الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال

 

ثبوت هلال رمضان وحكم مخالفة الرؤية الشرعية

 

 

 

السؤال:

 


إن رؤية الهلال لبداية الشهور القمرية. تثار كل عام في جاليتنا المسلمة هنا في رمضان... فما هو موقفنا من القول باستخدام الحسابات الفلكية كبديل عن الرؤية لثبوت بداية رمضان؟ هل هي رأي مرجوح فقط أم مردود، أي باطل؟ وبعبارة أخرى هل توجد لها شبهة الدليل أم لا؟ وإذا كانت رأياً مردوداً -كما أفهم- ما هو حكم صيام أولئك الذين يتبعون هذا الرأي؟ وللعلم هناك العديد من هؤلاء هنا في استراليا ودول غربية أخرى وهم في ازدياد؟


وأمر آخر، فإذا تبين للصائم أنه خالف الرؤية فماذا يفعل؟ أليس في ذلك شيء من العسر؟ كما أن بعض من ناقشناهم يقول إن الصوم بناء على رؤية الهلال غير عملي، فقد يخرجون لرؤيته ولا يرونه، أو يختلفون في رؤيته وهذا يسبب مشكلة! فما الرأي في هذه المسألة؟ ثم إن الحساب اليوم يحدد ولادة الهلال بدقة، ومن ثم يحدد إمكانية رؤيته حتى لو لم يُر، فلماذا لا نعتمد الحساب فيسهل الأمر كما نحسب أوقات الصلاة؟

 

الجواب:

 


إن الرؤية هي المعتمدة في صوم رمضان وَفْقَ الأدلة الواردة في ذلك، ومنها «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ»
وأما ما يستند إليه الذين يعتمدون الحساب الفلكي من أدلة يرونها، فهي مردودة ولا تنطبق على المسألة. وأشهر ما يذكرونه اثنان:


الأول: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» "البخاري"
وهذا الحديث « إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا "البخاري"، فإنه وإن كان فيه وصف مفهم وهو كلمة (أمية) التي قد توحي بأنها علة توجب العمل بالمفهوم، أي لو لم نكن أمة أمية لاستعملنا الحساب... إلا أن هذا غير صحيح كما هو معلومٌ في الأصول، حيث إن هذا المفهوم مُعطَّل، لأن وصف (أمية) خرج مخرج الغالب، فالعرب كانوا في الأعم الأغلب أميين، بالإضافة إلى أن هذا المفهوم قد عُطِّل بنص وهو الحديث «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» (البخاري). ولم يُذكر معه قيد، أي إذا كانت رؤية الهلال غير ممكنة لغيم أو مطر أو أي سبب يمنع الرؤية، فالحكم الشرعي قد حُدِّد بإكمال الشهر ثلاثين، حتى وإن كان الهلال طالعاً ولكن الغيم يحجبه. وعليه فيُعمل بمنطوق الحديث ويُعطَّل مفهومه.


وهذا واقع في شروط العمل بالمفهوم في أكثر من حالة، فإنه يعطل إذا خرج مخرج الغالب، أو إذا عطله نص مثل : ((وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ)) فـ(خشية إملاق) وصف مُفهم أي خشية الفقر، وكذلك فهو خرج مخرج الغالب، فقد كانوا يقتلونهم خشية الفقر، ثم إن هذا المفهوم قد عُطِّل بنص (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ))، لذلك يعطل هذا المفهوم، فلا يقال إن الحرام هو قتل الأولاد خشية الفقر ويكون حلالاً إن قتله عن غنى! بل هو حرام في الحالتين، سواءٌ أكان عن فقر أم عن غنى، وكذلك الآية (( لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ))، فـ (أضعافاً مضاعفة) وصف مفهم، وكذلك خرج مخرج الغالب، فهم كانوا يترابون أضعافاً مضاعفة، ثم إن هذا المفهوم قد عُطِّل بنص ((وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا))، ولذلك يُعطَّل هذا المفهوم، فلا يقال الحرام هو الربا الكثير، وأما الربا القليل فجائز، بل الربا مهما كان قدره حرام لأن مفهوم (أضعافاً مضاعفة) مُعطَّل كما قلنا.


وهكذا فإن مفهوم كلمة (أمية) مُعطَّل كما بينا، أي أن رؤية الهلال إذا تعذَّرت لغيم أو مطر فيجب إكمال عدة الشهر ثلاثين، سواء أكنا نعرف الحساب أم كنا لا نعرف.


الثاني: قولهم إن أوقات الصلاة يُعتمد فيها الحساب، وإذن فَوَقْتُ الصيام يُعتمد فيه الحساب.. والجواب على ذلك:
إن المتتبع للنصوص الواردة في الصوم يجدها تختلف عن النصوص الواردة في الصلاة، فقد ربط الصوم والفطر بالرؤية ((مَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )) « صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» فالرؤية هي الحكم. لكن النصوص في الصلاة قد رُبِطَت بتحقق الوقت (( أقم الصلاة لدلوك الشمس ))، «إذا زالت الشمس فصلَّوا». فكانت الصلاة متوقفةً على التحقق من الوقت، فبأية وسيلة تحققت من الوقت صليت، فإذا نظرت إلى الشمس لترى وقت الزوال أو نظرت إلى الظل لترى ظل كل شيء مثله أو مثليه كما جاء في أحاديث أوقات الصلاة، إن فعلت ذلك وتحققت، صحَّت الصلاة، وإن لَم تفعل ذلك بل حسبتها فلكياً فعلمت أن وقت الزوال هو الساعة كذا فنظرت إلى ساعتك دون أن تخرج لترى الشمس أو الظل، قد صحَّت الصلاة، أي أن تتحقق من الوقت بأية وسيلة. لماذا؟ لأن الله سبحانه طلب منك الصلاة لدخول الوقت وترك لك التحقق من دخوله دون تحديد لكيفية التحقق. وأما الصوم فقد طلب منك الصوم بالرؤية فحدد لك السبب بل فوق ذلك قال لك إذا حجب الغيم الرؤية فلم تر، فلا تصم حتى وإن كان الهلال موجوداً خلف الغيم وكنت متأكداً من وجوده بالحساب الفلكي.


هذا هو رأينا في المسألة، فالحساب الفلكي لا يجوز في تعيين الصوم والفطر من رمضان، بل الرؤية الشرعية.


- أما كيف يكون صيام أصحاب الحساب الفلكي، فإن صاموا الأيام التي تعدّ من رمضان وفق الرؤية، فهو صيام صحيح، وإن فاتهم يوم من رمضان وفق الرؤية فهم مسئولون عنه وعليهم قضاؤه.


فهذا ما نحن مقتنعون به، نبينه للناس، ونحن لا نملك عصا نجبرهم على رأينا، وإنما نبينه لهم بأسلوب حسن، وحكمة طيبة، وينتهي الأمر، فلا نجعل المسألة تأخذ صيغة الصدام، بل نرسم الخط المستقيم بجانب الخط الأعوج، والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.


- وأما القول بأن اتباع الرؤية يعسِّر المسألة، فقد يصوم آخر الشهر ثم يخبره آخر بأن اليوم عيد... وهكذا لو أصبح مفطراً أول رمضان فجاءه آخر وقال تمت رؤية الهلال فاليوم رمضان وهكذا يتعسر الأمر عليه...


والجواب على ذلك هو أن الموضوع أيسر من ذلك، فإن المسلم يصوم ويفطر بمبلغ علمه بالرؤية بعد تحرّيها، فإن صام أو أفطر بناء على عدم رؤية الهلال عنده، ثم جاء من أعلمه علماً صحيحاً برؤية الهلال فعليه أن يتبعه، وهذا ثابت بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رُوِيَ عن جماعة من الأنصار: «غُمَّ علينا هلال شوّال فأصبحنا صياماً، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا ثُمَّ يخرجوا لعيدهم من الغد» "أحمد").


وفي السابق كان واقع الحال أن لا يصل خبر الرؤية من مكان لآخر بسهولة، كما حدث مع رسول صلى الله عليه وسلم، فخبر رؤية الوفد القادم للمدينة وصل الرسول صلى الله عليه وسلم خلال النهار حيث كان الرسول والمسلمون في المدينة صائمين لأنهم لم يروا الهلال، فعندما أخبر الوفدُ الرسولَ صلى الله عليه وسلم برؤية الهلال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بالفطر، وقد كان ذلك اليوم آخر يوم من رمضان، فصام الرسول صلى الله عليه وسلم مكملاً العدة لعدم رؤيته في المدينة، فلما جاءه أنه رؤي في مكان آخر أمر بالفطر لأن ذلك اليوم من شوال، أي: العيد، وليس إكمال عدة رمضان.


وهذا أمر ميسور، فكل منطقة تتحرى الرؤية، فإن لم تر الهلال ولم يصلها بخبر صحيح أنه رؤي في مكان آخر فلتصم أو تفطر، وإذا وصلها خبر رؤية الهلال فعليها اعتماد ذلك لأن الحديث خطاب للجميع (صوموا لرؤيته..).


- وأما قولك: إنهم يقولون (غير عملي)، فلماذا هو غير عملي؟ إن تحرَّى أهل أستراليا هلال شوال فلم يروه، ولم يصلهم أنه رؤي في مكان آخر، فليصوموا، فإن وصلهم خبر رؤية الهلال خلال النهار، فعليهم الفطر لأن ذلك اليوم عيد كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم... وهكذا، ثم إن الأخبار الآن تصل بسهولة ويسر... ولذلك فموضوع أنه غير عملي لا تقوم به حجة للمسلم الذي يريد تحرِّيَ الحق في عبادته.


- أما أن الحساب يحدّد ولادة الهلال فصحيح، وأما أنه يحدد إمكانية رؤيته فغير صحيح لأن الفلكيين يختلفون في تحديد مقدار الوقت الذي يمر على ولادة الهلال حتى يُرى بعد الغروب، ومع ذلك فإننا لا نصوم ونفطر بحقيقة ولادة الهلال، بل برؤيته، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ»، فقد يكون هلال رمضان موجوداً ولكن الغيم يحجبه فلا يرى، فنكمل العدة بنص الحديث، فوقت الصيام بالرؤية كما جاء في الأدلة، ولو كان وقت الصيام كوقت الصلاة غير مشروط بالرؤية لكان تحديد الوقت بالحساب صحيحاً، لكن أدلة الصيام جاءت معتمدة على الرؤية، وأدلة الصلاة جاءت بتحقق الوقت دون اشتراط الرؤية «إذا زالت الشمس فصلَّوا...» كما بينا فيما سبق.

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع