- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح202) منع المرأة والرجل من مباشرة أي عمل فيه خطر على الأخلاق
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ المِائَتَينِ, وَعُنوَانُهَا: "مَنَاصِبُ وَوَظَائِفُ الدَّولَةِ الَّتِي يَجُوزُ أَنْ تَتَعَيَّنَ فِيهَا المَرأَةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الوَاحِدَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 119: يُمنَعُ كُلٌّ مِنَ الرَّجُلِ وَالمَرأَةِ مِنْ مُبَاشَرَةِ أَيِّ عَمَلٍ فِيهِ خَطَرٌ عَلَى الأَخْلَاقِ، أَوْ فَسَادٌ فِي المُجْتَمَعِ.
المادة 120: الحَيَاةُ الزَّوجِيَّةُ حَيَاةُ اطمِئْنَانٍ، وَعِشْرَةُ الزَّوجَينِ عِشْرَةُ صُحْبَةٍ. وَقِوَامَةُ الزَّوجِ عَلَى الزَّوجَةِ قِوَامَةُ رِعَايَةٍ لَا قِوَامَةَ حُكْمٍ, وَقَدْ فُرِضَتْ عَلَيهَا الطَّاعَةُ، وَفُرِضَ عَلَيهِ نَفَقَتُهَا حَسَبَ المَعْرُوفِ لِمِثْلِهَا. وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا المُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا المُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتان هما المَادَّتَانِ: التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ, وَالعِشْرُونَ بَعْدَ المِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ المَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
المادة 119: دَلِيلُ هَذِهِ المَادَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ رَفَاعَةَ قَالَ: «وَنَهَانَا عَنْ كَسْبِ الأَمَةِ إِلَّا مَا عَمِلَتْ بِيَدِهَا وَقَالَ هَكَذَا بِأَصَابِعِهِ نَحْوَ الْخَبْزِ, وَالْغَزْلِ, وَالنَّفْشِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الزَّينُ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ)، أَيْ تُمْنَعُ المَرْأَةُ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ يُقْصَدُ مِنهُ استِغْلَالُ أُنُوثَتِهَا، وَتُبَاحُ لَهَا بَاقِي الأَعْمَالِ. وَهَذَا يُفْهَمُ مِنَ الحَدِيثِ مِنْ قَولِهِ: "إِلَّا مَا عَمِلَتْ بِيَدِهَا"، أَيْ مِمَّا يُقْصَدُ مِنهُ استِغْلَالُ جُهْدِهَا، وَمَفْهُومُهُ مَنعُ استِغْلَالِ أُنُوثَتِهَا. عَلَى أَنَّ القَاعِدَةَ الشَّرعِيَّةَ (الوَسِيلَةُ إِلَى الحَرَامِ مُحَرَّمَةٌ) تَمْنَعُ كُلَّ عَمَلٍ يُوصِلُ إِلَى الحَرَامِ حَتَّى وَلَو بِغَلَبَةِ الظَّنِّ. وَالقَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةُ (الشَّيءُ المُبَاحُ إِذَا أَدَّى فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ إِلَى ضَرَرٍ يُمْنَعُ ذَلِكَ الفَردُ وَحْدَهُ, وَيَبْقَى الشَّيءُ مُبَاحاً)، فَهِيَ تَمْنَعُ كُلَّ شَخْصٍ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً مِنَ الاشْتِغَالِ فِي عَمَلٍ مُبَاحٍ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا كَانَ هَذَا الشَّخْصُ بِعَيْنِهِ يُوصِلُ اشتِغَالُهُ فِي العَمَلِ إِلَى ضَرَرٍ لَهُ، أَوْ ضَرَرٍ لِلأُمَّةِ، أَوْ ضَرَرٍ لِلْمُجْتَمَعِ أَيّاً كَانَ نَوعُ هَذَا الضَّرَرِ.
المادة 120: دَلِيلُ هَذِهِ المَادَّةِ قَولُهُ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنهَا زَوجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيهَا). (الأعراف 189) وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً).(الرُّومُ 21) وَالسَّكَنُ هُوَ الاطْمِئْنَانُ، وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ). (البقرة 228) قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: "لَهُنَّ مِنْ حُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالعِشْرَةِ مِثْلُ الَّذِيْ عَلَيهِنَّ مِنَ الطَّاعَةِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيهِنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ" ذَكَرَهُ القُرطُبِيُّ فِي التَّفْسِيرِ. وَقَولُهُ تَعَالَى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ). (النِّسَاءُ 19)، وَالعِشْرَةُ: المُخَالَطَةُ وَالمُمَازَجَةُ. وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ: «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ». (أَخرَجَهُ مُسْلِمُ). وَرُوِيَ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُكُمْ خـيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي». (أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها, وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، وَابنُ حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ). وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ».(أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ). وَكَانَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَمِيلَ العِشْرَةِ يُدَاعِبُ أَهْلَهُ, وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ. وَكَانَ إِذَا صَلَّى العِشَاءَ يَدْخُلُ مَنزِلَهُ وَيَسْمَرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلاً قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ. فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الحَيَاةَ الزَّوجِيَّةَ حَيَاةُ طُمَأْنِينَةٍ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوجِ أَنْ يَقُومَ بِمَا يَجْعَلُ هَذِهِ الحَيَاةَ الزَّوجِيَّةَ حَيَاةَ طُمَأْنِينَةٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "إِنِّي لأَتَزَيَّنُ لِامْرَأَتِي كَمَا تَتَزَيَّنُ لِي، وَأُحِبُّ أَنْ أَسْتَنظِفَ كُلَّ حَقِّي الَّذِي لِي عَلَيهَا، فَتَسْتَوجِبَ حَقَّهَا الَّذِي لَهَا عَلَيَّ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ). (البَقَرَة 228)" ذَكَرَهُ القُرطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ. وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى وَإِنْ جَعَلَ القِوَامَةَ فِي البَيتِ لِلرَّجُلِ فَقَالَ: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ). (النِّسَاء 34) فَإِنَّ هَذِهِ القِوَامَةَ قِوَامَةُ رِعَايَةٍ لَا قِوَامَةَ حُكْمٍ وَسُلْطَانٍ قَالَ فِي القَامُوسِ المُحِيطِ: "وَقَامَتِ المَرْأَةُ تَنُوحُ: طَفِقَتْ، وَقَامَ الأَمرُ: اعتَدَلَ كَاستَقَامَ، وِقَامَ فِي ظَهْريِ: أَوجَعَنِي، وَقَامَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ وَعَلَيهَا مَانَهَا, وَقَامَ بِشَأْنِهَا". وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قِوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى المَرْأَةِ لُغَةً هِيَ الإِنْفَاقُ عَلَيهَا, وَالقِيَامُ بِمَا تَحْتَاجُهُ، فَيَكُونُ هَذَا المَعْنَى اللُّغَوِيُّ هُوَ مَعْنَى الآيَةِ, إِذْ لَمْ يَرِدْ مَعْنىً شَرعِيٌ غَيرُهُ. فَهَذَا مَعْنَى قَولِهِ تَعَالَى: (قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ قِوَامَةُ الرَّجُلِ عَلَى المَرْأَةِ قِيَاماً بِشَأْنِهَا، وَأَنْ تَكُونَ عِشْرَتُهُ مَعَهَا عِشْرَةَ صُحْبَةٍ، وَقَدْ وَصَفَهَا اللهُ بِذَلِكَ فَقَالَ: (وَصَاحِبَتِهِ). (عَبَسَ 36) يَعْنِي زَوجَتَهُ.
وَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِهِ صَاحِباً لِزَوجَاتِهِ وَلَيسَ أَمِيراً مُتَسَلِّطاً عَلَيهِنَّ. وَكُنَّ يُرَاجِعْنَهُ وَيُنَاقِشْنَهُ. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: "وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْراً حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ, وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِي أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِي: لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: مَا لَكِ وَلِمَا هَا هُنَا؟ وَفِيمَ تَكَلُّفُكِ فِي أَمْرٍ أُرِيدُهُ؟ فَقَالَتْ لِي: عَجَباً لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ، فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ؟ فَقَالَتْ حَفْصَةُ: وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ، فَقُلْتُ: تَعْلَمِينَ أَنِّي أُحَذِّرُكِ عُقُوبَةَ اللَّهِ وَغَضَبَ رَسُولِهِ". (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ). وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «أَهْدَتْ بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَاماً فِي قَصْعَةٍ، فَضَرَبَتْ عَائِشَةُ الْقَصْعَةَ بِيَدِهَا فَأَلْقَتْ مَا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٌ بِإِنَاءٍ». (أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ, وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ).
فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِوَامَتَهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَزْوَاجهِ كَانَتْ قِوَامَةَ رِعَايَةٍ, لَا قِوَامَةَ حُكْمٍ، فَكُنَّ مَعَهُ صَاحِبَاتٍ لَهُ, وَلَسْنَ رَعَايَا عِندَهُ، وَتَدُلُّ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ عِشْرَتَهُ عِشْرَةَ صُحْبَةٍ. وَقَدْ أَوجَبَ اللهُ عَلَى المَرأَةِ الطَّاعَةَ لِزَوجِهَا، وَحَرَّمَ عَلَيهَا النُّشُوزَ قَالَ تَعَالَى: (وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبغُوا عَلَيهِنَّ سَبِيلًا). (النِّسَاءُ34)، وَأَوجَبَ عَلَى الزَّوجِ نَفَقَتَهَا، قَالَ تَعَالَى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيهِ رِزْقُهُ فَليُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ). (الطَّلَاقُ7) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّاً وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقّاً، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلا وَحَـقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ». (أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ. وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمْ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ ... وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».
وَرُوِيَ أَنَّهُ جَاءَتْ هِنْدُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لا يَعْلَمُ، فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها). فَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ هَذِهِ المَادَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.