الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال

 

 

بيع الثمار وهي على أصولها

 


السؤال:


جاء في كتاب الشخصية الإسلامية، الجزء الثاني، ص302 تحت عنوان بيع الثمار وهي على أصولها: "... روى مسلم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ابتاع نخلاً بعد أن يؤبَر فثمرتها للذي باعها إلاّ أن يَشترط المبتاع) ولِما روى أحمد عن عبادة بن الصامت (أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تمر النخل لمن أبرها إلاّ أن يَشترط المبتاع)، فيُستدل بمنطوق الحديث على أن من باع نخلاً وعليها ثمرة مؤبرة لم تدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع. ويُستدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشتري. والمراد بالمفهوم هنا مفهوم المخالفة وهو هنا مفهوم الشرط". انتهى

لقد ذكر هذا الحديث الأصوليون في بحث مفهوم الصفة لا مفهوم الشرط.

فلماذا قيل إنه مفهوم الشرط وليس مفهوم الصفة؟ أرجو توضيح ذلك؟

 


الجواب:


إن الواجب في مسائل الأصول أن يُحاط بالمسألة المبحوثة من جميع جوانبها! فمثلاً الحديث الذي جعل السائل البحث مسلطاً عليه هو «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها، إلا أن يشترط المبتاع» والحديث الآخر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تمر النخل لمن أبرها إلا أن يشترط المبتاع» أخذت جزءاً منهما وسلطت البحث عليه! فإنك أخذت الجزء الأول من الحديث واكتفيت به! ودرسته على اعتبار أن التنازع هو بين مفهوم الشرط "من ابتاع نخلاً..." وبين مفهوم الصفة "بعد أن تؤبر..."، وبطبيعة الحال فإن مفهوم الصفة هنا هو المعمول به، لأن الحكم معلق على التأبير، فالبيع قبل التأبير يختلف حكمه عن البيع بعد التأبير.


أما مفهوم المخالفة للشرط "مَنْ ابتاع..." أي "مَن لم يبتع..." فلا يتعلق به حكم، لأنه إن لم يكن هناك بيع فليس هناك حكم، لأن شيئاً لم يحدث لنتساءل عن التمر لمن هو! وعليه فلو كان الحديث مقتصراً على «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبَّر فثمرتها للذي باعها» والحديث الآخر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم  قضى أن تمر النخل لمن أبَّرها». لكان قولك صحيحاً إن المفهوم هو مفهوم الصفة، ولكنك أهملت الجزء المهم بل الأهم في آخر الحديث وهو الاستثناء المشروط، أي التقييد بالشرط "إلا أن يشترط المبتاع"، ولو درسته وتدبرته لوجدته قد عطل مفهوم الصفة وأصبح المعمول به هو مفهوم الشرط المأخوذ من التقييد بالشرط.


وذلك لأن التأبير أو عدمه أصبح معطلاً مع الاستثناء المشروط، لأن العبرة أصبحت بالاشتراط، فإذا اشترط المبتاع أن النخل له مع ثمره نُفِّذ هذا الشرط سواء أكان البيع قبل تأبير النخل أم بعده، فإذا ابتاع النخل قبل التأبير فالتمر له، وإذا ابتاع النخل بعد التأبير واشترط أن التمر له كان له، فالمعول عليه هو الشرط الناتج عن الاستثناء المشروط، فإن اشترط المبتاع فالنخل مع الثمر له سواء أكان البيع قبل التأبير أم بعده، أي لا عمل بمفهوم الصفة.


ويبدو أن الالتباس جاءك من وجهين:


الأول: من أنك ظننت أن لا شرط في الحديث إلا بصيغة "من ابتاع" فسلطت البحث على مفهوم الشرط في "من ابتاع" وعلى مفهوم الصفة في "بعد أن تؤبر"، فوجدت أن مفهوم الصفة هو الذي تقوم به حجة، ولكنك تركت جملة "إلا أن يشترط المبتاع" ولم تدخلها في البحث فأصبحت هذه الجملة كاللغو خلال بحثك! كما ورد في الشخصية "لكان التقيد بالشرط لغواً لا فائدة منه".


والثاني: من أنك لا ترى الشرط إلا بالأدوات دون ما هو تصريح بلفظ الشرط ومشتقاته، وهذا ليس صحيحاً، فإن لفظ الشرط ومشتقاته يقع أحياناً موقع الأداة، ويكون له مفهوم، فإذا قلت لابنك (أعطيك جائزة بشرط أن تفوز في الامتحان) فهذه لها مفهوم، أي (لا جائزة للولد إذا لم يفز في الامتحان)، فإن كلمة (بشرط أن تفوز في الامتحان) هي بمعنى (إذا فزت في الامتحان)... وهكذا.


وعليه فإن مفهوم الشرط في الحديث لا يؤخذ هنا من الأداة "من باع" فهذه لا تؤثر في الحكم من حيث مفهوم الشرط، بل الذي يؤثر في الحكم هو "إلا أن يشترط المبتاع"، فهذا الاستثناء بالشرط يقوم مقام استعمال الأداة أي (إذا اشترط المبتاع فله كذا وإذا لم يشترط فله عكس كذا...)


والخلاصة: هي أن الاستثاء بالشرط له مفهوم، سواء أكان بعد أداة الشرط كما في الحديث الأول بمعنى: (من ابتاع فله كذا إذا اشترط المبتاع وله غير كذا إذا لم يشترط)، أم كان دون أداة الشرط كما في الحديث الثاني بمعنى: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بكذا إذا اشترط المبتاع وغير كذا إذا لم يشترط المبتاع)، وإن ذكْر هذا الاستثناء المشروط يجعل مفهوم الشرط هو المعمول به.


وأما ما ذكرته عن عبارة الأصوليين فهي صحيحة لأنهم لم يذكروا الجزء الأخير من الحديث، بل وضعوا عبارة ودرسوها وهي "من باع نخلاً مؤبرا فثمرتها للبائع"، فالحكم مسلط على التأبير، فالمفهوم المعمول به هو مفهوم الصفة. ومثل هذه الجمل المجتزأة موجود في كتب الأصول، فهم يضعون عبارةً أو معنى الحديث أو جزء منه ويسلطون القاعدة عليه. كقولهم "في الغنم السائمة زكاة" والحديث ليس هكذا بل هو من حديث طويل لأبي داود عن زكاة الأنعام هكذا «...وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا شَاةٌ...» رواه ابو داود من حديث طويل، وواضح فيه الشرط "إذا كانت أربعين" ولكن الأصوليين تركوا الشرط لأن بحثهم كان في مفهوم الصفة واقتصروا على "سائمة الغنم" وصاغوها "في الغنم السائمة زكاة" وضربوها مثلاً على مفهوم الصفة، أي أنها إن لم تكن سائمة فلا زكاة، مع العلم بأن مفهوم الشرط معمول به لأنها إن لم تكن أربعين فلا زكاة فيها حتى وإن كانت سائمة. ولو ذكر أحدهم الحديث «وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ، فَفِيهَا شَاةٌ...» ثم قال إن مفهوم الصفة هو المعمول به هنا لكان قوله ليس دقيقاً، بل الصحيح أن يقول ومفهوم الشرط كذلك معمول به، لكن لو اجتزأها وذكر "في الغنم السائمة زكاة"، وقال مفهوم الصفة هو المعمول به لكان قوله صحيحاً ولكن بالنسبة لهذا النص المجتزأ وليس بالنسبة للحديث.

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع