الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السبب الرئيسي في الارتفاع الكبير والمستمر في الأسعار

هو انخفاض قيمة العملة باستمرار لأنها لا تستند إلى الذهب والفضة

 

لقد كانت الروبية بالأصل مدعومة بمال حقيقي ومستندة على معدن نفيس، على غرار العملات الأخرى كالدولار والجنيه الإسترليني والفرنك...، فالدولار كان مدعوما بالذهب، أما الروبية فكانت مدعومة بالفضة، وقد أوجد هذا النظام استقراراً في قيمة الوحدة النقدية داخلياً (داخل الدولة)، وخارجياً (في التجارة الدولية).

 

الدليل على ذلك أنّ نطاق سعر الذهب في سنة 1910م كان هو نفسه في سنة 1890م، واليوم هناك ما يكفي من الذهب والفضة في العالم لدعم الاقتصاد الحقيقي والمعاملات، مثل البيع والشراء للغذاء والملابس والبيوت والكماليات وآلات التصنيع والتكنولوجيا... الخ. لكن بسبب الممارسات الرأسمالية، فقد فاق الطلب على النقد المعروض الطلبَ على الذهب والفضة، فتخلّت الدول عن المعدن النفيس كأساس لعملاتها، وأصبحت العملة مدعومة بقوة الدولة فقط، التي تطبع المزيد من النقود دون أن تكون مدعومة بشكل كامل بالذهب والفضة، فتصبح قيمة كل ورقة نقدية جديدة أقل من قيمة التي طُبعت قبلها، ولأنّ النقود تُستعمل إما لشراء السلع أو الخدمات، فقد أصبحت قيمة النقود أقل، إن لم تكن بلا قيمة تقريبا، وازدادت الحاجة إلى النقود للشراء، فبدأت أسعار جميع السلع والخدمات بالارتفاع. إن ارتفاع الأسعار بشكل مستمر الآن هو جزء من النظام الذي أوجد التضخم على نطاق واسع، وهذا هو سبب ارتفاع الأسعار بهذه السرعة، وهكذا فإنّ الروبية التي كانت تساوي أكثر من 11 غراماً من الفضة قبل الاحتلال البريطاني، فإنّها بعد أكثر من مائتي عام في ظل النظام الرأسمالي أصبحت تساوي حوالي (1/900) من غرام الفضة الآن!

 

بناءً على شروط صندوق النقد الدولي لخفض قيمة العملة، فإنهم يضعفون عملتنا لجعل صادراتنا للدول الغربية أرخص، والواردات أكثر كلفة، وكذلك كل شيء في باكستان، بما في ذلك ديونها القائمة على الربا، وهكذا فإنه في كانون الثاني/يناير 2001م كانت 59 روبية تعادل دولاراً أمريكياً واحداً، ولكن في نيسان/أبريل 2022م هبطت الروبية حتى أصبحت 185 روبية تعادل دولاراً واحداً.

 

العوامل التي تؤدي إلى تزايد الطلب على النقود

 

وفقاً لبنك الدولة الباكستاني فقد ارتفعت ديون الدولة وطلباتها إلى 15 تريليون روبية في نيسان/أبريل 2022. التضخم هو نتيجة مباشرة للإقراض الربوي، فالرأسمالية تتلاعب بسعر الفائدة للسيطرة على الاقتصاد، وملّاك البنوك الخاصة يستخدمون أموال المودعين لإيداعها في البنك المركزي في حسابات خاصة لتكسب من ارتفاع معدلات الفائدة، ولأنّ بنك الدولة لم يكن يملك المال الفائض لتسديد الفائدة للبنوك الخاصة، قام بتعويض النقص عن طريق طباعة المزيد من الأوراق النقدية، وتلقّت المصارف الخاصة الأموال على شكل فوائد ربوية من البنك المركزي لتستخدمها في دفع أموال للمودعين بمعدل فائدة أقل قليلا، والفرق يُعدّ ربحاً للبنوك الخاصة، وهكذا فإنّه بدلا من الحدّ من التضخم أصبحت الفائدة في حد ذاتها سببا للتضخم؛ لفرضها طباعة المزيد من المال أو إنقاص قيمته، بينما البنوك المملوكة للقطاع الخاص لا تكون عندها حاجة للتوجه نحو الاستثمار لأنها تسعى وراء "الربح" من القروض من خلال الفائدة.

 

هكذا، فإنّه في مجال الخدمات المصرفية الرأسمالية، تستفيد شريحة قليلة من الناس بشكل كبير، بينما يظلّ أكثر الناس يعانون تحت الصدمات من القروض، ومن خفض الإنفاق، وفقدان قيمة الروبية، وارتفاع الأسعار، وإغلاق الشركات، والبطالة... وكلها تدور في دوامة مستمرة من التدمير الاقتصادي.

 

انخفاض قيمة الروبية يؤدي إلى التضخم

 

يتكون الرصيد الرأسمالي للسياسة التجارية من خفض قيمة الروبية، الذي يؤدي إلى التضخم، ولكونها دولة مستوردة وضعيفة التصنيع، فإنّ الحكومة الباكستانية الرأسمالية تشرف على تخفيض قيمة الروبية، وفقا لأوامر صندوق النقد الدولي، وتدّعي الحكومة قيامها بذلك لمعالجة التوازن التجاري لباكستان، فهذا الذي يجعل الدولة تشجع على تصدير السلع المحلية وليس الاستيراد، ومع ذلك فإنّه من خلال تخفيض قيمة الروبية، تزداد تكلفة التصنيع، وهو ما تسبب بالفوضى في قطاعي الزراعة والمنسوجات وغيرها من القطاعات التي تعاني بالفعل من سياسة أسعار الفائدة المرتفعة.

 

بالتالي، فإنّ ارتفاع فائدة الاقتراض، جنبا إلى جنب مع الزيادة في تكاليف التصنيع، جعل الشركات والعديد من الصناعات عاجزة عن المنافسة دوليا، وأدّى إلى انخفاض حجم الصادرات الرئيسية لأنها غير قادرة على إيجاد مشترين لمنتجاتها باهظة الثمن، فاختل توازن المدفوعات في باكستان، واستمر استيراد المواد الغذائية الأساسية بالازدياد، على الرغم من كون اقتصاد باكستان رابع أكبر اقتصاد زراعي في العالم. أصبحت باكستان مستورداً كبيراً للمواد الغذائية، وهذا يعني أنّ على باكستان أن تدفع أكثر لاستيراد المواد الغذائية بعد تخفيض قيمة العملة، ما تسبب في تضخم أسعار الأغذية المحلية بشكل كبير، وللتستر على فشل سياسات تخفيض قيمة العملة، اعتمدت الحكومة الباكستانية أكثر فأكثر على تحويلات المغتربين والصادرات المحلية من المواد الغذائية الأساسية لتعزيز توازن المدفوعات في باكستان، وهو صعب جدا على أهل باكستان، وفي محاولة يائسة لكسب النقد الأجنبي لتحسين ميزان المدفوعات، لجأت الحكومة الباكستانية إلى تصدير المواد التي يحتاجها الناس من المواد الغذائية الأساسية (مثل الأرز والقمح) ما أدّى إلى نقصه في الأسواق المحلية، وعلاوة على ذلك، فإنّ صعوبة التبادل التجاري يحول دون الحصول على العملات الأجنبية وإعادة الاستثمار في الاقتصاد المحلي.

 

هكذا اضطرت الحكومة الباكستانية إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات، وهو ما يؤدي إلى تعقيد مشاكلها، فهذه القروض الجديدة تأتي بمزيد من الفائدة الربوية، ما يجعل باكستان - شأنها شأن معظم البلدان "النامية" - تدفع القرض الأصلي مرات عدة، وهي في الواقع عاجزة عن "التطوير"، لأنّ هذه القروض توجد ظروفا تخنق الاقتصاد، بدءا بأسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملة، فضلا عن مجموعة كاملة من القيود على النمو الزراعي والصناعي.

 

المسائل الشرعية المتعلقة باستعادة مرجعية الذهب والفضة

 

العودة إلى معيار الذهب والفضة حلّ عملي للمسلمين، فبلاد المسلمين في دولة الخلافة القادمة قريبا إن شاء الله من المرجح أن تضم الكثير من موارد الذهب والفضة، ولأن دولة الخلافة تحرز الكثير من الموارد من مختلف المعادن، وموارد الطاقة (كالنفط والغاز والفحم)، والسلع الزراعية، فإنها تستطيع استخدام الفائض منها لمقايضتها بالذهب والفضة من البلدان التي ستكون في حاجة ماسّة لهذه الموارد. ولدى البلدان الإسلامية القدرة على الاكتفاء الذاتي في السلع الأساسية، وبالتالي فإن الاقتصاد الحقيقي سيكون مستقرا ومقاوما للتلاعب والمضاربات بمجرد إلغاء الاقتصاد الطفيلي.

 

لقد فرض الإسلام أن تكون عملة الدولة مدعومة بالثروة المعدنية الثمينة، وهي بالتحديد الذهب والفضة، وهو ما ينهي الأسباب الجذرية للتضخم، فرسول الله ﷺ أقرّ دينار الذهب الذي يزن 4.25 غراما، والدرهم الفضي الذي يزن 2.975 غراما، ما يدل على أنهما نقد الدولة الإسلامية، وهذا هو سبب تمتع الخلافة باستقرار الأسعار فيها لأكثر من ألف سنة.

إعادة التعامل بقاعدة الذهب والفضة في التجارة الدولية

 

تستطيع دولة الخلافة اليوم مقايضة السلع (مثل النحاس والعملات الأجنبية) بالذهب والفضة، وستقضي الدولة معاملاتها الدولية بالذهب والفضة، على الرغم من اكتفاء العالم الإسلامي ذاتياً في معظم الأمور، وإعادة التعامل بقاعدة الذهب والفضة دولياً ينهي النظام غير العادل المفروض من قبل أمريكا من خلال فرضها الدولار على التجارة الدولية، ورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 166: "تصدر الدولة نقداً خاصاً بها يكون مستقلاً ولا يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي"، وفي المادة 167: "نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة، ولا يجوز أن يكون لها نقد غيرهما. ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئاً آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة. فيجوز أن تصدر الدولة نحاساً أو برونزاً أو ورقاً أو غير ذلك وتضربه باسمها نقداً لها إذا كان له مقابل يساويه تماماً من الذهب والفضة"، وفي المادة رقم 168: "الصرف بين عملة الدولة وبين عملات الدول الأخرى جائز كالصرف بين عملتها هي سواء بسواء".

 

بيت المال في دولة الخلافة

 

سيكون بيت المال في دولة الخلافة دائرة مالية تدعم نمو الاقتصاد الحقيقي، بما في ذلك التنمية الزراعية والصناعية، وسوف يكون التركيز الوحيد على تطوير اقتصاد حيوي وقوي، لتحفيز القطاعات الزراعية والصناعية المحلية، فالاقتصاد في دولة الخلافة ليس طفيليا يستنزف الثروة الاقتصادية من خلال الربا، حيث أصبحت البنوك الخاصة الحالية بحاجة إلى توسيع الحاجة للمعروض النقدي باستمرار، ما تسبب في فقدان العملة لقيمتها، وأنتج زيادة الأسعار. ورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 169: "يُمنع فتح المصارف منعاً باتاً، ولا يكون إلا مصرف الدولة، ولا يتعامل بالربا ويكون دائرة من دوائر بيت المال. ويقوم بإقراض الأموال حسب أحكام الشرع، وبتسهيل المعاملات المالية والنقدية".

 

التخلّص من نموذج الظلم الاستعماري الغربي

 

بدلا من تدمير الاقتصاد واللجوء صاغرين إلى المزيد من القروض، فإن دولة الخلافة بعد إقامتها على قاعدة ثابتة -في باكستان مثلاً - سترسل رسالة مدوّية للعالم في التخلص من نموذج الظلم الاستعماري الغربي المستند إلى (القروض الربوية)؛ فهذا النظام الظالم هو ما يمنع الدول من الوقوف على قدميها ويخلق ظروفاً خانقة، على الرغم من سدادها للقروض مرات عديدة من اقتصادياتها على شكل فوائد ربوية. جاء في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 165: "وأما القسم الثاني من المادة فإن دليل تحريمه هو أنه يجعل الدولة مالياً تابعة لمن يرتبط بهم نقدها من الدول الكافرة، وتكون فوق ذلك تحت رحمة هذه الدولة الكافرة من ناحية مالية، وكلاهما حرام. والقاعدة الشرعية: (الوسيلة إلى الحرام حرام). ولذلك كان ارتباط نقد الدولة الإسلامية بالأجنبي حرام".

 

التاريخ الهجري :24 من رمــضان المبارك 1443هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 25 نيسان/ابريل 2022م

حزب التحرير
ولاية باكستان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع