المكتب الإعــلامي
البلاد الناطقة بالألمانية
التاريخ الهجري | 29 من رجب 1441هـ | رقم الإصدار: 1441 / 04 |
التاريخ الميلادي | الثلاثاء, 24 آذار/مارس 2020 م |
بيان صحفي
بخصوص أزمة فيروس كورونا
(مترجم)
إن انتشار وباء فيروس كورونا وما تبعه من تداعيات قد أظهر ثغرات بالغة في النظام الرأسمالي ونظام المجتمع الليبرالي. فبمجرد اندلاع الوباء في المقاطعة الصينية هوباي حدثت رجات عنيفة في الأسواق المالية الدولية. فقد انخفض مؤشر البورصة الألمانية (داكس) في غضون أسابيع قليلة بنسبة 40%، وانهار حتى يوم 3/17 إلى مستوى 8.442 نقطة. وبتزايد عدد المصابين توقفت الحركة الاقتصادية والحياة العامة في ألمانيا توقفاً شبه كامل، حتى إن المستشارة الألمانية صرحت في 2020/3/18: (منذ الوحدة الألمانية، لا، بل منذ الحرب العالمية الثانية لم يمر على بلدنا تحدٍ يستوجب عملاً جماعياً تضامنياً كهذا...).
فبعد تردد في بداية الأمر قررت الحكومة الاتحادية إغلاق جميع المؤسسات التعليمية والمحال التجارية التي لا تساهم في ضمان التموين الأساسي. وأيضاً فقد تم تقليص حرية التجول ومنع الحفلات والتجمعات العامة والاحتكاك المباشر بين الناس، كل هذا تحت التهديد بإيقاع عقوبات صارمة. وبينما قررت الشركات العالمية كشركة مرسيدس، وفولكس فاجن، وبي إم إغلاق مصانعها فإن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تحصى تخشى الإفلاس الكامل. فبحسب تقديرات وزارة العمل سيزداد عدد العاطلين ممن يتقاضون معاش الضمان الاجتماعي بمقدار 1.2 مليون شخص جراء هذه الأزمة. وفي 3/21 أعلن وزير المالية أولاف شولتس تخصيص رزمات من المساعدات المالية تقدر بالمليارات لمواجهة الركود الاقتصادي. كما أعلن عن نية الحكومة رفع المديونية بمقدار 156 مليار يورو وإيجاد مظلة إنقاذ مالية قد تصل إلى 600 مليار يورو. وأخيراً أعلن البنك الاتحادي الألماني في تقريره الشهري يوم 3/23 ما يلي: (إن الانحدار إلى ركود بَيِّن هو أمر لا يمكن تفاديه... وأمام هذه الخلفية فإن الحالة الاقتصادية يخيم عليها اضطراب غير مسبوق).
وأيضاً فإن النظام الصحي الألماني معرض لاستنفاد قدراته خلال أسابيع قليلة جراء هذا الانتشار الوبائي. فرئيس مؤسسة المشافي الألمانية جيرالد غاس يقدر بأن أًسِرّة العناية المركزة والتي يبلغ عددها 28.000 ستُحجز بالكامل، وهو ينتقد أن الولايات المسؤولة عن المستشفيات لم تستثمر بما فيه الكفاية في القطاع السريري للمستشفيات. وبحسب بيانات معهد المشافي الألماني هناك نقص في عدد موظفي الرعاية في المراكز الصحية يقدر بحوالي 17.000، وأن ثلاثاً من أجمالي أربع مستشفيات يبحثون عن أطباء. ويبدو أن الوضع في ولاية نوردراين-وستفاليا هو الأكثر وخامة، حيث إنها المقاطعة الأكثر إصابة بالوباء. فقد انتقدت هيئة المشافي في نوردراين-وستفاليا أن المعدات الوقائية في أغلب المراكز الصحية تكفي لـ14 يوماً فقط. وانتقدت أن المسؤوليات تُزَجّ تلقائياً للجهات الأخرى: فالاتحاد يُحَمِّل المسؤولية للولايات، والولايات تُحمل المسؤولية للمستشفيات، وهكذا... فالمشكلة حسب تصريح الهيئة أن النظام الصحي الألماني قائم على الكفاءة الاقتصادية، وأن 40% من المستشفيات تسجل خسائر. إن الوضع الكارثي للنظام الصحي يُظهر أيضاً هشاشة سلاسل التوريد الدولية، فقد اضطر وزير الصحة في مقاطعة نوردراين-وستفاليا، كارل يوزيف لاومان، أن يعترف أمام الملأ بهذه الحقيقة. وكان هذا في 3/8، أي قبل استفحال الأمر.
وحتى العمود الفقري للاتحاد الأوروبي، منطقة الشينغن، معرض للخطر الوجودي جرّاء أزمة كورونا. فبجانب ألمانيا تقوم الآن حوالي 12 دولة أوروبية بتفتيشات حدودية في داخل السوق المشتركة، مما أدى إلى توقف فعلي لحركة النقل الحرة للبضائع والأشخاص. وقد نتج عن هذا ازدحام مروري لعشرات الكيلومترات عند الحدود الداخلية للسوق المشتركة، وصل عند الحدود الألمانية البولندية إلى ستين كيلومتراً!
إن أزمة كورونا أظهرت للعالم من جديد مدى هشاشة النظام الاقتصادي الرأسمالي. فلقد فشلت قوى السوق التي يُفترض فيها أنها تؤدي إلى التوزيع الأمثل للموارد...، لقد فشلت هذه القوى للمرة الثالثة في غضون عقدين من الزمن بعد الأزمة المالية عام 2008 وأزمة اليورو عام 2010. فالحكومات مضطرّة أن تتدخل من جديد لإنقاذ السوق الحر من الانهيار، مع أن الفرضية الرأسمالية المُثلى تحرّم ذلك. وهكذا ظهر بوضوح أن منطق الكفاءة الاقتصادية قد تسبب في إضعاف النظام المناعي للمجتمع إضعافاً بالغاً. فإذا كانت الشركات والمؤسسات التعليمية وحتى المستشفيات تُسَيِّر أعمالها حسب قاعدة الحد الأدنى والحد الأقصى من الجدوى الاقتصادية، فإن هزات بسيطة تكفي لتعطيل نُظم البنية التحتية بكاملها. فبسبب إطلاق القاعدة التنموية ومنطق الترقب الذي تتبعه الأسواق المالية أصبحت المؤشرات الاقتصادية السلبية تؤثر على الاقتصاد الحقيقي تأثيراً مباشراً، وتبسط قوتها الهدّامة في شكل إفلاس مطرد وتسريح جماعي للموظفين. وبسبب العولمة التي أدت إلى تشابك كثيف في الأسواق جرّاء تزايد النشاط التجاري والمالي والاستثماري الدولي، فقد أصبح الاقتصاد العالمي بأسره أكثر عُرضةً للأخطار النظامية. وهكذا استطاع وباء أن يتحول إلى أزمة اقتصادية دولية لا تزال نهايتها مجهولة.
وأيضاً فإن المنظومة الليبرالية للمجتمع قد اهتزت في أركانها جرّاء هذا الوباء. فقد أدت الإجراءات الوقائية المتخذة إلى تقليص حاد للحريات التي يكفلها الدستور. يقول ستيفان جوزيبات أستاذ الفلسفة بالجامعة الحرة في برلين: (أرى أن إغلاق ضواحٍ ومدن كاملة هو أمر في غاية الإشكالية...، صحيح أن حرية الفرد تنتهي عند التعدي على حرية الآخرين، ولكن تقليص هذه الحريات لأسباب احترازية وتنظيمية سياسية مجردة - فهذا صعب...)، ولكن الأمر الأعظم في نظر المجتمع الليبرالي هو اضطرارهم في هذه الأزمة إلى موازنة حياة الناس الواحدة ضد الأخرى! فبسبب نقص المعدات والموظفين في القطاع الصحي على الأطباء أن يؤثروا المرضى ذوي التوقعات الشفائية العالية، وأن يتركوا الآخرين لمصيرهم. إن صورة الإنسان والمجتمع التي رسمتها العلمانية في أذهان الناس والتي لا يخضع فيها الفرد للجماعة ولا ينضبط تحتها، إن هذه الصورة بان فشلها في الوضع الراهن الذي يستوجب جهوداً جماعية، جهوداً تقتضي بدورها استعداداً لتضحيات فردية. لقد ظهر للعيان أن هذا البناء المبدئي للمجتمع الذي تنال فيه الدولة شرعيتها من مجرد حراستها لحريات الفرد هو وَهْمٌ خطير لا يمثل واقع الإنسان، لا في الفترات العادية ولا في فترة الأزمات.
إن حزب التحرير في البلاد الناطقة بالألمانية يدعو الشعب الألماني أن يتخذ هذا الحدث الفيصل مدعاة لمراجعة عَقَدية شاملة. فنظام هشّ كهذا، قائم على الجدوى الاقتصادية المجرّدة والنمو المطلق، سيقود المجتمع إلى حافة الهاوية المرة تلو الأخرى، وسيعجز عن حل مشاكل الناس حلاً صحيحاً مستديماً. فقط النظام الذي يطابق الواقع ويوافق فطرة الإنسان موافقة شاملة يقدم المخرج من هذا الدوران بين النشوة الذاتية والإفاقة المؤلمة في أرض الحقيقة. إنه الإسلام الذي صهر الشعوب في بوتقته ووحّدها، ومنحها الاستقرار الاقتصادي والنظامي في كنف الدولة الإسلامية لـ1300 عام.
قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير في البلاد الناطقة بالألمانية
المكتب الإعلامي لحزب التحرير البلاد الناطقة بالألمانية |
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة تلفون: 0043 699 81 61 86 53 www.domainnomeaning.com |
فاكس: 0043 1 90 74 0 91 E-Mail: shaker.assem@yahoo.com |