الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

تأثير أمريكا في سياسة الهند لمواجهة الصين

 

السؤال:

انطلقت في 2014/4/7 الانتخابات العامة في الهند التي تستمر حتى 2014/5/12 وتعلن نتائجها في 2014/5/16، ويتنافس عليها كتلتان سياسيتان كبيرتان هما حزب بهارتيا جاناتا المرتبط بأمريكا ومعه تحالفه وحزب المؤتمر الموالي للإنجليز الذي أظهر منذ عودته إلى السلطة بفوزه في انتخابات 2004، أظهر بطئا في العلاقة مع أمريكا بسبب ارتباطه ببريطانيا، وأظهر تخوُّفاً في مجابهة الصين... والسؤال هو ما مدى تأثير أمريكا في سياسة الهند لمواجهة الصين؟ وما علاقة ذلك باستراتيجية أمريكا في آسيا - المحيط الهادئ وتحريكها لأستراليا واليابان للدخول في هذه المواجهة؟ وهل تتأثر كثيراً هذه السياسة بنوعية الحزب الحاكم في الهند إذا نجح حزب جاناتا أو حزب المؤتمر؟ وهل للهند قدرة على مواجهة الصين؟ وكيف هو ميزان القوى بين الصين والهند؟


الجواب:


إن الجواب على هذه الأسئلة يتضح باستعراض الأمور التالية:


1- إن أمريكا تعمل على تطويق الصين بواسطة الدول المحيطة بها وفي المحيط الهادئ وخاصة في بحري الصين الشرقي والجنوبي، فتبني أشكالا من التحالفات والتكتلات وتعزز العلاقات مع الدول هناك لهذا الغرض. وقد بدأ ذلك منذ أكثر من عقد من الزمان، وبشكل جدي عندما رأت أمريكا أن سياسة الاحتواء للصين وصلت إلى النهاية أو لحد الإشباع، أي أنها لا تستطيع أن تحتوي الصين أكثر مما احتوت، فقد تقربت إليها بإدخالها في منظمة التجارة العالمية، وازدادت العلاقات التجارية معها، ولم يعد الحوار الاستراتيجي الأمريكي مع الصين حساساً كما كان من قبل... ومع ذلك فلم تصبح الصين في فلك أمريكا، ولا حتى حليفة لها حسب تلك السياسة، ولم تستطع أن تحد من مطامعها لإيجاد هيمنة لها على منطقة بحري الصين الشرقي والجنوبي التي تعتبر منطقة مهمة وحيوية بل مصيرية لها، وبقيت الصين دولة تحافظ على كيانها وعلى تماسكها وعلى استقلاليتها كدولة كبرى إقليمية تعمل على تعزيز قوتها عسكريا واقتصاديا بحيث بدأت تستغل قوتها الاقتصادية للتأثير السياسي في بعض المناطق وليس فقط لجني الأرباح، وتعمل على تعزيز نفوذها في منطقتها ما يتعارض مع السياسة الأمريكية أو يعرض النفوذ الأمريكي للخطر. إن للصين مطامع إقليمية في أن تسيطر على منطقتها تلك التي تعتبرها مصيرية، ولا تريد أن تكتفي باليابسة التي تمتد أراضيها عليها بحيث تبقى محصورة في هذه الأراضي كدولة كبيرة اقتصاديا... وأمريكا كذلك تَعُدّ منطقة بحري الصين منطقة حيوية لها، فأمريكا بغرورها لا تكتفي أن تكون دولة إقليمية في حدود الأمريكيتين، بل تعد العالم منطقة لها!، ولذلك فهي تزاحم الصين في إقليمها توسيعاً لهيمنة أمريكا الدولية... وهكذا فإن سياسة الاحتواء بالتقرب إلى الصين في العلاقات التجارية والحوارات الاستراتيجية... هذه السياسة لم تجعل الصين تسير في فلك أمريكا، ولا حتى حليفة لها بالمعنى المعروف، بل أصبحت سياستها الإقليمية تقلق أمريكا، ومن ثم فلم تعد سياسة الاحتواء مجدية وحدها، فبدأت أمريكا وضع خطتها الجديدة التي تتعلق بآسيا - المحيط الهادئ، وهي تقتضي حشد نحو 60% من قوتها البحرية في هذه المنطقة. هذا بالإضافة إلى سياسة التطويق للصين التي انتهجتها أمريكا بإشغال الصين بقضايا في مجالها الإقليمي... وقد ركّزت أمريكا جهودها على تحريك دول المنطقة في سياسة التطويق هذه، وأبرز هذه الدول التي يمكن أن تؤثر بفاعلية في هذا التطويق ثلاث: الهند، واليابان، وأستراليا...


2- أما الهند، فلها حدود مع الصين يبلغ طولها 3488 كم وهناك مشاكل عالقة بينهما تتعلق بهذه الحدود، ومنذ ربع قرن تعقد جولات من المحادثات وآخرها الجولة الرابعة عشرة لترسيم الحدود بين البلدين، ثم توقفت ولم تُعقد الجولة الخامسة عشرة، فقد حدث في 2013/4/15 أن قام جنود صينيون واقتحموا الحدود مع الهند ودخلوا أراضيَ هندية في منطقة لاداخ "Ladakh" ونصبوا خياما ولكن انسحبوا بعد ثلاثة أسابيع في عملية استعراضية من قبل الصين تجاه الهند لإرسال رسالة إليها مفادها أن الصين على استعداد لاجتياز الحدود والدخول معها في حرب كما حصل في تشرين الأول/أكتوبر عام 1962 حيث شن الجيش الصيني هجوما على منطقة أروناشال براديش "Arunachal Pradesh" وقام بطرد القوات الهندية، وبعد شهر من هذه العملية قامت قوات صينية بهجوم ثان على أراضٍ هندية فقتل حوالي 2000 من الهنود، وما زال هذا الأمر غير محلول ويسمى "خط السيطرة الفعلي"، فهي نقطة محتدمة بين البلدين توجِد توتراً مستمراً، هذا بالإضافة إلى التوتر الناتج عن مشكلة منطقة التبت التي احتلتها الصين عام 1950، وهي متاخمة للحدود الهندية. فتشارك الهند أمريكا في إثارة هذه المشكلة باحتضان بوذيّي هذه المنطقة وزعيمهم الديلاما حيث أسست له الهند إدارة التبت المركزية كحكومة في المنفى. كل هذه العوامل تجعل التوتر بين الهند والصين قائماً لا يكاد يهدأ...


3- حاولت أمريكا استغلال هذه التوترات بين الصين والهند بدفع الهند للمجابهة مع الصين أو لإثارة المشاكل بينهما لإشغال الصين بهذه المسألة، غير أن الهند تتخوف من مواجهة الصين براً، وما حدث من الرسائل الهجومية الصينية على أطراف الهند ينطق بذلك، وعليه فقد كانت أمريكا بحاجة إلى إغراءات للهند لتشجيعها على الاستمرار في إزعاج الصين وإشغالها بمشاكل الحدود... وهكذا عقدت أمريكا شراكة استراتيجية بينها وبين الهند، وكذلك عقدت اتفاقية التعاون النووي بينهما... وأيضا وقعت الولايات المتّحدة عدة اتفاقات اقتصادية وأمنية مع الهند فقد تم إبرام اتفاقية دفاع في عام 2005 واتفاق التعاون النووي المدني في 2008، وكل هذا يوسع أفق التعاون الأمني بينهما. ونتيجة لذلك ينخرط البلدان حاليّاً في العديد من المناورات العسكريةِ المشتركةِ غير المسبوقة، كما أن مبيعات كبيرة من الأسلحة الأمريكية إلى الهند في ازدياد مستمر... وعندما صرح رئيس أركان الجيش الهندي الجنرال ديباك كابور في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2009 قائلاً: "أنه يجب على الجيش الهندي أن يعد العدة لخوض حرب على جبهتين" (الاقتصادية 2010/2/15)، فإن أمريكا قامت بالضغط على باكستان لتخفيف قواتها على الجبهة الشرقية مع الهند، وتركز قواتها في الجبهة الغربية لمحاربة المجاهدين ضد أمريكا في أفغانستان وفي منطقة القبائل، وكل ذلك حتى تركز الهند على الجبهة الشمالية مع الصين... وكذلك فقد عملت أمريكا على زيادة التبادل التجاري مع الهند، فقد ازداد حجم الصادرات الأمريكية إلى الهند في الأعوام الخمسة بسرعة مقارنة بأية دولة أخرى. فوفقا لتقديرات اتحاد الصناعات الهندية فإن التجارة الثنائية في الخدمات من المرجح أن ترتفع من ستين مليار دولار إلى أكثر من 150 مليار دولار في السنوات الست القادمة... ومع ذلك فإن الهند تتخوف كثيراً من الصراع البري مع الصين، بالإضافة إلى أن حكام الهند من حزب المؤتمر يوالون بريطانيا أكثر مما يوالون أمريكا فهم غير مستعدين للمغامرة في مجابهة خاسرة مع الصين من أجل مصالح أمريكا...!


4- فعندئذ رأت أمريكا أن تصرف أنظار الهند نحو منطقة الشرق في المحيط الهادئ وبالتحديد في بحر الصين الجنوبي وتُغريها بوجود مصادر للطاقة من بترول وغاز في هذه المنطقة لتنافس الصين، وتجابهها ضمن استراتيجيتها آسيا - المحيط الهادئ. وهكذا كان، فقد اتفقت الهند مع فيتنام على التنقيب عن النفط والغاز في المحيط قبالة جزر سبراتلي المتنازع عليها مع الصين. وقد صرح عقب ذلك المتحدث باسم الخارجية الصينية لين ويمين قائلا: "لا نأمل أن نرى قوات خارجية في بحر الصين الجنوبي، ولا نريد كذلك أن نرى انخراط شركات أجنبية في أعمال تنتهك سيادة الصين وحقوقها ومصالحها". (الشرق الأوسط 2011/11/28) وفي وقت سابق اتهمت صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي كلا من الهند وفيتنام بالقيام بمحاولات غير مسؤولة لمواجهة الصين، واستمرت محاولات أمريكا لتشجيع الهند حول التوجه لتلك المنطقة، ففي 2013/7/22 قام جوزيف بايدن نائب الرئيس الأمريكي بزيارة إلى الهند فأدلى بتصريحات في واشنطن قبل أن يقوم بهذه الزيارة ممهداً ومغرياً للهند بالتوجه إلى الشرق في المحيط الهادي قائلا: "إن الهند تتطلع بصورة متزايدة نحو الشرق كقوة للأمن والنمو، وبالنسبة لنا فإن مثل هذا الخبر يلقى ترحيبا لدينا". وقال: "إننا نرحب بانخراط الهند في المنطقة ونرحب بجهودها الرامية إلى تطوير روابط جديدة في التجارة والنقل برا وبحرا في المنطقة". (آي آي بي ديجيتال 2013/7/23). وقبل ذلك بشهر أي في 2013/6/24 اجتمع كيري مع نظيره الهندي شري سلمان خورشيد في نيودلهي واشتركا في رئاسة الجولة الرابعة للحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والهند، وأكدا مجدداً على رؤيتهما المشتركة حول السلام والاستقرار في آسيا والمحيطين الهندي والهادئ وشددا على دعمهما المستمر لتعزيز التواصل الإقليمي وأكدا من جديد على أهمية الأمن البحري...". (آي آي بي ديجيتال 2013/6/24). وكل هذا يدل بوضوح على اهتمام أمريكا بدفع الهند للتوجه إلى الشرق في المحيط الهادئ وبالتحديد في بحر الصين الجنوبي... ومع ذلك فإن الهند لم تتجاوب التجاوب المطلوب أمريكيًا خلال السنتين اللتين مرّتا بعدما وضعت أمريكا خطتها الجديدة فيما يتعلق بآسيا - المحيط الهادئ ودفعها نحو الشرق، وهذا يرجع لأسباب تتعلق بسياسة حزب المؤتمر الحاكم الموالي لبريطانيا، وكذلك إلى خوف الهند من مواجهة الصين...


5- وأما أستراليا، فقد بدأت أمريكا تعمل على تفعيل دور أستراليا التي تدور في فلكها وتعزيز التعاون معها في المجال الاقتصادي والأمني لمواجهة الصين ضمن خطة أمريكا المتعلقة بآسيا - المحيط الهادئ. ولهذا المقصد تحرك المسؤولون الأمريكان على أعلى المستويات، وبخاصة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ووزير الدفاع السابق ليون بانيتا ورئيس الأركان مارتين ديمبسي نحو مدينة بيرث بأستراليا للاجتماع مع نظرائهم الأستراليين. فقالت كلينتون يومها خلال إطلاق المركز الأمريكي الآسيوي في جامعة غرب أستراليا بمدينة بيرث: "إن أستراليا تشكل نقطة تقاطع استراتيجية بين محيطين كبيرين: المحيط الهندي والمحيط الهادئ اللذين يؤمنان البوابة للتجارة الناشطة ومفترق طرق إمدادات الطاقة التي تتدفق إلى جميع أنحاء العالم". وقالت: "لم يكن مفاجئا أن ترتفع الاستثمارات الأجنبية بهذا الشكل في أستراليا ومن بينها ما يزيد عن 100 بليون دولار من الولايات المتحدة، لأن هذه المياه أصبحت بصورة متزايدة في قلب الاقتصاد العالمي وتشكل نقطة التركيز الرئيسة للانخراط الأمريكي المتوسع في المنطقة، والتي نسميها أحيانا محورنا إلى آسيا". وقالت: "إن الولايات المتحدة لم تترك أبدا منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإن الولايات المتحدة لا تزال قوة في المحيط الهادئ، وهي هنا لتبقى". وأضافت "إن طريقة تفكير الولايات المتحدة بمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والمناطق الواقعة بين المحيطين الهندي والهادئ ستكون حاسمة لمستقبل أستراليا والولايات المتحدة". (آي آي بي ديجيتال 2012/11/15). وقد ذكرت كلينتون في هذا المركز أيضا نظرة أمريكا للهند وما تريده منها فقالت: "إن من أولويات الولايات المتحدة الاستراتيجية دعم سياسة الهند للنظر شرقا وتشجيع نيودلهي على لعب دور أكبر في المؤسسات والشؤون الآسيوية" وقالت: "إن الولايات المتحدة ترحب بالمناورات البحرية المشتركة بين أستراليا والهند في المستقبل، وهي متحمسة للعمل سوية مع اتحاد الدول المحاذية للمحيط الهندي للتعاون الإقليمي التي سترأسها أستراليا في عام 2013 وقد انضمت إليها الولايات المتحدة كشريك في الحوار" (المصدر السابق). وهذه الأفكار تدل على طريقة التفكير الأمريكية المتعلقة بالمنطقة، فإنها تريد تسخير أستراليا كعنصر فاعل في التصدي للتحرك الصيني في المنطقة، ويدل على أنها لم تحقق أغراضها بواسطة الهند المجاورة للصين برا، وأنها تريد لأستراليا الاشتراك مع الهند في مياه بحر الصين الجنوبي، فأستراليا أقرب إلى تنفيذ السياسة الأمريكية من الهند، فهي تعتبر دولة غربية تتبنى الرأسمالية، وتتوق للاستعمار كأي دولة رأسمالية غربية، ولذلك تقوم وتشارك أمريكا في الغزوات الاستعمارية كما كانت تشارك بريطانيا، وما زالت تشاركهما لأنها تدور في فلك هاتين الدولتين...


6- وأما اليابان، فإن أمريكا تعمل على تعزيز قوتها في اليابان وإعطاء دور أكبر في الدفاع عن المنطقة في وجه الصين. فقد أعلنت في 2014/4/6 عن إرسال المزيد من سفن الدفاع الصاروخي إلى اليابان كما جاء في تصريح وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل: "إن الولايات المتحدة سترسل مدمرتين إضافيتين مزودتين بأنظمة دفاع صاروخي إلى اليابان بحلول عام 2017 وأن هذه الخطوة تأتي ردا على استفزازات من كوريا الشمالية التي هددت بإجراء شكل جديد من التجارب النووية". وحذر الصين من إساءة استخدام قوتها الكبيرة قائلا: "إن الدول الكبرى يجب ألا تستخدم الإكراه والتخويف، لأن هذا قد يخلق صراعات" وقال: "إنه يريد إجراء محادثات مع الصين بشأن استخدام قوتها العسكرية وتشجيع الشفافية" (رويترز 2014/4/6). وأشار إلى ما فعلته روسيا في القرم ليحذر الصين التي فعلت مثل ذلك في جزر متنازعة مع اليابان قائلا: "لا يمكنك أن تعيد رسم الحدود وتنتهك سلامة أراضي وسيادة الدول بالقوة أو الإكراه أو التخويف، سواء أكان هذا في جزر صغيرة بالمحيط الهادئ أم كان في دول كبيرة في أوروبا". وقال: "شيء آخر سأتحدث بشأنه مع الصينيين وهو احترام جيرانهم. الإكراه والتخويف شيء قاتل جدا لا يؤدي إلا إلى الصراع". وكان الوزير الأمريكي قد اجتمع الأسبوع الماضي مع وزراء دفاع دول جنوب شرق آسيا حيث حذر من تزايد القلق الأمريكي في بحر الصين الجنوبي. (المصدر السابق) وذكرت وكالة كيودو اليابانية في 2014/4/5 أنه "من المتوقع أن يناقش وزير الدفاع الأمريكي ووزير الدفاع الياباني أيتسونوري اينوديرا موضوع السماح لليابان بممارسة حق الدفاع الذاتي عن طريق تعديل الدستور الياباني، بالإضافة إلى ذلك سيناقش أينوديرا موضوع نقل السلاح والمعدات الدفاعية في اجتماعه مع وزير الدفاع الأمريكي وقد يتوصل الجانبان إلى اتفاق لتعزيز التعاون في مجال المعدات الدفاعية". أي تريد أمريكا أن تعطي اليابان دورا للدفاع عن المنطقة في وجه الصين لتخفيف الأعباء عنها ولدغدغة مشاعر اليابانيين القومية الذين يطمحون في أن يكون لديهم قوة ذاتية باسمهم تعمل على حمايتهم ومستقلة عن أمريكا.


7- وأما تأثر السياسة الأمريكية بنجاح حزب المؤتمر أو حزب جاناتا بالنسبة لخطتها المتعلقة بآسيا - المحيط الهادئ، فهي لا شك تتأثر، فإن حزب المؤتمر حزب عريق في ولائه للإنجليز، وعنده دهاء سياسي إلى حد ما مأخوذ من سيدته العجوز بريطاينا، ولذلك، فهو مقلق لأمريكا، وفي الوقت نفسه فهو مراوغ لها كما تفعل بريطانيا، فيقيم معها بعض الاتفاقيات العسكرية والعلاقات التجارية ولكنه يشوش عليها في العلاقات السياسية وفي القضايا الاستراتيجية، فمثلاً كان حزب المؤتمر قد صاغ بياناً في حملته الانتخابية التي فاز فيها بالسلطة في 2004 وضح فيه نظرته لأمريكا، ومنتقداً سياسة حزب جاناتا الذي كان قبله، فقد جاء فيه: (من المحزن أن بلداً عظيماً مثل الهند انحدر إلى مستوى امتِلاك علاقة تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعتبر حكومة الولايات المتحدة الأمريكية (تبعية) الهند من المسلمّات (مضمونة). وقد أدّى هذا إلى استعداد حكومات بي جْي بي للتكيّف مع أولوياتِ وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية دون الاهتمام المناسب بالسياسة الخارجية الحيوية الخاصة بالهند ومصالحِ أمنها القومي.) وواضح فيه كم هو مقلق بالنسبة لأمريكا، ومع ذلك فلم يقطع الحوار الاستراتيجي بل عاد إليه في حزيران/يونيو 2010، الذي كان قد بدأ في عهد الرّئيسِ بوش في 2004. وقد وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون، رئيسة الوفد الأمريكي في ملتقى الحوار الهند "بأنها شريك لا غنى عنه وصديق يوثق به.". ولذلك فمنذ مجيء حزب المؤتمر للسلطة بعد سقوط حزب جاناتا الموالي لأمريكا أصبح من الصعب سير الهند في تنفيذ خطة أمريكا بمواجهة الصين إلا بعد أن تقدم أمريكا لها من الإغراءات الشيء الكثير كما ذكرناه سابقاً، ومع ذلك تتمنّع الهند متحججة بظروف ليست جديدة، بل كانت وقت حزب جاناتا، ومع ذلك كان لا يثيرها هذا الحزب عند تنفيذ السياسة الأمريكية، وللعلم فإن بريطانيا قد جعلت حزب المؤتمر يواليها ولاء تقليديا تاما، وسلمته الحكم منذ رحيلها، ولم يتزحزح عنه، كله أو جله، إلا فترة قصيرة منذ عام 1998 حتى عام 2004 حيث فاز حزب جاناتا الموالي لأمريكا، ثم فاز حزب المؤتمر في انتخابات 2004 - 2009.


أما الانتخابات الحالية التي بدأت في 2014/4/7 فستعلن نتائجها في 2014/5/16، وقد ذكرت بعض مؤسسات استطلاع الرأي بأن نتائجها تشير إلى أن حزب بهارتيا جاناتا وحلفاءه من المتوقع أن يفوزوا في هذه الانتخابات، فإذا صحت توقعات الرأي العام، ومؤسسات رصد الرأي الانتخابي في الهند، ونجح جاناتا، سواء أكان بالأغلبية ليشكل حكومة وحده، وهذا مستبعد إلى حد ما، أم كانت نتائجه ذات شأن بحيث يفرض شروطه على أي حكومة تتشكل، إن كان الأمر كذلك فإن سياسة أمريكا في مضايقة الصين عن طريق الهند ستكون ميسورة لأمريكا أكثر مما كانت عليه وقت حزب المؤتمر، بل يسهل عليها تنفيذ سياستها كما كان ذلك في فترة حكم حزب جاناتا الموالي لها حيث تنفست الصعداء حينذاك بعد حكم حزب المؤتمر عقوداً قبل ذلك، وعندما جاء حزب المؤتمر في 2004 بدأ سياسة التشويش على السياسة الأمريكية في الهند، بل كان حزب المؤتمر يراوغ أمريكا ليأخذ منها اتفاقيات لمصلحته قبل أن يتقدم خطوة لمساعدة أمريكا في سياستها.


8- وأما المقارنة بين الصين والهند، فإن الكفة ترجح بشكل واضح إلى الصين من وجوه عدة:


فالصين وإن هي لا تحمل مبدأها وتنازلت عنه في السياسة الخارجية وفي السياسة الاقتصادية والمالية وكذلك تنازلت عنه في كثير من مجالات الحياة إلا أنها تحافظ عليه في الحكم باسم الحزب الشيوعي لتحافظ على مصالح هذا الحزب وأتباعه وعلى تماسك الدولة واستقلاليتها، وكل ذلك يجعلها تتحرك ذاتيا وتجعل لديها مناعة من أن تصبح دولة تابعة أو دولة تدور في فلك دولة كبرى وتجعلها دولة تحلم بأن تصبح دولة كبرى عالميا. وقد عبر ليو مينجو وهو كولونيل صيني يعمل أستاذا في جامعة الدفاع الوطني وهو يدرب الضباط الشباب، عبَّر عن ذلك في كتابه الذي أسماه "الحلم الصيني" فدعا فيه بلاده الصين لأن تملك أقوى جيوش العالم، وأن تتحرك بسرعة للإطاحة ببطل العالم أمريكا، ودعاها للتخلي عن التواضع فيما يتعلق بالأهداف العالمية وإلى القفز لكي تصبح الرقم واحد في العالم. وأضاف إذا لم تتمكن الصين في القرن الواحد والعشرين من أن تصبح الرقم واحد في العالم وتكون القوة العليا في العالم فإنها ستصبح حتما مهمشة..."، فعند الصين إحساس بالقوة والتحدي، ولولا أنها تكتفي بالمحافظة على إقليمها، وتقبل بأن تقتصر مجابهتها لأمريكا كرد فعل على تحركات أمريكا نحو إقليمها، ولا تخرج الصين لتهز أمريكا في مناطقها ومناطق نفوذها... ولولا أنها بدأت تأخذ بالرأسمالية في كثير من المجالات وبخاصة الاقتصادية... لولا ذلك لكان صوتها دولياً أعلى، وتأثيرها في مصالح أمريكا أقوى... على كلِّ، فإن الصين عندها إحساس بالقوة، وتعمل ليبقى كيانها يتحرك ذاتياً حتى وإن كان في منطقة إقليمها...


وأما الهند فليس لديها مبدأ ولا تملك أفكارا من مبدأ ما وإنما يطبق عليها المبدأ الرأسمالي لضمان تبعيتها للغرب وخاصة لبريطانيا وليس لإنهاضها وجعلها دولة مستقلة، فهي كسائر الدول التابعة في المنطقة فقد فرض عليها النظام الرأسمالي فرضا بالقوة الاستعمارية، وما زال مفروضا عليها بالقوة. ولهذا فهي لا تندفع ذاتيا ولا يوجد لديها الحافز للانطلاق بقوة وبسرعة وبوعي وتخطيط ذاتي، فتبقى دولة تابعة وليست مستقلة بسياستها، ويلاحظ عليها أنها تتحرك ببطء في المجال السياسي وهي دائما تحت التأثير وليست مؤثرة ولا مبادرة. فتقع تحت التأثير سواء من بريطانيا سيدتها الأولى أم من أمريكا التي تمدُ أذرعتها نحوها حيث أوجدت فيها قوى سياسية تابعة لها. ولهذا فهي مختلفة عن الصين من هذه الناحية، وهي متأخرة فكريا، وغير منضبطة بقواعد فكرية معينة، والعاملون في الحقل السياسي غير منضبطين بأي أسس ولذلك يعمها الفساد المالي والسياسي بحيث يكاد أن يشمل كافة السياسيين، ومن الصعب أن تصبح دولة كبرى ولو إقليميا، وأكثر ما يمكن أن تصبح عليه في المستقبل دولة فلك، أي تدور في فلك دولة كبرى أخرى سواء أكانت أمريكا أم بريطانيا أم الإثنتين معا.


هذا من الناحية السياسية، أما من الناحية الاقتصادية، فاقتصاد الصين يبلغ أربعة أضعاف اقتصاد الهند. وبينما استطاعت الصين تخفيض مستوى الفقر في بلادِها، فإن 66 % من فقراء العالم هم من الهند، ولا تَستطيعُ الهند منافسة الصين اقتصادياً، فالصين طوّرتْ قِطاعاً صناعياً كبيراً، ما أدى إلى حيازتها على احتياطيات كبيرة مِنْ النقد سمح لها بأن تؤثر في الاقتصاد العالمي. أما التصنيع في الهند فلا يزال بعيداً عن مستوى الصين في الإنتاج والتصنيع، وبخاصة الآلات الثقيلة والتكنولوجية الحديثة، وهذا لا يعني أن الهند تخلو من هذه الأمور، وإنما هي متأخرة عن مستوى الصين...


أما الناحية العسكرية فتبلغ ميزانية الصين العسكرية الرسمية 119 بليون دولار بما يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف ميزانية الدفاع في الهند البالغة 38 بليون دولار. وقد حققت الصين تقدّماً مهماً في تحديث قوّاتها المُسَلَّحةِ، فهي تنشئ الآن أرصفتَها الخاصةَ بها (أرصفة صناعة المعدات العسكرية الضخمة كالسفن والدبابات والطائرات المقاتلة) وتُوسّعُ أسطولها، كما تقوم بخطوات نشطة للسَيْطَرَة على منطقتِها. لكن الهند بدأت حديثاً في تطوير قدراتها لتَمويل برنامج تحديث عسكري لا يزال يعاني مِنْ مشاكل عديدة. كما لا تزال الهند أحد أكبر المستوردين للمعدات العسكرية في العالم. وعلى الرغم مِنْ عقدين مِنْ الجُهودِ لتَطوير قدرتها العسكريةِ الداخليةِ فإنها أخفقتْ في تَطوير أرصفة ذات قيمة. قال بيتر دي. ويزيمان، وهو باحث كبير في معهد أبحاث السلام العالمي في ستوكهولم: "لا أعتقد أن هناك بلداً آخر في العالمِ حاولَ جادّاً صنع الأسلحةِ وفَشل كليّاً مثل الهند." (أكبر مستورد أسلحة في العالم، ترغب الهند في الشراء المحلّي، النيويورك تايمز، آذار/مارس 2014).


وهكذا فإن المقارنة بين الصين والهند ترجح كفة الصين مرات ومرات على الهند...


9- والخلاصة أن أمريكا عملت على توجيه الهند نحو الجبهة الشمالية للصراع مع الصين بعدما أمنت لها الجبهة الغربية مع الباكستان التي قدم حكامها الموالون لأمريكا تنازلات كبيرة للهند في فترة حكم حزب بهاراتيا جاناتا الموالي لأمريكا. وعندما عاد حزب المؤتمر إلى الحكم أظهر تراجعا في العمل على هذه الجبهة والتي يطلق عليها خط السيطرة الفعلي بسبب مخاوف لدى الهند من المواجهة مع الصين وتهديد الأخيرة لها، ولكون هذا الحزب يوالي الإنجليز الذين لا يشجعون الهند في السير في مخططات أمريكا. وعندئذ قامت أمريكا بتوجيه الهند إلى ما أطلقت عليه التوجه نحو الشرق أي نحو منطقة المحيط الهادئ وبالتحديد نحو بحر الصين الجنوبي وأغرتها بوجود مصادر الطاقة من نفط وغاز هناك وأن لها الحق في أخذ حصتها منه، وجعلتها تتعاون مع فيتنام التي تدَّعي هي أن لها حقا فيه وتتنازع مع الصين في جزر سبراتلي هناك... وكذلك فإن أمريكا قد دفعت أستراليا إليها لجذبها في محاولة لتشكيل تكتل من عدة دول لمواجهة الصين... وتعمل على أن تعطي دورا أكثر فعالية لليابان لتخفف عنها أعباء الدفاع. وإذا ما نجح حزب بهارتيا جاناتا في الانتخابات التي تجري حاليا ووصل الحكم مرة أخرى فإنه من المحتمل أن يزداد نشاط الهند بجانب أمريكا في منطقة الشرق أي في بحر الصين الجنوبي. أما عن المقارنة بين قوة الصين والهند، فهناك فرق كبير لمصلحة الصين بأضعاف مضاعفة عن قوة الهند... ولولا أن الصين تكتفي بالمحافظة على إقليمها، وتقبل بأن تقتصر مجابهتها لأمريكا كرد فعل على تحركات أمريكا نحو إقليمها، ولا تخرج الصين لتهز أمريكا في مناطقها ومناطق نفوذها... ولولا أنها بدأت تأخذ بالرأسمالية في كثير من المجالات وبخاصة الاقتصادية... لولا ذلك لكان صوتها دولياً أعلى، وتأثيرها في مصالح أمريكا أقوى...

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع