الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الأزمة الاقتصادية في سريلانكا وبريطانيا: وجهان للعملة الرأسمالية الفاسدة نفسها

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأزمة الاقتصادية في سريلانكا وبريطانيا: وجهان للعملة الرأسمالية الفاسدة نفسها

(مترجم)

 

 

 

الخبر:

في يوم الأحد 3 نيسان/أبريل، استقال 26 وزيراً من الحكومة السريلانكية بسبب الغضب الشعبي المتزايد والاحتجاجات على الأزمة المالية الضخمة في البلاد. فقد انخفضت الاحتياطيات من العملات الأجنبية في هذه الدولة التي تعتمد على الاستيراد بنحو 70٪ منذ كانون الثاني/يناير 2020 إلى 2.3 مليار دولار في شباط/فبراير بسبب سوء الإدارة المالية ووباء كوفيد الذي أضر بصناعة السياحة في البلاد والتحويلات الأجنبية، ما جعل الحكومة تكافح من أجل الدفع لاستيراد الضروريات الحيوية. ونتيجة لذلك، واجه الناس نقصاً حاداً في الغذاء والوقود والغاز والأدوية والضروريات الأخرى، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي لمدة 13 ساعة وارتفاع تكاليف الاحتياجات الأساسية. وانخفضت قيمة الروبية السريلانكية بنسبة 40٪ مقابل الدولار في شهر واحد، وتجاوز معدل التضخم 17٪، بينما بلغ تضخم الغذاء 30٪ في آذار/مارس. ويكافح الملايين داخل البلاد من أجل البقاء المالي، حيث لا يستطيع الكثيرون تحمل وجبتين أساسيتين في اليوم. في هذه الأثناء، اندلعت في بريطانيا، خامس أغنى دولة في العالم، احتجاجات في جميع أنحاء البلاد يوم الأحد 3 نيسان/أبريل ضد أزمة غلاء المعيشة، الناتجة عن الارتفاع الحاد في تكاليف الغاز والكهرباء إلى جانب الزيادة الهائلة في أسعار الوقود والغذاء، فضلاً عن ارتفاع ضريبة التأمين الوطني وضريبة المجلس وفواتير أخرى. القفزة في فواتير المنازل هي الأكبر في الذاكرة الحية، حيث ارتفعت تكاليف الطاقة بنسبة 54٪ لتصل إلى حوالي 2000 جنيه إسترليني سنوياً. أدى ذلك إلى دفع الكثيرين إلى براثن الفقر والمكافحة من أجل إطعام أنفسهم وأسرهم، وترك الملايين أمام خيار مستحيل بين "الأكل أو التدفئة" - إذ يتعين عليهم الاختيار بين تناول وجبة أو تدفئة منازلهم أحياناً أثناء تدني درجات الحرارة، بسبب نقص الأموال.

 

التعليق:

 

قد تختلف طبيعة الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على سريلانكا وبريطانيا، لكن الخسائر الهائلة في حياة الناس العاديين متشابهة، وكذلك السبب الجذري لهذا البؤس البشري - النظام الرأسمالي وقوانينه وسياساته التي تخلق اقتصادات الازدهار والانهيار المعلقة في الهواء.

 

في سريلانكا، لعب سوء إدارة الحكومة للأموال العامة والقرارات الاقتصادية السيئة دوراً كبيراً في المشاكل الحالية التي تمر بها البلاد. ومع ذلك، فإن النموذج الاقتصادي القائم على الديون الرأسمالية في البلاد والذي سعى إلى تطوير البلاد من خلال القروض الضخمة القائمة على الربا من الدول الأجنبية، وخاصة من الصين في السنوات الأخيرة، هو السبب الجذري لهذه الأزمة الاقتصادية الحالية. في أوائل عام 2000، اتجهت الحكومة السريلانكية نحو الصين لتمويل العديد من مشاريع البنية التحتية. استثمرت الصين 12 مليار دولار في مثل هذه المشاريع بين عامي 2006 و 2019، ما رهن البلاد فعلياً لبكين. بسبب عدم قدرتها على سداد قروضها، أخذت الحكومة السريلانكية قروضاً أخرى قائمة على الربا لتسديد الديون الخارجية للصين، ما تسبب في خروج ديونها الخارجية عن السيطرة. قُدِّر الدين العام لسريلانكا بحوالي 119٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. هذا العام وحده، تمتلك البلاد ديوناً خارجية بقيمة 7 مليارات دولار يجب سدادها، في حين إن احتياطياتها من العملات الأجنبية لا تتجاوز 2 مليار دولار فقط. وبالتالي، فإن الحكومة تسعى إلى إنقاذ من صندوق النقد الدولي، الذي تواجه سياسات السوق الحرة الرأسمالية عواقبه الكارثية، كما حدث في العديد من الدول في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا. لقد حولت هيئة صندوق النقد الدولي الرأسمالية الدول إلى مدمنين على القروض، بينما عملت على إفقار الناس من خلال برامج التكيف الهيكلي التي خفضت الإنفاق الحكومي على التعليم والرعاية الصحية، وزادت الصادرات الرخيصة من الموارد الطبيعية للبلدان، وتسببت في تدمير الصناعات المحلية من خلال التلاعب في الاقتصادات لاستيراد المزيد من السلع الأجنبية - وكلها تثري الدول الغربية، بينما تخنق اقتصادات الدول الفقيرة وتدفعها إلى مزيد من الديون.

 

بريطانيا دولة يعتمد اقتصادها أيضاً على الاقتراض والديون الربوية الضخمة 2.3 تريليون جنيه إسترليني اعتباراً من شباط/فبراير 2022 حوالي 95٪ من الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، فإن الارتفاع الهائل في تكاليف معيشة الناس يرجع إلى حد كبير إلى ارتفاع تكاليف الطاقة والوقود التي تفرضها الشركات بمليارات الدولارات التي تواصل تحقيق أرباح ضخمة بينما يعاني الناس العاديون من ضائقة مالية. في الواقع، صرحت شركة النفط العملاقة BP أن لديها "نقوداً أكثر مما يمكننا معرفة ما نفعله فيها" بعد أن حققت ما يقرب من 10 مليارات جنيه إسترليني أرباحاً في العام السابق، بينما سجلت شركة الطاقة شل أفضل أرباح ربع سنوية لها في 8 سنوات في الربع الأخير من عام 2021، بعد أن حققت أرباحاً لا تصدق قدرها 14.2 مليار جنيه إسترليني على مدار العام. إن النظام الرأسمالي الذي يسمح بخصخصة الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز هو الذي مكّن هذه الشركات من فرض فدية على الدول مقابل تلقيها الاحتياجات الأساسية، تحت رايتها الليبرالية الخاصة بحرية الملكية.

 

تنعكس المشاكل الاقتصادية والفقر المدقع وانعدام الأمن المالي التي تؤثر على الملايين داخل هذه الدول وداخل البلدان في جميع أنحاء العالم في ظل ظلمات النظام الرأسمالي السام. إنه تذكير صارخ بأسباب حاجة العالم الماسة إلى نظام بديل ليكون نموذجاً لكيفية العناية بصدق باحتياجات البشرية بطريقة عادلة وسليمة. والإسلام هو الذي يقدم هذا البديل. فالنظام الاقتصادي الإسلامي على سبيل المثال يرفض الربا ونموذج النمو الاقتصادي القائم على الديون. كما يُحرِّم كنز الثروة واحتكارها، ويفرض توزيعها الفعال بحيث يتمتع الجميع بمستوى معيشي كريم، كما يُحرِّم خصخصة الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمياه، بل يعرّفها بالمكلية العامة، بحيث يستفيد الجميع من عائداتها، ويمنع فرض رسوم على الوصول إلى هذه الموارد، بحسب حديث النبي ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ».

 

إن حكومات العالم تجهل كيفية حل المشكلات الاقتصادية لشعوبها بطريقة عادلة تضمن الرخاء للجميع. هذا أمر لا مفر منه في ظل أي نظام من وضع الإنسان. وحده النظام الإلهي حيث تكون القوانين من خالق البشرية يمكن أن يقدم نظاماً اقتصادياً عادلاً وسليماً. وهذا لا يمكن تطبيقه بفاعلية إلا في ظل نظام رب العالمين؛ الخلافة على منهاج النبوة. ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾.

 

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

آخر تعديل علىالثلاثاء, 25 تشرين الأول/أكتوبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع