الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
جـواب سـؤال  التطورات في تونس

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جـواب سـؤال

التطورات في تونس

 

 

بعض الأحداث التي مرت في الفترة الأخيرة على تونس تثير علامات استفهام حول ما إذا كانت تبعية تونس الحالية في طريقها نحو التغيير أم لا، ومن بين تلك الأحداث ما يلي:


- تناولت الأوساط الإعلامية التونسية وخصوصاً جريدتا "تونس نيوز" و"الوسط التونسية" أنباءً مفادها أن زين العابدين قد أصيب بمرض سرطان البروستاتا الذي لا يؤمل شفاؤه وأنه سافر خفية لأوروبا لتلقي العلاج فيها.


- في شهر آب/أغسطس 2005 تم تعيين الدبلوماسي التونسي كمال مرجان الذي كان يعمل في مفوّضية الأمم المتحدة للاّجئين لترؤُّس وزارة الدفاع التونسية. وبعد أن باشر كمال مرجان أعماله كوزير ابتدأ حملة دبلوماسية متسارعة كان من ضمنها عقد اتفاقيات مهمة مع أميركا.
- وفي شهر شباط/فبراير 2006 قام دنوالد رامسفلد بزيارة بلاد المغرب العربي ومن ضمنها تونس، وقام كمال مرجان في العام نفسه بإجراء زيارة لأميركا.


- وفي عام 2007 كانت زيارة ساركوزي رئيس الوزراء الفرنسي الجديد -المعروف بقربه من أميركا- الأولى خارج أوروبا لبلاد المغرب العربي.


- وفي شهر تموز/يونيو المنصرم قام وفد من الكونغرس الأميركي بزيارة تونس.


- وفي أواخر شهر تموز/يونيو المنصرم تم الإفراج عن مجموعة من قيادات حركة النهضة التونسية.


- ومؤخراً قام مساعد رئيس الأركان الأميركي الأدميرال إدموند جام باستيان زار تونس الأسبوع الماضي والتقى مع كبار المسؤولين التونسيين، كما تبعه وفد من الضباط الأميركيين زيارة لتونس.


فهل ذلك كله يعني أن أميركا بدأت تضع موطئ قدم لها في تونس؟


الجـواب


حتى يتبين الجواب نذكر ما يلي:


1 - تونس هي واحدة من المناطق المرشحة لصراع نفوذ القوى الاستعمارية، وذلك لموقعها الاستراتيجي ومميزاتها الخاصة بالإضافة إلى أنها تعد إحدى المختبرات السياسية للدول الغربية، وهي قد خضعت لنفوذ إنجلترا بعد خروج الاستعمار العسكري الفرنسي منها.


وبعد أن تم إزاحة الحبيب بورقيبة عام 1987 حيث بات هرماً عاجزاً عن القيام بمهام الحكم، خلفه في الحكم زين العابدين بن علي، والذي كان كسلفه محتفظاً بتبعيته المطلقة للإنجليز دون تردد.


2 - استغلت أمريكا توتر العلاقة بين تونس وليبيا عام 1988 وحاولت ممارسة ضغط وإغراء بالنسبة لزين العابدين، وذلك لاختراق تونس، فقامت بتقديم مساعدات أمنية سخية إلى تونس بقيمة 61 مليون دولار تحت شعار (ردع العدوان) وكان القصد منها إغراء الرئيس التونسي من أجل إشعال جبهة ضد العقيد القذافي والوقوف مع أميركا ضد نظامه. لكن زين العابدين بن علي سرعان ما ظهر على حقيقته وقلب لأميركا ظهر المجن وأعاد تحسين علاقاته مع القذافي، فقلصت أميركا بعد ذلك دعمها لتونس إلى مستوى 8 مليون دولار فقط. وهكذا لم تنجح أمريكا في اختراق عمالة ابن علي لبريطانيا، بل استمر على نحو ما كان في عهد سلفه بورقيبة من قبل..


3 - لقد بذلت أمريكا مساعي عدةً في كانون أول/ديسمبر 1994 من خلال ما أطلق عليه "حوار البحر الأبيض المتوسط" تحت مظلة حلف الشمال الأطلسي (الناتو) التي استطاعت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي استخدامه بصورة بالغة التأثير، وتجدر الإشارة إلى أن هذا "الحوار" يشمل كل من الجزائر ومصر و(إسرائيل) والأردن وموريتانيا والمغرب وتونس على الرغم من أنهم ليسوا أعضاءً في الناتو.


4 - في المقابل قام الاتحاد الأوروبي وأثناء اجتماع برشلونة في تشرين ثاني/نوفمبر 1995 بتجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والدول المحيطة بالبحر المتوسط (الجزائر، مصر، (إسرائيل)، الأردن، لبنان المغرب، سوريا، تونس، تركيا، السلطة الفلسطينية) من خلال ما أطلق عليه "مشروع اليوروميد (EUROMED)"، وكان الاتحاد الأوروبي قد أنفق على مشروعه هذا في الفترة الواقعة بين 1995-2000 ما مقداره تسعة مليارات يوروا. وفي وقت لاحق تم إيجاد اتحاد بين خمسة دول أوروبية جنوبية (فرنسا، إيطاليا، أسبانيا، البرتغال، مالطة) وبين خمسة دول شمالي إفريقيا من بينها دول المغرب العربي (الجزائر، المغرب، تونس، ليبيا، موريتانيا) والذي أُطلق عليه اسم (5+5)، وكان قد ركز ذلك الاتحاد جهوده على مكافحة الإرهاب والهجرة غير القانونية، وحال هذا دون تمكن أميركا من التأثير على تلك المنطقة مجدداً، وعلى سبيل المثال ففقط 2% من التجارة الأميركية الخارجية وأقل من 1% من الاستثمارات الأميركية الخارجية تتعلق بهذه المنطقة.


5 - وخلال هذه الفترة أيضاً استطاع نظام زين العابدين صد محاولة الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون لاختراق الجدر التونسية في العام 1995م حيث فشل مساعد وزير الخارجية الأميركية آنذاك بيلليترو في زيارته لتونس من دمج النظام التنوسي ضمن الأنظمة التي وافقت على السير في المشاريع الأمنية الأميركية في شمال أفريقيا.


6 - في عام 2000 عندما تغيرت الإدارة الأميركية، باتت النظرة الأميركية نحو المنطقة أكثر حدية، وارتفعت نسبة ضغوطاتها عليها لإحداث إصلاح تم تقديمه لدول المنطقة من خلال "مشروع الشرق الأوسط الكبير"، وعلى الرغم من ذلك فلم تتمكن أميركا من جني نتائج ملموسة.


7 - وأما أول نجاح لأميركا في شبه اختراق الحاجز التونسي الأمني المنيع فكان بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في العام 2001م حيث أصبح الحديث عن إقامة قواعد عسكرية أميركية أمراً مألوفاً، فقد نشرت صحيفة (الوول ستريت جورنال) في 10‹‹ جوان ›› حزيران⁄ يونيو 2003م تقريراً أوردت فيه عن مسؤولين رسميين في وزارة الدفاع تفكيرهم في إمكانية إقامة قواعد عسكرية (شبه دائمة) في تونس والجزائر والمغرب وذلك في إطار التحويرات الكبيرة المزمع إدخالها على (الانتشار العالمي للقوات الأميركية) ومنها خطط تتعلق بتخفيض عدد القوات الأميركية المتمركزة في ألمانيا ونقلها إلى أماكن أخرى.


ولقد أكدت الأوساط التونسية المعارضة للنظام في الخارج هذه الأنباء وقالت بأن قاعدة أميركية في منطقة بنزرت يُعتزم بناؤها بحيث يكون قسم منها في سيدي أحمد ويستخدم كقاعدة جوية وقسم آخر منها في باشاطر يستخدم كقاعدة بحرية.


وتشارك تونس في السنوات الأخيرة في اجتماعات أمنية دورية بمشاركة باقي دول شمال أفريقيا مع أميركا وهدفها المعلن هو مكافحة الإرهاب وملاحقة مسلحي تنظيم القاعدة في شمال أفريقيا.


ومارست أميركا ضغوطاً أخرى على حكام تونس لكي يقدموا دعماً لها في العراق، فقد صدر تقرير في 30 ديسمبر 2003 عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي تحت عنوان (أفريقيا: محميات الإرهاب) ورد فيه إدراج تونس إلى جانب مصر والجزائر ضمن الدول التي تمثل تهديداً متوسط المدى لتطور التهديدات الإرهابية فيها.


وزيارات رجال الكونجرس والمسئولين الأمريكان في السنيتن الأخيرتين هي ضمن هذا السياق أي بالضغط والإغراء من أجل الاختراق.


ومع ذلك فلم تفلح هذه الضغوط الأمريكية في جر تونس إلى السير مع أمريكا، بل هي لا تعدو كونها تكتيكاً على الطريقة الإنجليزية بعدم الصدام مع أمريكا علانيةً بل إزعاجها عملياً من وراء ستار.


إن الإنجليز يدركون اهتمام أمريكا الجدي بتونس، بل بشمال إفريقيا كله، ولذلك فإن الإنجليز كما رتبوا نقل السلطة من بورقيبة إلى محل ثقته زين العابدين، كذلك فهم يرتبون الآن مسبقاً احتمال انتقال السلطة من زين العابدين إلى خلف له يستمر في التبعية للإنجليز، وفي الوقت نفسه يظهِرون هذا الخلف المعيَّن للسلطة بعد زين العابدين على أنه غير مستفز أو معادٍ لأمريكا، وبهذا يقطعون الطريق على ضغوط أمريكا المتصاعدة على تونس. وهكذا وقع اختيار بريطانيا على كمال مرجان لتهدئة ضغوط أمريكا على اعتبار أن هذا الرجل أكثر قبولاً بالنسبة لأمريكا من زين العابدين. هذا مع العلم أن مرض زين العابدين ليس (مستفحلاً) واحتمال بقائه إلى نهاية ولايته في 2009 احتمال وارد، ولكن الغرض من التلويح بكمال مرجان كخلف له هو تهدئة ضغوط أمريكا على تونس. وهذا تكتيك إنجليزي وفق طريقتها التقليدية لتثبيت نفوذها في بلد ما إذا لاحظت ضغوطاً عليه. وهو شبيه بما فعلته في المحافظة على النظام الليبي عندما زادت ضغوط أمريكا عليه فأوعزت إنجلترا له بأن ينحني لأمريكا ويتخلى عن التسلح ويجنح للاستسلام في قضية لوكربي ودفع التعويضات المطلوبة ... وكل ذلك لقطع الحجج أمام أمريكا من الاستمرار في الضغوط على القذافي أو على الأقل تهدئتها.


وهذا التلويح بكمال مرجان، وأنه الخلف لزين العابدين المريض الذي لن يطول وقته، وبخاصة وقد ضخمت بريطانيا خبر مرضه كأنه في النزع الأخير! هو للغرض المذكور آنفاً في قطع الطريق على ضغوط أمريكا. ولإدراك ذلك جيداً نذكر بعض المعلومات عن كمال مرجان الذي يشغل وزارة الدفاع:


1. إن كمال مرجان، هو رجل دبلوماسي متمكن.


2. على الرغم من شهرته نتيجة لتوليه وظائف خارجية إلا أن عضويته الفعَّالة في الحزب الحاكم غير ظاهرة.


3. تربطه صلة نسب وقرابة وعشائرية مع رئيس الدولة الحالي زين العابدين بن علي، فكلاهما من مدينة حمام سوسه، وزوجة كمال مرجان تكون ابنة أخت زين العابدين، وزين العابدين المشهور بمكر الثعالب والمعجون بحقد السياسية الإنجليزية يثق بكمال مرجان لذا كان قد سلمه منصب مهم ألا وهو منصب وزير الدفاع.


4. بسبب المهام الخارجية التي تقلدها لسنوات طوال اكتسب شهرة ومكانة مرموقة في المجتمع الدولي.


5. نتيجة لبعده عن سياسات الدولة التونسية الداخلية فلم يتلوث اسمه بجرائم النظام ضد البلد وأهله بالرغم من مدافعته عن تونس في كلماته خصوصاً تلك التي ألقاها في الأمم المتحدة، لذا ومن هذا الجانب يمكن قبوله عالمياً ومحلياً بسهولة ويسر.


وهكذا فإن الظن بأن كمال مرجان يمكن استمالته من أمريكا هو ظن مرجوح جداً.


وقد لوحظ مؤخراً أن كمال مرجان يبذل كل ما في وسعه لاستخدام كل وسيلة تلوح له من أجل ترويج نفسه أمام القوى التي يرى أنها ستكون ضده ليقبلوا به وبخبراته وبمكانته العالمية وبنفوذه الداخلي. إن الهجوم السياسي الذي ابتدأه كمال مرجان مليء بالرسائل المطمئنة حول شخصه، ومن أنه لن يعمل ضد المجتمع الدولي والمصالح الأميركية خصوصاً، آملاً أن يتمكن بذلك من تحييد أميركا عن القيام بأعمال ضده أو وضع عراقيل أمامه.


هذا عن كمال مرجان.


أما بالنسبة لساركوزي الذي كانت أول زيارة له خارج أوروبا إلى بلاد المغرب العربي، فلم يظهر على زيارته تلك أي تأثير ملحوظ على تغيير السلطة في تونس، حيث كان قد ركز في زيارته على "شراكة البحر الأبيض المتوسط"، لدرجة أن المغرب رفضت زيارة ساركوزي متمعذرة بمعاذير لا اعتبار لها. والراجح أن زيارته هي من قبيل تقوية النفوذ الثقافي الفرنسي وليس من قبيل ممارسة النفوذ السياسي على النظام التونسي، وهي امتداد لجولات ساركوزي في مناطق النفوذ الإنجليزي وبالتنسيق مع البريطانيين أنفسهم، فهي تشبه زيارته إلى ليبيا قبل فترة إلى حد كبير.


أما بالنسبة للإفراج عن 21 معتقلاً سياسياً في نهاية شهر تموز المنصرم عقب قيام ساركوزي بالتحدث أثناء زيارته لتونس عن حقوق الإنسان والمعتقلين السياسيين؛ فإن هؤلاء المعتقلين أفرج عنهم بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لإقامة الجمهورية التونسية، واقتران الإفراج بتلك المناسبة أبعده عن كونه نتيجة لزيارة ساركوزي. وعلى كل فإن التوظيف السياسي لها أقرب (لمناغمة) دعوات أمريكا لحقوق الإنسان والإصلاح والديمقراطية من كونها استجابة إلى ساركوزي، في ما عدا الإفراج عن المدافع عن حقوق الإنسان المحامي محمد أبُّو. حيث إن ساركوزي قد تناول هذه المسألة أثناء لقائه بزين العابدين بن علي. أما بالنسبة للعشرين الآخرين الذين أفرج عنهم فهم من أعضاء حركة النهضة. وقد أُخلي سبيلهم ضمن قيود وضعت عليهم من قبل وزارة العدل التونسية.


وفي الختام؛ فيمكننا القول إن كمال مرجان أحضر لوزارة الدفاع "مبكراً" بتعليمات إنجليزية، لتهدئة الضغوط الأمريكية على النظام في تونس وليكون معدّاً عند اللزوم لاستلام رئاسة الدولة دون أن يواجه أي مفاجآت أو عقبات داخلية أو خارجية، وهذا كـ "إنضاج الوليمة على نار هادئة جداً".


ومع ذلك فيمكن التوصل إلى نتيجة مفادها أنه من المنتظر القيام بإصلاحات في تونس (تناغماً) مع الرغبة الأميركية وإن لم تكن مرضية تماماً لها، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات تحسينية فيما يتعلق بحقوق الإنسان ... ونحو ذلك. إلا أنه من المبكر جداً القول إن أميركا أوجدت نفوذاً لها في تونس أو إنها على وشك إيجاد نفوذ لها هناك، أي أن تونس لا زالت مضمونة الولاء للإنجليز وللأوروبيين، ويبقى الجدار الأمني التونسي خطاً دفاعياً متيناً أمام محاولات الاختراق الأميركية، وطالما بقي العسكر وأجهزة الأمن في حالة تماسك تحت قيادة عملاء الإنجليز فمن الصعب أن تنجح المحاولات الأميركية في كسر ذلك الجدار الممانع.

 

21 من شعبان 1428هـ
في 03 أيلول/سبتمبر 2007م

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع