الأربعاء، 06 شعبان 1446هـ| 2025/02/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح204) سياسة الاقتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

  

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح204) سياسة الاقتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ بَعْدَ المِائَتَينِ, وَعُنوَانُهَا:"سِيَاسَةُ الاقتِصَادِ هِيَ النَّظْرَةُ إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 123: سِيَاسَةُ الاقتِصَادِ هِيَ النَّظْرَةُ إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ عِنْدَ النَّظْرَةِ إِلَى إِشْبَاعِ الحَاجَاتِ, فَيُجْعَلَ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ أَسَاساً لِإِشْبَاعِ الحَاجَاتِ.

 

المادة 124: المُشْكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ هِيَ تَوزِيعُ الأَمْوَالِ وَالمَنَافِعِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ، وَتَمكِينِهِمْ مِنَ الانتِفَاعِ بِهَا بِتَمْكِينِهِمْ مِنْ حِيَازَتِهَا, وَمِنَ السَّعْيِ لَهَا.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا المَادَّتَانِ: الثَّالِثَةُ وَالعِشرُونَ, وَالرَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ المَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 123: هَذِهِ المَادَّةُ مُسْتَنْبَطَةٌ مِنْ عِدَّةِ أَدِلَّةٍ، وَالحُكْمُ الشَّرعِيُّ كَمَا يُسْتَنبَطُ مِنْ دَلِيلٍ وَاحِدٍ يُستَنْبَطُ كَذَلِكَ مِنْ عِدَّةِ أَدِلَّةٍ. فَهِيَ مُستَنبَطَةٌ مِنْ تَحدِيدِ مِلْكِيَّةِ الأَشْيَاءِ بِكَيفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَمِنْ تَحْدِيدِ أَسْبَابِ المِلْكِ بِأَسْبَابٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمِنْ تَحْدِيدِ تَنْمِيَةِ المِلْكِ بِكَيفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمِنْ تَحْرِيمِ بَعْضِ الأَشْيَاءِ وَبَعْضِ الأَعْمَالِ. فَأَدِلَّةُ هَذِه الأُمُورِ الأَرْبَعَةِ تُستَنبَطُ مِنهَا سِيَاسَةُ الاقتِصَادِ. وَسِيَاسَةُ الاقتِصَادِ الَّتِي استُنْبِطَتْ مِنْ هَذِهِ الأَدِلَّةِ هِيَ أَنَّ النَّظْرَةَ إِلَى الثَّروَةِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشْبِعُ حَاجَةً يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَقْرُونَةً بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ فِي هَذِهِ الثَّروَةِ وَمَبْنِيَّةً عَلَيهِ. فَيُعتَبَرُ القَمْحُ مِنَ الثَّروَةِ, وَالعَسَلُ مِنَ الثَّروَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ أَبَاحَ كُلّاً مِنْهُمَا، وَلَا يُعْتَبَرُ الحَشِيشُ مِنَ الثَّروَةِ, وَلَا الخَمْرُ مِنَ الثَّروَةِ؛ لِأَنَّ اللهَ حَرَّمَ كُلّاً مِنْهُمَا، وَيُعْتَبَرُ المَالُ الَّذِي يُشْتَرَى, وَالمَالُ الَّذِي يُؤْخَذُ أُجْرَةً مِنَ الثَّروَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَ كَسْبَهُ فِي كُلٍّ مِنْ هَاتَينِ الحَالَتَينِ، وَلَا يُعْتَبَرُ المَالُ المَسْرُوقُ, وَلَا المَالُ الَّذِي يُكْسَبُ بِعَقْدٍ بَاطِلٍ مِنَ الثَّروَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ كُلّاً مِنْهُمَا.

 

فَالحُكْمُ الشَّرعِيُّ يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيهِ عِنْدَ النَّظْرَةِ إِلَى إِشَبْاعِ الحَاجَاتِ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الأَسَاسَ لِلنَّظْرَةِ إِلَى كَونِ الثَّروَةِ تُشْبِعُ حَاجَةً، أَيْ الأَسَاسُ الَّذِي يَجرِي عَلَيهِ إِنتَاجُ الثَّروَةِ وَاستِهْلَاكُهَا. وَهَذَا هُوَ مَعْنَى مَا جَاءَ فِي المَادَّةِ مِنْ أَنَّ سِيَاسَةَ الاقتِصَادِ هِيَ النَّظْرَةُ إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ عِندَ النَّظْرَةِ إِلَى إِشْبَاعِ الحَاجَاتِ. إِذْ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ، أَيْ مَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَيهِ العَلَاقَاتُ بَينَ النَّاسِ هُوَ تَقَيُّدُ هَذِهِ العَلَاقَاتِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ وَسَيرُهَا بِحَسَبِهَا. فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ النَّظْرَةُ إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ أَيْ إِلَى تَقَيَّدِهِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ مَوجُودَةً عِندَ النَّظْرَةِ إِلَى إِشْبَاعِ الحَاجَاتِ، سَوَاءٌ بِإِنْتَاجِ الثَّروَةِ أَمْ بِاستِهْلَاكِهَا، بِحَيثُ تَكُونُ مَقْرُونَةً بِهَا وَمَبْنِيَّةً عَلَيهَا.

 

فَالأَصْلُ فِي الثَّروَةِ فِي نِظَامِ الإِسْلَامِ حَتَّى تُعتَبَرَ مَادَّةً اقتِصَادِيَّةً يَصِحُّ إِنتَاجُهَا، وَيَصِحُّ استِهْلَاكُهَا، هُوَ مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجْتَمَعُ، أَيْ هُوَ تَقَيُّدُ العَلَاقَاتِ بَينَ النَّاسِ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ. وَعَلَى أَسَاسِهِ يُنْظَرُ إِلَيهَا مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشبِعُ حَاجَةً لِلإِنسَانِ، أَوْ لِلفَردِ، أَوْ لِلْمَجُمُوعِ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ يَجْرِي الإِنتَاجُ وَالاستِهْلَاكُ.

 

وَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الأَسَاسُ, وَهُوَ التَّقَيُّدُ بِالحُكْمِ الشَّرعِيِّ جَاءَ عَامّاً فِي وُجُوبِ تَحْكِيمِ الحُكْمِ الشَّرعِيِّ فِي كُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ المُسْلِمِ، إِلَّا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَكْتَفِ بِالنِّسْبَةِ لِسِيَاسَةِ الاقتِصَادِ بِالأَدِلَّةِ العَامَّةِ مِنْ مِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنهُ فَانْتَهُوا) بَلْ جَاءَ بِأَدِلَّةٍ تَفْصِيلِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِالثَّروَةِ مِنْ حَيثُ تَوفِيرُهَا، وَمِنْ حَيثُ قَضَاءُ الحَاجَاتِ بِـهَا. وَهِيَ أَدِلَّةُ تَحْدِيدِ كَيفِيَّةِ التَّمَلُّكِ، وَتَحدِيدِ أَسْبَابِ المِلْكِ، وَتَحدِيدِ تَنمِيَةِ المِلْكِ، وَتَحرِيمِ بَعْضِ الأَشْيَاءِ، وَبَعْضِ الأَعْمَالِ. فَتَكُونُ سِيَاسَةُ الاقتِصَادِ فِي الإِسلَامِ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى النَّظْرَةِ إِلَى الثَّروَةِ فَقَطْ مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشبِعُ حَاجَةً، بَلْ هِيَ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ كَونُ هَذِهِ الثَّرْوَةِ مُبَاحَةً، وَكُونُ الحَاجَةِ الَّتِي تُشبِعُهَا مُبَاحَةً. أَيْ هِيَ بِنَاءُ هَذِهِ النَّظْرَةِ إِلَى الثَّروَةِ عَلَى تَقَيُّدِ العَلَاقَاتِ بَينَ النَّاسِ بِالأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ.

 

Boloogh20 01 2025

 

ثانيا: المادة 124: بَيَّنَتْ هَذِهِ المَادَّةُ أَنَّ المُشْكِلَةَ الاقتِصَادِيَّةَ ذَاتَ شِقَّينِ: أَحَدِهِمَا فَقْرُ الأَفْرَادِ، أَيْ ضَمَانُ أَنْ تَصِلَ ثَرْوَةُ البِلَادِ إِلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ بِحَيثُ لَا يُحْرَمُ مِنهَا أَيُّ فَرْدٍ، وَالثَّانِي تَمكِينُ كُلِّ فَرْدٍ فِي الرَّعِيَّةِ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ وَالانتِفَاعِ بِهَا.

 

أَمَّا الشِّقُّ الأَوَّلُ: فَدَلِيلُهُ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَتْ بِشَأْنِ الفَقِيرِ، وَبِشَأْنِ المِسْكِينِ، وَبِشَأْنِ ابْنِ السَّبِيلِ, وَهَذِهِ الأَدِلَّةُ جَاءَتْ مِنَ الكَثْرَةِ وَالتَّنوِيعِ بِحَيثُ تُلْفِتُ النَّظَرَ إِلَى أَهَـمِّيَّةِ هَذِهِ الـمُشْـكِلَةِ. أَمَّا الآيَاتُ فَقَالَ تَعَالَى: (وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ). (الحج 28) وَقَالَ: (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيرٍ يُوَفَّ إِلَيكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظلَمُونَ (272) لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). (البقرة 273-274)  وَقَالَ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ). (التوبة 60)  وَقَـالَ: (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ). (الحشر 7) إِلَى أَنْ يَقُولَ: (لِلفُقَرَاءِ المُهَاجرِينَ). (الحشر 8) وَقَالَ: (إِنْ تُبدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخفُوهَا وَتُؤتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيرٌ لَكُمْ). (البقرة 271) وَقَالَ: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ). (البقرة 184)  وَقَالَ: (فَمَنْ لَمْ يَستَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا). (المجادلة 4) وَقَالَ: (وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا). (الإنسان) وقال: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَومٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (7) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (8) أَوْ مِسكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ). (البلد 9)  وَقَـالَ: (قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيرٍ فَلِلوَالِدَينِ وَالأَقرَبينَ وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنِ السَّبِيلِ). (البقرة 215) وَقَالَ: (وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلَائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ). (البقرة 177) وَقَالَ: (أَو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ). (المائدة 95) وَقَالَ: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ). (المائدة 89) وَقَالَ: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ). (الذاريات) وَقَالَ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ). (المعارج).

 

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ أَحمَد شَاكِر). وَقَالَ r فِيمَا يَروِيهِ عَنْ رَبَّهِ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ». (أخرَجَهُ البزَّارُ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَّنَهُ الهيثَمِيُّ وَالمُنْذِرِيًّ).

 

فَهَذِهِ الآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ، وَجَمِيعُ الآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِالإِنفَاقِ، وَأَحْكَامِ الصَّدَقَاتِ، وَأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، وَتَكْرَارِ الحَثِّ عَلَى إِعَالَةِ الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ أَيْ مَنْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ صِفَةُ الفَقْرِ، كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ المُشْكِلَةَ الاقتِصَادِيَّةَ هِيَ فَقْرُ الأَفْرَادِ، أَيْ هِيَ سُوءُ تَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى الأَفْرَادِ بِحَيثُ يَنتُجُ عَنْ هَذَا التَّوزِيعِ فَقْرُ الأَفْرَادِ، فَتَكُونُ المُشْكِلَةُ هِيَ تَوزِيعُ الثَّروَةِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ، فَيَجبُ أَنْ يُعَالَجَ هَذَا التَّوزِيعُ، بِحَيثُ تَصِلُ هَذِهِ الثَّروَةُ لِكُلِّ فَرْدٍ. فَالأَدِلَّةُ جَاءَتْ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّوزِيعَ يَجِبُ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ فَرْدٍ، وَلِأَجْلِ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ فَرْدٍ يَجِبُ أَنْ يُعَالِـجَ مَنْحُرِمَ مِنهُ، أَيْ أَنْ يُعَالِجَ الفُقَرَاءَ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ، أَيْ مَنْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ صِفَةُ الفَقْرِ. وَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ الشِّقِّ الأَوَّلِ مِنَ المَادَّةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع