَجَاءَتِ الشَّرِكَةُ وَضَمِنَتْهُ.
وَهَذَا التَّأْمِينُ هُوَ ضَمَانٌ، وَالضَّمَانُ شَرْعاً هُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ المَضْمُونِ عَنهُ فِي التِزَامِ الحَقِّ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَامِنٍ، وَمَضْمُونٍ عَنهُ، وَمَضْمُونٍ لَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَمَاناً لِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ. وَهَذِهِ شُرُوطُ انعِقَادٍ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ فِي الضَّمَانِ، وَمَا دَامَ عَقْدُ التَّأْمِينِ لَمْ يَسْتَوفِ هَذِهِ الشُّرُوطَ الشَّرعِيَّةَ فَهُوَ بَاطِلٌ شَرْعاً وَكَانَ حَراماً، فَكَانَ القِيَامُ بِهِ ارتِكَاباً لِإِثْمٍ وَفِعْلاً لِحَرامٍ، فَكَانَ مِنَ المُعَامَلَاتِ المُحَرَّمَةِ شَرعاً، لِأَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ بَاطِلَةٍ حَرَامٌ. فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِثْلُ الشَّرِكَةِ وَالضَّمَانِ قَدْ حُدِّدَتْ بِكَيفِيَّةٍ مَخصُوصَةٍ، وَشُرُوطٍ مَخصُوصَةٍ بِنُصُوصٍ شَرعِيَّةٍ فَوَجَبَ التَّقَيُّدُ بِهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ بِتَنْمِيَةِ المِلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذنِ الشَّارِعِ.
وَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٍ وَرَدَ النَّهْيِ عَنْهَا صَرِيحاً، كَالغُبْنِ الفَاحِشِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ r أَنَّهُ يَخْدَعُ فِي البُيُوعِ فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ)، وَالخِلَابَةُ بِكَسْرِ الخَاءِ: الخَدِيعَةُ، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بَيْعُ الْمُحَفَّلاَتِ خِلاَبَةٌ، وَلاَ تَحِلُّ الْخِلاَبَةُ لِمُسْلِمٍ». (أخرَجَهُ أحْمَدُ وَابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رَوَاهُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوقُوفاً عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ). لِذَلِكَ كَانَ الغُبْنُ الفَاحِشُ حَراماً.
وَكالاحتِكَارِ لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ». (أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرِ بْنِ عَبدِ اللهِ العَدَوِيِّ). وَكَالقِمَارِ لِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (المائدة 90). وَكَالرِّبَا لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). (البَقَرَة 275). فَكَانَ هَذَا النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَمْثَالِهَا تَقْيِيداً لِلتَّصَرُّفِ بِتَنْمِيَةِ المِلْكِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذِهِ المُعَامَلَاتِ وَأَمْثَالِهَا، وَهَذَا أَيضاً دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ بِتَنْمِيَةِ المُلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.