الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 أجوبة أسئلة

المرسل في تعريف الحديث الصحيح والعمل به

المرسل الذي نعمل به هو الذي سقط من سنده صحابي

 

 

 

 

السؤال الأول:

 

 ورد في الشخصية ج 1 ص 336 س 8 (مِن أسفل) في مبحث تعريف الحديث الصحيح: (فقوله (الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله) احترز بذلك عن المرسل والمنقطع والمعضل، فلا يكون من أنواع الصحيح. لأن المرسل ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الصحابي. والمنقطع ما سقط منه واحد من الرواة في موضع أو مواضع. والمعضل ما سقط منه اثنان فأكثر في موضع أو مواضع. فهي كلها أي المرسل والمنقطع والمعضل لم يتصل إسنادها فخرجت من الصحيح) مخالف لما استقر من الأخذ بالمرسل في 342-343 من نفس الكتاب، فما تفسير ذلك؟ ولكم الشكر.

الجواب:

 

لا تناقض بين عدم إدخال "المرسل" في تعريف الصحيح حسب علم مصطلح الحديث، وبين العمل بالمرسل.

إن أهل كل علم يضعون اصطلاحات لعلمهم، أي حقيقة عرفية خاصة، وهذه الاصطلاحات تطبق في حدود ما وضعوه ولا تتعداه.

فإذا سئلنا: ما هو تعريف "الحديث الصحيح" في مصطلح الحديث فالجواب هو كما ذكرناه في الشخصية الجزء الأول باب أقسام خبر الآحاد بند "1":

" الصحيح: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً. أي هو المتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلى منتهاه من صحابي أو من دونه. فقوله (الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن مثله) احترز بذلك عن المرسل والمنقطع والمعضل، فلا يكون من أنواع الصحيح. لأن المرسل ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الصحابي. والمنقطع ما سقط منه واحد من الرواة في موضع, أو مواضع. والمعضل ما سقط منه اثنان فأكثر في موضع أو مواضع. فهي كلها أي المرسل والمنقطع والمعضل لم يتصل إسنادها فخرجت من الصحيح..." 

ومنه يتبيّن أن "المرسل" ليس من "الصحيح" وفق مصطلح علم الحديث،

لكن إذا سئلنا: ما هو الحديث الذي يؤخذ به ويعمل به قلنا:

- الصحيح والحسن وفق مصطلح علم الحديث

- والمرسل، أي الحديث الذي يسقط من سنده الصحابي، فهو حجة ويستدل به لأنه مستوف شروط المتن والسند والراوي، والمحذوف من سنده صحابي لا يضر جهله، ما دام عرف أنه صحابي، فهو ثقة.

- وما ورد من أحاديث في كتب الأئمة وتلاميذهم وغيرهم من العلماء والفقهاء يعتبر من الحديث الحسن، ويحتج به؛ لأنهم أوردوه دليلاً على حكم، أو استنبطوا منه حكماً، فهو حديث حسن، سواء ورد في كتب أصول الفقه أم الفقه، على شرط أن تكون كتباً معتبرة كالمبسوط، والأم، والمدونة الكبرى، وأمثالها...

- وهناك من يأخذ بالضعيف إذا تقوى بأحاديث ضعاف أخرى... "ونحن لا نأخذ بهذا".

وهكذا، فليس هناك تناقض، لأن مصطلح الحديث علم، والعمل بالحديث علم، وقد لا يلتقيان بالضرورة في حالات معينة، ولا حجة في علمٍ على آخر إلا بدليل معتبر.

وحتى تتضح المسألة أكثر، فإن هذا الأمر ليس في هذا العلم فحسب، بل هو في علوم أخرى.

خذ مثلاً مصطلحات علماء المباني في اللغة "النحو..."، فهم اصطلحوا على تسمية الفاعل والمفعول به، ونائب الفاعل... ولكن علماء المعاني "فقه اللغة" لا يوافقونهم أحياناً في أمور من مصطلحاتهم... فعلماء النحو يقولون "أكل زيدٌ التفاحةَ"، ويكون زيد فاعلاً مرفوعاً، وأُسنِد أكل التفاحة إليه. ويتفق علماء المعاني معهم بذلك، فالمعنى متفق مع المبنى.

ولكن علماء النحو "المباني" يقولون كذلك: "أُكِلت التفاحةُ" ويسمون التفاحة نائب فاعل، وعلماء "المعاني" لا يوافقونهم، فالتفاحة لا علاقة لها بالفعل! فهي ليست نائب فاعل، فلم تنب عنه بشيء، بل هي لازالت من حيث المعنى مأكولة!

وهكذا في كثير من العلوم، فلكل طرقه ومسالكه، واصطلاحاته، وكما يقال فلا مشاحَّة في الاصطلاح.

وهكذا هنا، فمصطلح الحديث علم، والعمل بالحديث علم، فإذا اختلفا في أمر فلا يعني تناقضاً.        

 

 

السؤال الثاني:

 

ورد فيالشخصية ج 1 ص 342 س 4 (مِن أسفل): (ما دام عرف أنه صحابي): كيف يعرف أنه صحابي وقد سقط من السند؟ وكيف نعدّ كل مرسل أن الساقط من سنده هو الصحابي؟  وكيف نقبل مرويات جميع التابعين عن الصحابة بدعوى أنهم يروون عن عدول بالرغم من غلبة الظن (في حالة بعضهم على الأقل) بانتفاء سماعهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم منهم؟ ثم إن مقولة (المشهور التسوية بين صغار التابعين وكبارهم) صحيحة عند من رد جميع مراسيلهم (لوجود الانقطاع أو الإعضال في السند)، فكيف يمكن أن تكون صحيحةً عندنا وحال صغار التابعين أو بعضهم على الأقل كما رأينا؟

 

 

 

الجواب:

 

إن المرسل الذي نعمل به هو فقط الذي سقط منه الصحابي، وهذا يحتاج إلى دراسة في معرفة رجال السند ومتعلقاته، فإن كان الساقط من السند هو صحابي قُبل الحديث وعُمل به على وجهه، سواء أكان التابعي الذي أرسله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كبيراً أم صغيراً، فالمهم أن يكون الساقط من السند هو الصحابي، أما إذا تبيّن بالدرس والتمحيص أن الساقط من السند تابعي آخر وصحابي فهذا لا يؤخذ ولا يُعمل به عندنا، لأننا ذكرنا لماذا نعمل بالمرسل، فقلنا:

(الحديث المرسل هو ما سقط منه الصحابي، كأن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا أو فعل بحضرته كذا. وصورته حديث التابعي الذي قد أدرك جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار، ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم). والمشهور التسوية بين التابعين أجمعين. أي هو ما رواه التابعي عن النبي بدون ذكر الصحابة، ولا فرق بين التابعي الصغير والكبير لأن المشهور التسوية بين التابعين... وبما أنه مستوف شروط المتن والسند والراوي، والمحذوف من سنده صحابي لا يضر جهله، ما دام عرف أنه صحابي، فهو ثقة، فذلك يدل على أن الحديث المرسل حجة يُستدل به. قد يُقال إن العلّة هي احتمال رواية التابعي عن تابعي مثله عن الصحابي، فسقوط الصحابي لا يعني سقوط راوٍ واحد، بل هو انقطاع يحتمل سقوط راويين تتحقق في أحدهما العدالة وهو صحابي، ويشك في أمر الآخر وهو التابعي. فيوجد في الحديث احتمال الجرح أو عدم الضبط ولذلك يُردّ. قد يقال هذا الكلام، والجواب عليه هو أن تعريف الحديث المرسل هو "ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر الصحابي" فلا يدخل فيه رواية التابعي عن التابعي غير المذكور...)

وعليه فالأمر واضح لا لبس فيه.

 

 

السؤال الثالث:

 

لماذا أسقطنا جميع مرويات المبتدع الداعية؟ فالمدار في اعتماد الراوي أو إسقاطه هو العدالة والضبط، فما مدخل الدعوة إلى الفرقة أو الطائفة فيهما؟ ثم إن الكتاب (الشخصية ج 1 ص 330 س 3 (مِن أسفل)) يقول: (ثم إن الدعوة للفرقة والمذهب لا تجوز. وأما إن كان داعياً للإسلام ويشرح الأفكار التي يتبناها بأدلتها، فإنه تقبل روايته لأنه يكون حينئذ داعياً إلى الإسلام وهذا لا يطعن بروايته) ، مما يورد الأسئلة التالية:

- ما الفرق بين الدعوة إلى الإسلام والدعوة إلى الفرقة أو الطائفة؟ أليس ما لدى الفرق الإسلامية جزء من الثقافة الإسلامية؟

- أليس من يدعون إلى آرائهم (سواءً أكانوا شيعةً أم خوارجاً أم معتزلةً) مقتنعين بأنها تمثل الفهم الصحيح للإسلام؟

- ما المقصود بالمذهب؟

 

 

الجواب:

 

 يبدو أن هناك التباساً لديك بالنسبة لبعض الأمور:

1- إن ما شهده التاريخ الإسلامي في تكوين الفرق الإسلامية هو أنها كانت تقوم على فكرة فرعية أو أكثر - لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم - تقتنع بها وتدعوا إليها، وتبذل الوسع في جمع أدلة أو أمارات أو شبهات... وتجعل ذلك أدلة لدعم تلك الفكرة.

فمثلاً عند قضية التحكيم، ثار الخوارج وعدّوا هذا كفراً، ووصلوا إلى تكفير مرتكب الكبيرة، وأصبحت هي القضية لديهم... ويدعون إليها.

ومثلاً المعتزلة، ترجموا الفلسفات، ووصلوا إلى أن الإنسان يخلق أفعاله، ثم أضافوا لها فكرة خلق القرآن، وأصبحت قضيتهم... ويدعون إليها.

وهكذا.

والوقائع تثبت أنهم كانوا خلال دعوتهم لأفكارهم الفرعية يؤولون... ولا يتورعون عن سوق الحجج لإثبات فكرتهم التي أصبحت قضيتهم، حتى وإن كان التأويل لا وجه له، وعدم الورع في الاحتجاج ظاهراً...

ولهذا كان الشك في صحة رواياتهم، وهذه ليست أموراً نظرية، بل الوقائع أكدتها، وما نقل عن بعض من تركوا تلك الفرق أيدتها... قال ابن حجر في لسان الميزان " إن المبتدع، إذا كان داعية، كان عنده باعث على رواية ما يشدّ به بدعته". وقد حُكي عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعد ما تاب "إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثا...". 

ولذلك قلنا في الشخصية الجزء الأول صفحة 342 -343 ما يلي: "وقد حدثت بعد الفتنة فرق إسلامية اعتنقت آراء جديدة... وكان بعضهم تحمله الدعوة إلى فرقته والترغيب فيها، أو الدعوة إلى آرائه والترغيب فيها على وضع ما يحسنها من الأحاديث..."

ومع ذلك فأفكار هذه الفرق تعد من الثقافة الإسلامية، حتى وإن لم يؤخذ برواياتهم لأن الثقافة شيء والرواية شيء آخر.

2- أما الدعوة إلى الإسلام:

فهي تكون لتطبيقه في الدولة والحياة والمجتمع، ويُدعى إليه بفكرته وطريقته بناء على الأدلة الشرعية...

والإسلام هو القضية في الدعوة، وليس فكرة فرعية لم تكن على عهد رسول اللهصلى الله عليه وسلم كما في الفرق والدعوة إليها...

والتكتل في الدعوة إلى الإسلام يكون حول الإسلام، وليس حول فكرة فرعية تبرز دون سواها.

وحملة الدعوة إلى الإسلام بهذا المعنى، حتى لو اختلف اجتهادهم، فإن اختلافهم لا يمنع رواياتهم إذا تحقق فيها العدالة على وجهها...

3- أما المقصود بالمذهب، فإن من المجتهدين من يجتهد في الأحكام الشرعية ويجتهد في طريقة استنباطه للأحكام الشرعية، سواء أجعل له طريقة خاصة كما هي الحال في بعض المذاهب، أم لم يجعل له طريقة خاصة، ولكنه يسير طبيعياً في طريقة معينة من الفهم لاستنباط الأحكام، كما هي حال المجتهدين في عصر الصحابة، وسواء أكان هو واضع طريقة الاجتهاد أو يقلد مجتهداً من المجتهدين في طريقة الاجتهاد ولكنه يجتهد في الأحكام ولا يقلد واضع طريقة الاجتهاد ...

مثل هؤلاء المجتهدين الذين يجتهدون وفق تلك الطريقة في الأحكام الشرعية المختلفة، يشتهرون باجتهاداتهم ويقلدهم من يطمئنون باجتهاداتهم، ويتكون بذلك مذهب...

والأمر كما أراه واضح لا يحتاج إلى سؤال عن المذهب... 

 

 

 

السؤال الرابع:

 

أرجو توضيح ما ورد في النظام الاقتصادي ص(112-113) حول القيمة والثمن:

لقد عرّف القيمة بالعبارة: «قيمة أية سلعة هي مقدار ما فيها من منفعة، مع ملاحظة عامل الندرة».  ويضيف بعد عدة أسطر: «وهي القيمة الحقيقية للسلعة» ويتابع: «أما القيمة الفعلية للسلعة، فإنها تقدّر بمقدار بدلها بشيء آخر من سلعة أو نقد» ومقدار البدل هو الثمن وليس القيمة. وهنا هو يفرّق بين القيمة الحقيقية والقيمة الفعلية للسلعة. 

ولكنه يقول بعد ذكره القيمة الفعلية: «وتبقى قيمتها هذه على هذا الوجه ثابتةً مهما تغـيّر الزمان، والمكان، والظروف».

وكأنه هنا لا يفرق بين القيمة الحقيقية والقيمة الفعلية للسلعة، فما تفسير ذلك؟

هذا جانب من السؤال، أما الجانب الآخر فإن المثال المضروب هو: «خزانة معينة موصوفة» ... «قيمتها خمسون ديناراً»

فهل هذه الدنانير هنا هي الدنانير الشرعية لتكون القيمة ثابتة أم دنانير ورقية وفي هذه الحالة، فكيف تكون القيمة ثابتة؟ ثم أرجو توضيح هذا المثال بشكل أكبر، وبخاصة عندما يذكر قيمة الخزانة في العقد أو ثمنها؟

  

الجواب:

 

1- إن القيمة الحقيقية للسلعة هي مقدار ما فيها من منفعة...، وهي ثابتة لا تتغير، لأن منفعتها موجودة في السلعة ذاتها.

فإذا أردنا أن نقدر القيمة في معاملة من المعاملات، فهذا يسمى القيمة الفعلية، أي التي يُرجع إليها عند التقاضي، فإننا نقدرها بسلعة معروفة للطرفين عند التقدير، أو بنقد محترم عند الطرفين وقت التقدير له قيمة في ذاته كالذهب أو الفضة، فنقول هي تساوي كذا كغم من القمح مثلاً، أو تساوي كذا غم من الذهب، أو كذا درهم فضة، أي أن تقدير القيمة يكون بمادة لها منفعة في ذاتها، فلا تقدر القيمة بما ليس له منفعة في ذاته كالنقد الورقي مثلاً ...

ويتم هذا التقدير وفق مقارنة منفعة السلعة قيد البحث مع منفعة الأمور التي قدرناها بها وقت التقدير.

وسواء أكانت القيمةُ الحقيقية أم القيمةُ الفعلية هي قيد البحث، فإنها ثابتة لا تتغير عن وقت التقدير فيما بعد، لأنها قيمة... 

2- وهذا التقدير عندما نسجله في المعاملة بلفظ "القيمة" فهو يبقى ثابتاً، ويجب أن يَعرِف الطرفان مدلول هذا اللفظ اصطلاحاً، أي أنه تقدير للمنفعة، وأنه لا يتغير مع تغير الأزمان...، بل قيمة السلعة المذكورة هي ما سجلناه أمامها في المعاملة، وتُقضى وقت السداد ولو بعد سنة بالقيمة نفسها المسجلة لا زيادة ولا نقصان، لأن القيمة عند التقدير تبقى ثابتة، ما دامت سجِّلت "قيمة"، وما دام الطرفان يفهمان مدلول هذا الاصطلاح.

3- لكن لو سجِّلت السلعة في المعاملة بلفظ الثمن، فإنّ للثمن مدلولاً آخر، وهو أنه ليس بالضرورة أن يبقى ثابتاً، بل عند السداد بعد سنة مثلاً، فإنه يجوز أن يعطي صاحبُ الحق السلعةَ نفسَها، أو الثمَنَ المسجل، أو يُشترى له سلعة بالثمن نفسه، حتى ولو كانت السلعة التي اشتُريت  بهذا الثمن تنقص أو تزيد في جودتها عن السلعة الأصلية، وهكذا فإن التسجيل بالثمن لا يعني الثبات، وعليه فإنه يجوز عند التقدير بالثمن أن نذكر النقد ذهباً أو فضة أو نقداً ورقياً ونسجله.

4- وكل ذلك لأن قيمة السلعة المقدرة والمسجلة بهذا اللفظ تبقى ثابتة، فعند قضاء السلعة لصاحبها يجب أن يُعطى السلعة هي هي، أو قيمتها المسجلة نقداً عند التقدير إذا تلفت السلعة، ولكن لا يجوز أن يشترى له سلعة بالقيمة المذكورة عند التقدير، لأن هذا يجعل القيمة ثمناً ما دامت تتغير مع الوقت، لأن السلعة عند القضاء بعد سنة مثلاً سيختلف ثمنها عن قبل سنة أي وقت التقدير، ولهذا إن سُجلت قيمة وقت التقدير، فيجب أن تُقضى إما السلعة نفسها إن وجدت، وإن تلفت فقيمتها المسجلة وقت التقدير، ولا ثالث لهما.  

وأما ثمن السلعة المسجل فليس بالضرورة أن يبقى ثابتاً، فعند قضاء السلعة لصاحبها، يجوز إعطاؤه السلعة هي هي، وإذا تلفت يُعطى الثمن المسجل، أو يُشترى له سلعة بهذا الثمن.  

5- وهكذا يقال في الخزانة المسجلة مهراً للمرأة، فإن سجلت خزانة قيمتها "خمسون" وبطبيعة الحال خمسون ديناراً ذهباً، فإن هذا التقدير يبقى ثابتاً ما دام قد سُجل قيمةً، أي عند القضاء تُعطى المرأة الخزانة نفسها، وإن تلفت فتُعطى قيمتها المسجلة "50" دون تغيير عما سُجِّل في التقدير ابتداء.

وإذا سجلت خزانة ثمنها خمسون، وهنا يجوز أن يكون الثمن ديناراً ذهباً أو ديناراً نقداً ورقياً... لأنه ثمن، وهو يصدق على النقد الذي له قيمة في ذاته وعلى النقد الذي يتغير بالعرض والطلب "بالسوق الاقتصادي"، لأن الثمن يتغير بتغير السوق...

ولذلك فعند القضاء تُعطى الخزانة الموصوفة، وإذا تلفت فيجوز أن تعطى المرأة الثمن المسجل "50"، ويجوز أن يُشترى لها خزانة بخمسين، سواء أكان هذا الثمن يشتري خزانة مثل الموصوفة أم يشتري خزانة أحسن أم أسوأ...

ولكن كل هذا إذا كان الطرفان يدركان مدلول هذا الاصطلاح أي الفرق بين مدلول القيمة ومدلول الثمن، وإلا كان في المسألة حكومة أي قضاء.

آمل أن تكون هذه المسألة قد أصبحت واضحةً لديك.  

 

 

 

 

السؤال الخامس:

 

ورد في كتاب النظام الاقتصادي صفحة 79  روى أبو يوسف في كتاب الخراج عن سعيد بن المسيب قال عمر بن الخطاب ( ... وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين )

فعلق المشرف على الحلقة بأن قول عمر هذا دليل شرعي لأنه حصل عليه إجماع الصحابة وأنه يستفاد منه بأن من ملك أرضا سواء بالشراء أو بالإرث أو بالهبة أو بأي سبب مشروع آخر ولم يستغلها ثلاث سنين تؤخذ الأرض منه.

وهنا سأل أحد الشباب:                                                                          

1- هل يعامل قول عمر من حيث الدلالة كما يعامل الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من حيث الدلالة ؟

2- هل يعتبر قول عمر دليل شرعي لأنه لم يخالفه أحد من الصحابة؟ بمعنى حصل إجماع الصحابة على قول عمر ؟

 ولم يكن هناك جواب شافٍ حول الموضوع، فنرجو الجواب حول ذلك ولكم الشكر والتقدير.

 

 

 

الجواب:

 

- أما أن قول عمر هو دليل فغير صحيح، بل إن الدليل هو إجماع الصحابة على الحكم المستفاد من قول عمر رضي الله عنه.

- وأما معاملة قول عمر من حيث الدلالة كما يعامل الحديث من حيث الدلالة فهو صحيح.

أما الأول أي أن قول عمر ليس دليلاً بل الإجماع هو الدليل، فليس فيه لبس، فهو واضح، فإجماع الصحابة يكشف عن دليل لم يرووه، بل ذكروا الحكم دون الدليل، فالدليل كان مشهوراً عندهم، واضحاً لديهم وضوحاً جلياً، أي كأنه كان معروفاً لهم بديهياً، فاكتفوا بذكر الحكم.

وأما الثاني أي أن يعامل قول عمر معاملة الحديث من حيث الدلالة فهو صحيح، ولا بد، وذلك لأن عمر ذكر الحكم بنص، وعمر من أهل اللغة، وحتى يُفهم الحكم المستفاد من قوله لا بد من دراسته حسب دلالات الألفاظ في اللغة كما يدرس الحديث، وإلا فكيف يفهم الحكم المستفاد من قول عمر إن لم يدرس هذا القول دراسة لغوية كالحديث، وبخاصة وأن عمر من أهل اللغة؟ 

وحتى أوضح الأمر أكثر فانظر إلى قول عمر جيداً:

يقول "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين" فهو يذكر الملكية للمحيي، ولم يذكر الملكية للمحتجر فإنه قال: "من أحيا أرضاً فهي له"، ولم يقل "من احتجر أرضاً فهي له"، فهل الميتة تملك بالإحياء فحسب، أي بعمارتها بالزرع ونحوه، ولا تملك بوضع الحجارة حولها؟ أي أن الملكية للمحيي وليست للمحتجر؟ ثم هل نزع الملكية عند إحياء الأرض ثلاث سنين هي من المحتجر وليس من المحيي بمعنى أن من احتجر الأرض ثم أهملها ثلاث سنين تؤخذ منه ولا ينطبق هذا على محيي الأرض لأن عمر يقول "وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين"؟ ولم يقل "وليس للمحي حق بعد ثلاث سنين"؟

أي هل الملكية للمحيي "من أحيا"، ونزعها من المحتجر "وليس لمحتجر حق"، هل الأمر كذلك؟ وإن كان الحكم يشمل المحيي والمحتجر في الملكية وفي نزعها، فكيف؟ وحتى يفهم ذلك لا يمكن إلا بدراسة دلالة قول عمر اللغوية كما ندرس أي حديث من حيث دلالات الألفاظ في اللغة.

وبدراسة ذلك نقول إن قول عمر هذا يقع في باب الإيجاز بالحذف، وهو معروف في فقه اللغة، فكأنَّ عمر قال: "من أحيا أرضاً ميتة فهي له، وليس له حق بعد ثلاث سنين، ومن احتجر أرضاً ميتة فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين"، ثم أثبت شطر الحكم الأول "من أحيا..." وحذف العجز "وليس له حق بعد ثلاث سنين..."، ثم حذف شطر الحكم الثاني "ومن احتجر أرضاً..."، وأثبت العجز "وليس لمحتجر حق..."، وهكذا يفهم الحكم بأن الإحياء والاحتجار هما سواء في حق الملكية، وكذلك هما سواء في نزع الملكية بعد الإهمال، إن كان في حق المحيي أو في حق المحتجر.

هذه واحدة.

وأما الثانية فإنه إذا لم تدرس دلالة قول عمر دلالة لغوية فكيف سنفهم أن الإحياء هو علة ملكية الأرض دلالة؟ أما إذا دُرست دراسة لغوية فإنه يتبيَّن أن ترتيب الحكم على الوصف بفاء التعقيب والتسبيب تفيد العلة دلالة، سواء أدخلت الفاء على الحكم أم دخلت على الوصف، هذا إذا تحققت شروط دلالة الفاء على وجهها، أي الشروط الثلاثة التي تجعل الفاء تفيد العلة دلالة، وهي هنا في قول عمر "من أحيا..."متحققة، أنظر "تفسير الوصول إلى الأصول"، وهكذا يكون الإحياء علة المكية فمن قام بالإحياء، أي إحياء أنّى كان، فقد ملك الأرض... 

 وهكذا.

والخلاصة:

1- إن قول عمر ليس هو الدليل، بل إجماع الصحابة، على الحكم المستفاد من قول عمر، هو الدليل.

ولأن عمر عبّر عن الحكم المستفاد بنص عربي، وعمر من أهل اللغة، فلا يمكن معرفة الحكم المستفاد من قول عمر إلا بدارسة لغوية لدلالات الألفاظ في قول عمر كأي دراسة لغوية لألفاظ الحديث من حيث المنطوق والمفهوم، وأساليب اللغة.

 

 

 

 

السؤال السادس:

 

 في الشخصية الجزء الثالث:

  • ورد في ص (448) السطر (7): [... يتضمن معنى بمثابة العلة].
  • " " (453) السطر (6): [... فكأن ثبوته فيها معنى بمثابة العلة].
  • " " (459) " (9): [... فكأنه كان علة].
  • " " (460) " (9): [... فكأنه كان علة، فهو بمثابة العلة].

نحن نعرف أن أدلة العلة أربعة: (صريحة، دلالة، استنباط وقياساً)، فهل المعنى الذي هو بمثابة علة غير هذه الأربعة، أم أن العلة هي الصريحة فقط، وأن ما عداها هو بمثابة علة؟ أرجو توضيح عبارة (بمثابة علة)، وبارك الله فيكم وبكم.

 

 

الجواب:

 

العلة هي الباعث على التشريع، فهي محل قياس، فإذا وجدت العلة "صراحة، دلالة، استنباطية، قياسية" فإنه يقاس على حكم الأصل حكم فرعي آخر بجامع العلة.

فمثلاً:

{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، فهنا تستنبط علة عدم البيع عند النداء وهي الإلهاء عن الصلاة. ويكون الحكم الوارد في النص "ترك البيع" محل قياس لحكم آخر بجامع العلة وهو مثلاً ترك إجراء عقد الإجارة عند النداء... وأحكام أخرى بجامع علة الإلهاء.

وهكذا...

وقد بُحثت أنواع العلة وفق الأدلة، فكانت الأنواع الأربعة "صراحة، دلالة، استنباطية، قياسية"، وغير هذه الأنواع ليس علة بمعنى الباعث على التشريع، وبمعنى وجود القياس بجامع هذه العلة.

وقد وُضّحت استعمالات اللغة في النصوص التي تفيد وجود العلة، وهي مُفصَّلة في الشخصية الثالث في بابها.

غير أن هناك استعمالات في اللغة يستنبط منها رابط بين الحكم الوارد في النص وبين أمر آخر يتعلق به، ولكنه لا يقاس عليه، وليس هو من أنواع العلة، فيقال عن هذا الاستعمال اللغوي إنه بمثابة علة، أو كأنه علة، أي فيه معنى الربط بين الحكم وشيء آخر في النص، ولكنه ليس علة لا صريحة ولا دلالة ولا استنباطاً ولا قياساً.

ولمزيد من التوضيح أقول:

«إذا زالت الشمس فصلوا»، فهنا الفاء سببيه ولكن لا رابط بين زوال الشمس والصلاة، فهنا سبب وحسب.

ولكن {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ} هنا الفاء سببية ولكن هناك رابط بين الحكم "ولا تسبوا" وبين "فيسبوا" فإن النهي عن سب آلهة الكفار هو خشية سبهم الله سبحانه، ولكن لا يقاس عليه، فلا يقال مثلاً لا تنكر ظلم الحاكم خشية أن يعتقلك... بل هو فقط الحالة المذكورة في النص، لكن الترابط بين الحكم وسببه يمكِّن المجتهد من أن يصوغ حكماً كلياً يشمل حالات تندرج تحته، فيقال سب آلهة الكفار مباح، وقد منع هذا المباح لأنه يقود إلى الحرام وهو سب الله سبحانه، ولذلك يصاغ الحكم الكلي "الوسيلة إلى الحرام حرام".

أي أن هذا الربط يُمكِّن من صياغة حكم كلي يندرج تحته جزئيات... فتمنع بموجبه كل وسيلة تؤدي إلى الحرام.     

ولاحظ الفرق هنا فأنني استنبطت من ترابط السبب حكماً شرعياً كلياً تندرج تحته جزئيات، ولكنني لم أقس حكماً فرعياً على الحكم الأصلي.

ومثلاً: سافِرْ إلى الخرطوم، فهنا غاية باستعمال "إلى"، ولكن لا ترابط بين السفر والغاية أي الخرطوم.

ولكن {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} فهنا غاية باستعمال "إلى"، ولكن فيها ترابط بين الصيام ودخول الليل، أي لا يصح الصيام إذا لم يدخل شيء من الليل، ومنه أستطيع استنباط حكم كلي بان الصيام الواجب لا يصح حتى يمتد إلى غاية معينة، وأن الامتداد إلى هذه الغاية يصبح واجباً ما دام لا يصح الحكم الواجب الوارد في نص الآية إلا به، وهكذا نتوصل إلى حكم كلي "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فيكون إيجاد الخليفة واجباً لأن  إقامة الحدود الواجبة لا تتم إلا بالخليفة، ولاحظ الفرق، فنحن لم نقس بيعة الخليفة على الصيام، لأنه لا توجد علة تجمع الصيام مع بيعة الخليفة... وإنما وجد حكم كلي اندرج تحته وجوب بيعة الخليفة لصحة إقامة الحدود الواجبة.

ومثل هذا يقال في استنباط الاستصحاب، فقد عرفه علماء الأصول بأنه عبارة عن الحكم بثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على ثبوته في الزمان الأول، أي هو ثبوت أمر في الزمن الحاضر بناء على ثبوته فيما مضى. فكل أمر ثبت وجوده ثم طرأ الشك في عدمه فالأصل بقاؤه، والأمر الذي علم عدمه ثم طرأ الشك على وجوده فالأصل استمراره في حال العدم، أي أن هناك رابط بين ثبوت الحكم في أصله واستمراره بعد ذلك، فكأن ثبوته فيما مضى بمثابة العلة في ثبوته في الزمن الحاضر، وهذا يقود إلى صياغة حكم كلي "الاستصحاب" أي ثبوت أمر في الزمن الحاضر بناءً على ثبوته فيما مضى.

ومثلاً لقد روي «أَنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أقامَ بِتَبُوك بِضْعَ عَشْرَةَ ليلةً لَمْ يُجاوِزْها، ثـُمَّ انصرَفَ قافِلاً إلى المدينة، وكانَ في الطريق ماءٌ يَخْرُجُ من وَشَلٍ، ما يُروي الراكبَ والراكبين والثلاثة، بِوادٍ يُقالُ له وادي الْمُشَقَّقِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَبَقَنا إلى ذلكَ الوادي فلا يَسْتَقِيَنَّ منه شيئاً حتى نَأْتِيَهُ، قالَ: فَسَبَقَهُ إليه نَفَرٌ من المنافقين، فَاسْتَقَوْا ما فيه، فلمّا أتاهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عليه، فَلَمْ يَرَ فيه شيئاً، فقالَ: مَنْ سَبَقَنا إلى هذا الماء؟ فَقِيلَ له: يا رسولَ اللَّهِ، فُلانٌ وفُلان، فقالَ: أَوَلَمْ أَنْهَهُمْ أنْ يَسْتَقُوا منه شيئاً حتى آتِيَهُ، ثـُمَّ لَعَنَهُمْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ودَعا عليهم» رواه ابن هشام في سيرته. ففي هذا الحديث حرَّم الرسول صلى الله عليه وسلم شرب ذلك الماء القليل؛ لأنه يؤدي إلى ظمأ الجيش، فإنه قال: «مَنْ سَبَقَنا إلى ذلكَ الوادي فلا يَسْتَقِيَنَّ منه شيئاً حتى نَأْتِيَهُ»، ولعن الذين استقيا منه... مع أن الاستقاء من ذلك الماء في ذلك الوادي في حالات أخرى جائز، ولكن الاستقاء منه قبل حضور الرسول صلى الله عليه وسلم وتقسيمه بين الجيش يؤدي إلى حرمان الجيش، أي يؤدي إلى ضرر، فحرم الاستقاء من ذلك الوادي حتى يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان هناك ربطٌ بين الاستقاء قبل وصول الرسول صلى الله عليه وسلم وبين ظمأ الجيش الذي يلحق به ضرراً، فكأنَّه كان علة أو بمثابة العلة لعدم الاستقاء من ذلك الوادي في حالة كونه يؤدي إلى ضرر، لكن ظل الاستقاء مباحاً في غير تلك الحالة، وهذا قاد إلى صياغة حكم كلي بأن «كل فرد من أفراد المباح، إذا كان مؤديا  إلى ضرر حرم ذلك الفرد وظل الأمر مباحاً».

وهكذا، فقد مكّن هذا الترابط في الاستعمال اللغوي بين الحكم في النص وشيء آخر فيه، مكَّن هذا الترابط من صياغة أحكام كلية لأن الحكم الكلي يستنبط من النص الشرعي كاستنباط أي حكم شرعي سواء بسواء، سواء أكان من دليل واحد أم من أدلة عدة، إلا أن الدليل الذي يستنبط منه الحكم الكلي يجب أن يتضمن ترابطاً في النص ما بين الحكم وشيء آخر يتعلق به، وهذا ما نقول عنه إنه بمثابة العلة، أو يتضمن علة. وهذا هو الذي يجعله منطبقاً على جميع جزئياته،

والحكم الكلي ليس كالقياس دليلاً شرعياً، ولا أصلاً من أصول الشرع، وإنما هو حكم شرعي استنبط كسائر الأحكام الشرعية، فلا يكون دليلاً؛ كل ما هنالك أنه يستنبط من أدلة يوجد فيها ربط بين الحكم وبين شيء آخر في النص، كأنه علة.

والخلاصة: أن الاستعمال اللغوي في النص إذا كان يفيد ترابطاً بين الحكم وبين شيء آخر، بغير الاستعمالات اللغوية المفيدة للعلة، أي بغير الحالات الأربع للعلة، فإنه يقال عن هذا الترابط كأنه علة، أو بمثابة العلة.

أي إذا كان الاستعمال اللغوي يفيد الترابط،

وهذا الترابط بغير الاستعمالات اللغوية للعلة،

وأنه ليس محل قياس حكم جديد على حكم الأصل،

وإنما يصاغ منه حكم كلي تندرج تحته جزئيات...

فإن هذه الحالات تسمى "كأنها علة"، "بمثابة العلة".

 

 

السؤال السابع:

 

جاء في كتاب الدولة الإسلامية ص15 ما نصه: (ولذلك لم يكن إعلان الرسول صلى الله عليه وسلم للإسلام شيئاً جديداً على كفار مكة، وإنما كان الشيء الجديد ظهور هذه الكتلة المؤمنة. فقد أسلم حمزة بن عبدالمطلب ثم أسلم عمر بن الخطاب بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام فاشتد ساعد المسلمين ونزل على الرسول صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} فصدع بأمر الله، وأظهر التكتل علناً للناس جميعاً، وإن كان قد بقي بعض المسلمين مستخفين، ومنهم من بقي مستخفياً حتى فتح مكة، وكان أسلوب إظهار الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر هذا التكتل أنه خرج في أصحابه في صفين اثنين كان على رأس أحدهما حمزة بن عبدالمطلب، وعلى رأس الصف الثاني عمر بن الخطاب، وذهب بهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة في نظام دقيق لم تعهده العرب من قبل فطاف بهم الكعبة، وانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك في أصحابه من دور الاستخفاء إلى دور الإعلان)انتهى.

والسؤال أني قرأتُ ان إسلام عمر كان بعد الهجرة إلى الحبشة أي بعد السنة السادسة للبعثة وليس في السنة الثالثة وهو ما صحت فيه الروايات: 

روى عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أمه ليلى قالت: (كان عمر بن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا، فلما تهيأنا للخروج إلى أرض الحبشة أتى عمر بن الخطاب وأنا على بعيري وأنا أريد أن أتوجه، فقال: أين أم عبد الله؟ فقلت: آذيتمونا في ديننا، فنذهب في أرض الله حيث لا نؤذى، فقال: صحبكم الله، ثم ذهب، فجاء زوجي عامر بن ربيعة فأخبرته بما رأيت من رقة عمر، فقال: ترجين أن يسلم؟ والله ولا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب) [رواه الطبراني، وقال الهيثمي: وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فهو صحيح].

واستدل ابن كثير في البداية والنهاية على تأخر إسلام عمر بما رواه عبد الله بن عمر أنه رأى ما فعلت قريش بعمر عندما أسلم، فيقول ابن كثير: (وهذا إسناد جيد قوي وهو يدل على تأخر إسلام عمر لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أحد في سنة ثلاث من الهجرة وقد كان مميزاً يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين والله أعلم).

أما حديث خروج المسلمين في صفين والذي استدل به الكتاب فهو لم يثبت، وقد رواه أبو نعيم في الحية ولم يروه غيره، إلا أن ابن عساكر رواه في تاريخه بسند نازل أي بنفس السند الذي ورد في الحلية، وفيه أبان بن صالح ليس بالقوي، وعنه اسحق بن عبد الله الدمشقي وهو متروك كما ذكره صاحب الكنز.

وإذا صح ما تقدم، فهل يستدعي ذلك تصحيح ما في الكتاب؟

    

 

              

الجواب:

 

 لقد وردت في إسلام عمر روايات:

أ- أسلم عمر قبل هجرة الحبشة نحو أوائل السنة الثالثة "أو أواخر السنة الثانية"

ومن هذه الروايات:

- تاريخ الإسلام للذهبي حيث ورد فيه:

"فقال "أي عمر" ... فانطلق حمزة فأسلم، وخرجت بعده بثلاثة أيام، فإذا فلان المخزومي فقلت: أرغبت عن دين آبائك واتّبعت دين محمد - قال: إن فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقّاً منّي، قلت: ومن هو - قال: أختك وختنك، فانطلقت فوجدت همهمةً... وقلت: أين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت: فإنّه في دار الأرقم، فأتيت فضربت الباب، فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم - قالوا: عمر، قال: وعمر! افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فتشهّد عمر، فكبّر أهل الدّار تكبيرةً سمعها أهل المسجد..."

- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لمؤلفه محمد بن عبد الوهاب، حيث ورد فيه:

"وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال لعمر رضي الله عنه : « لم سميت الفاروق ؟ فقال: أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام. ثم شرح الله صدري للإسلام. وأول شيء سمعته من القرآن وَوَقَر في صدري: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } فما في الأرض نسمة أحب إليَّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسألت عنه فقيل لي: هو في دار الأرقم . فأتيت الدار - وحمزة في أصحابه جلوسًا في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت - فضربت الباب، فاستجمع القوم. فقال لهم حمزة : ما لكم ؟ فقالوا: عمر ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذ بمجامع ثيابي. ثم نترني نترة لم أتمالك أن وقعت على ركبتي. فقال: ما أنت بمنته يا عمر ؟ فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد...".

ومعروف أن إسلام حمزة رضي الله عنه كان في أواخر السنة الثانية أو أوائل السنة الثالثة، وقد ورد نحو ذلك في أسد الغابة، وما سبق يدل على أن عمر أسلم بعد حمزة بثلاثة أيام، أي أنه أسلم قبل هجرة الحبشة، وأن ذلك كان في أواخر السنة الثانية أو أوائل السنة الثالثة من البعثة.  

ب- أسلم عمر بعد هجرة الحبشة نحو السنة السادسة،

ومن هذه الروايات بالإضافة لما ذُكر في السؤال:

- الكامل في التاريخ: "وأسلم بعد هجرة المسلمين للحبشة، ثم ذكر قصة أم عبد الله زوج عامر ابن ربيعة: " إنا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر وهو على شركه حتى وقف علي، وكنا نلقى منه البلاء أذىً وشدة، فقال: أتنطلقون يا أم عبد الله ؟ قالت: قلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله، فقد آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة وحزناً. قالت: فلما عاد عامر أخبرته وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ! قال: أطمعت في إسلامه ؟ قلت: نعم. قال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب، لما كان يرى من غلظته وشدته على المسلمين، فهداه الله تعالى فأسلم فصار على الكفار أشد منه على المسلمين...".

وورد في تاريخ إسلام عمر نحو ذلك في أسد الغابة، الوافي بالوفيات، سمط النجوم...  

ج- أسلم بعد نحو أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة أو بعد تسعة وثلاثين رجلاً وعشرين امرأة...

ومن هذه الروايات:

- الكامل في التاريخ: "ثم أسلم عمر بعد تسعة وثلاثين رجلاً وثلاث وعشرين امرأة، وقيل أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة".

- أسد الغابة: "قال هلال بن يساف: أسلم عمر بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة، وقيل أسلم بعد تسعة وثلاثين رجلاً و عشرين امرأة، فكمل الرجال به أربعين رجلاً، وهكذا ورد عن ابن عباس...".

- الوافي بالوفيات: "ثم أسلم بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة".

- تاريخ الإسلام للذهبي: "عن الزهري أن عمر أسلم بعد أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وبعد أربعين أو نيف وأربعين من رجال ونساء".

د- ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة       

ومن هذه الروايات:

- الوافي بالوفيات: "ولد عمر رضي الله عنه بعد الفيل بثلاث عشرة سنة"

- أسد الغابة: "ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة".

هـ- عندما أسلم عمر كان عُمره ستاً وعشرين سنة

ومن هذه الروايات:

- تاريخ دمشق، حيث ورد فيه: "... وأسلم في ذي الحجة السنة السادسة من النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة ". 

* عند دراسة هذه الروايات نجد في كل منها بعض القول:

أ- فإذا أخذنا برواية أن عمر أسلم في السنة السادسة بعد هجرة الحبشة كما ذكر السؤال، وكما ذكر في بعض الروايات، فإن هذا يتناقض مع كونه أسلم بعد نحو أربعين رجلاً، وذلك لأن الذين هاجروا  للحبشة، كما في سيرة ابن هشام وغيرها، هم نحو "83" رجلاً ما عدا الأطفال والنساء، وكان من بينهم ليلى زوجة عامر بن ربيعة  صاحبة القصة مع عمر، وهؤلاء يكونون أسلموا قبل إسلام عمر، بالإضافة لمن بقي في مكة لم يهاجر، أي قد يكون المسلمون عند هجرة الحبشة فوق هذا العدد بكثير.

فضلاً عن أنه في قصة إسلام عمر التي رواها "الكامل في التاريخ" فيها كما ترى أن عمر عندما ذهب إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الذين لم يهاجروا كان عدد المسلمين في الدار نحو أربعين! هذا ما عدا الـ "83" الذين هاجروا أي أن المسلمين كانوا عندما أسلم عمر، حسب هذه الرواية فوق "120" رجلاً، وهذا يناقض أنه أسلم بعد نحو أربعين.  فقد ورد في الكامل:

"... قالت أم عبد الله بنت أبي حثمة، وكانت زوج عامر بن ربيعة، إنا لنرحل إلى أرض الحبشة، وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر وهو على شركه حتى وقف علي، وكنا نلقى منه البلاء أذىً وشدة، فقال: أتنطلقون يا أم عبد الله ؟ قالت: قلت: نعم والله لنخرجن في أرض الله، فقد آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله لنا فرجاً. قالت: فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة وحزناً. قالت: فلما عاد عامر أخبرته وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا ! قال: أطمعت في إسلامه ؟ قلت: نعم. قال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب، لما كان يرى من غلظته وشدته على المسلمين، فهداه الله تعالى فأسلم فصار على الكفار أشد منه على المسلمين.

وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت تحت سعيد بن زيد بن عمرو العدوي، وكانا مسلمين يخفيان إسلامهما من عمر، وكان نعيم بن عبد الله النحام قد أسلم أيضاً وهو يخفي إسلامه فرقاً من قومه، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة يقرئها القرآن، فخرج عمر يوماً ومعه سيفه يريد النبي، صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، وهم مجتمعون في دار الأرقم عند الصفا، وعنده من لم يهاجر من المسلمين في نحو أربعين رجلاً، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال: أين تريد يا عمر ؟ فقال: أريد محمداً الذي فرق أمر قريش وعاب دينها فأقتله. فقال نعيم: والله لقد غرتك نفسك، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمداً؟ أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ قال: وأي أهلي ؟ قال: ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة، فقد والله أسلما..."

ب- أما الأخذ برواية أن عمر قد أسلم قبل هجرة الحبشة فهي لا تتناقض مع كونه أسلم بعد نحو أربعين رجلاً لأن المسلمين في السنوات الأولى الثلاث كانوا نحو هذا العدد.

ج- وكذلك فإن عمر ولد بعد الفيل بنحو ثلاث عشرة سنة حسب الروايات أو نحوها، فإذا أسلم وهو ست وعشرون سنة أو نحوها، فلا يمكن بحال أن يكون عمره ستا وعشرين سنة في السنة السادسة للبعثة! لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل وبعث وهو في الأربعين، والسنة السادسة للبعثة تعني بعد الفيل بست وأربعين سنة، أي أن عمر قد يكون بلغ "46 - 13" = 33 سنة، ولو فرضنا أن ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وولادة عمر رضي الله عنه يختلفان ما بين آخر السنة وأولها، فينقص العمر نحو سنتين، أي يكون عمره 31 سنة، في حين أن الروايات أنه رضي الله عنه أسلم وعمره ست وعشرون سنة.

د- وأما الرواية التي أخذنا بها في كتابنا فهي أقرب إلى تطابق الروايات من أن عمر كان في السادسة والعشرين عندما أسلم، وبعد نحو أربعين رجلاً أسلموا قبله، أي في الثالثة من البعثة أو نحوها "آخر الثانية أو أوائل الثالثة".

هذا من حيث متى كان إسلام عمر رضي الله عنه، ومن حيث أن إسلامه قبل هجرة الحبشة لا يتناقض مع الأمور الأخرى.

* أما الخروج في صفين فلم يُذكر فقط في الحلية أو تاريخ ابن عساكر، كما ورد في السؤال، بل إن من المصادر التي ذكرت إسلام عمر بعد الهجرة قد ذكرت الصفين:

جاء في كتاب "سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي" بعد أن نقل عن ابن اسحق أن إسلام عمر كان بعد هجرة الحبشة، قال:

" ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يحبسك بأبي أنت وأمي؟! فوالله ما بقي مجلس جلست فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإسلام غير هائب ولا خائف، فخرج - عليه الصلاة والسلام - في صفين من أصحابه، عمر بن الخطاب في يمينهما، وحمزة بن عبد المطلب في يسارهما، حتى طاف بالبيت وصلى الظهر معلنا. ثم انصرف إلى دار الأرقم هو ومن معه أخرجه أبو القاسم الدمشقي في الأربعين الطوال."

وكذلك فإن من المصادر التي ذكرت إسلام عمر رضي الله عنه قبل الهجرة قد ذكرت الصفين: جاء في تاريخ الإسلام للذهبي بعد أن ذكر إسلام عمر رضي الله عنه بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام، وحمزة كان قد أسلم في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة، كما ذكرنا سابقاً، أي أن إسلام عمر رضي الله عنه كان قبل الهجرة في آخر الثانية أو أوائل الثالثة، بعد ذلك قال الذهبي: 

" فاستجمع القوم، فقال لهم حمزة: ما لكم - قالوا: عمر، قال: وعمر! افتحوا له الباب، فإن أقبل قبلنا منه، وإن أدبر قتلناه، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فتشهّد عمر، فكبّر أهل الدّار تكبيرةً سمعها أهل المسجد، قلت: يا رسول الله السنا على الحقّ - قال: بلى، فقلت: فيم الاختفاء، فخرجنا صفّين أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخلنا المسجد، فنظرت قريش إليّ وإلى حمزة، فأصابتهم كآبة شديدة، فسمّاني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق يومئذ وفرق بين الحقّ والباطل." وذُكر نحوه في مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهكذا فإن الخروج في صفين قد ذُكر في قصة إسلام عمررضي الله عنه بعد الهجرة وقبلها.

* أما الطريقة فهي لا تتأثر بأي سنة أسلم فيها عمر، لأن المرحلة السرّية، فضلاً  عن الروايات الواردة فيها  التي تفيد بأن الرسول  صلى الله عليه وسلمكان يختفي في دار الأرقم، أقول فضلاً عن هذه الروايات، فإن هناك دليلاً قاطعاً بأن  بداية الكتلة كانت سرّية، وهذا الدليل هو قوله تعالى: {فاصدع بما تؤمر}، ومفهومه يفيد أنّ الكتلة قبل نزول الآية كانت سرية، ومنطوقه يفيد أنها بعد نزول الآية أصبحت علنية.

ولذلك فالطريقة لا تتأثر بالسنة التي أسلم فيها عمر، فمراحل التكتل ثابتة بأدلة شرعية، ولا يؤثر فيها مدة المرحلة الأولى أهي كذا أم كذا.

* ولذلك فلا داعي لتغيير ما في الكتاب، ويكفي هذا الجواب في هذه المسألة.

 

 

 

 السؤال الثامن:

 

1- ورد في كتاب الدولة صفحة (46) وفي الأموال صفحة (35) روايتان مختلفتان عن سرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه:

ففي الأولى من كتاب الدولة ذُكر: "... سرية عبد الله بن جحش التي كانت مقدمة لغزوة بدر. وحديث هذه السرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في رجب من السنة الثانية للهجرة، عبد الله بن جحش ومعه جماعة من المهاجرين..."

 وفي الثانية من كتاب الأموال ذُكر: "... غنيمة سرية عبد الله بن جحش. وكانت بعض إبل لقريش محملة أدما وتجارة، أصابتها في جمادى الآخرة من السنة الثانية من الهجرة...."

أي رواية تقول في رجب، وأخرى تقول في جمادي الآخرة، فما تفسير هذا الاختلاف؟

2- وكذلك فقد ورد في كتاب الدولة صفحة (107) "ولما رجع المسلمون من مؤتة وقد قُتل منهم خلق كثير..."، فكيف ذلك؟ وقد قرأت في بعض الروايات أن الشهداء كانوا اثني عشر رجلاً، أرجو التوضيح؟ وجزاكم الله خيرا.    

 

 

الجواب:

 

1- بالنسبة لسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، فقد ورد فيها روايتان:

الأولى: أن القصة حدثت في الشك بين آخر يوم من جمادى الآخرة وأول يوم من رجب، فظن المسلمون أنها في آخر يوم من جمادى الآخرة، أي ليست في الشهر الحرام، وقال كفار قريش إنها في أول يوم من رجب أي في الشهر الحرام.

ومن الروايات في ذلك:

(قَالَ السُّدِّيّ عَنْ أَبِي مَالِك وَعَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود " يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير " الْآيَة . وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ سَرِيَّة وَكَانُوا سَبْعَة نَفَر عَلَيْهِمْ عَبْد اللَّه بْن جَحْش الْأَسَدِيّ....الى ان قال: وَسَارَ اِبْن جَحْش إِلَى بَطْن نَخْلَة فَإِذَا هُوَ بِالْحَكَمِ بْن كَيْسَان وَعُثْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة وَانْفَلَتَ وَقُتِلَ عَمْرو قَتَلَهُ وَاقِد بْن عَبْد اللَّه فَكَانَتْ أَوَّل غَنِيمَة غَنِمَهَا أَصْحَاب رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَة بِأَسِيرَيْنِ وَمَا أَصَابُوا مِنْ الْمَال أَرَادَ أَهْل مَكَّة أَنْ يُفَادُوا الْأَسِيرَيْنِ عَلَيْهِ وَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا يَزْعُم أَنَّهُ يَتْبَع طَاعَة اللَّه وَهُوَ أَوَّل مَنْ اِسْتَحَلَّ الشَّهْر الْحَرَام وَقَتَلَ صَاحِبنَا فِي رَجَب فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ إِنَّمَا قَتَلْنَاهُ فِي جُمَادَى الآخرة... وَأَغْمَدَ الْمُسْلِمُونَ سُيُوفهمْ حِين دَخَلَ شَهْر رَجَب، وَأَنْزَلَ اللَّه يُعَيِّر أَهْل مَكَّة " يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ"...)

الثانية: أن القصة حدثت في الشك بين آخر يوم من رجب وأول يوم من شعبان...

ومن الروايات في ذلك:

( قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن السَّائِب الْكَلْبِيّ عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَ فِيمَا كَانَ مِنْ مُصَاب عَمْرو بْن الْحَضْرَمِيّ " يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ " إِلَى آخِر الْآيَة . وَقَالَ عَبْد الْمَلِك بْن هِشَام رَاوِي السِّيرَة عَنْ زِيَاد بْن عَبْد اللَّه الْبِكَائِيّ عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق بْن يَسَار الْمَدَنِيّ رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَاب السِّيرَة لَهُ إِنَّهُ قَالَ : وَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن جَحْش بْن رَبَاب الْأَسَدِيّ فِي رَجَب مَقْفَله مِنْ بَدْر الْأُولَى وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَة رَهْط مِنْ الْمُهَاجِرِينَ... إلى أن قال: وَمَضَى عَبْد اللَّه بْن جَحْش وَبَقِيَّة أَصْحَابه حَتَّى نَزَلَ نَخْلَة فَمَرَّتْ بِهِ عِير لِقُرَيْشٍ تَحْمِل زَيْتًا وَأُدْمًا وَتِجَارَة مِنْ تِجَارَة قُرَيْش فِيهَا عَمْرو بْن الْحَضْرَمِيّ وَاسْم الْحَضْرَمِيّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاد أَحَد الصَّدَف وَعُثْمَان بْن عَبْد اللَّه بْن الْمُغِيرَة وَأَخُوهُ نَوْفَل بْن عَبْد اللَّه الْمَخْزُومِيَّانِ وَالْحَكَم بْن كَيْسَان مَوْلَى هِشَام بْن الْمُغِيرَة فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْم هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكَّاشَة بْن مُحْصِن وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسه فَلَمَّا رَأَوْهُ آمَنُوا وَقَالُوا : عَمَّار لَا بَأْس عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَتَشَاوَرَ الْقَوْم فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِر يَوْم مِنْ رَجَب فَقَالَ الْقَوْم وَاَللَّه لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْم هَذِهِ اللَّيْلَة لَيَدْخُلَنَّ الْحُرُم فَلْيَمْتَنِعَنَّ مِنْكُمْ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلَنَّهُمْ فِي الشَّهْر الْحَرَام فَتَرَدَّدَ الْقَوْم وَهَابُوا الْإِقْدَام عَلَيْهِمْ ثُمَّ شَجَّعُوا أَنْفُسهمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا قَتْل مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخْذ مَا مَعَهُمْ فَرَمَى وَاقِد بْن عَبْد اللَّه التَّمِيمِيّ عَمْرو بْن الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَان بْن عَبْد اللَّه وَالْحَكَم بْن كَيْسَان وَأَفْلَتَ الْقَوْم نَوْفَل بْن عَبْد اللَّه فَأَعْجَزَهُمْ وَأَقْبَلَ عَبْد اللَّه بْن جَحْش وَأَصْحَابه بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَة... إلى أن قال: وَقَالَتْ قُرَيْش قَدْ اِسْتَحَلَّ مُحَمَّد وَأَصْحَابه الشَّهْر الْحَرَام وَسَفَكُوا فِيهِ الدَّم وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَال وَأَسَرُوا فِيهِ الرِّجَال فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ كَانَ بِمَكَّة إِنَّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَان... فَلَمَّا أَكْثَر النَّاس فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْر الْحَرَام قِتَال فِيهِ قُلْ قِتَال فِيهِ كَبِير...)

وكما ترى فإن إحدى الروايتين في آخر يوم من جمادى الآخرة، والأخرى في آخر يوم من رجب.

ونحن قد أخذنا بإحداهما في الأموال، وبالأخرى في الدولة.

2-  ما ورد في كتاب الدولة ص107:

(ولما رجع المسلمون من مؤتة وقد قتل منهم خلق كثير....)، فقد اطلعت على بعض المصادر فوجدت أكثرها لا تذكر عدد الشهداء، ووجدت بعضها يذكر أنهم اثنا عشر رجلا، فإن صح هذا فهو يعني أن ما ورد في الدولة غير دقيق، إلا أنني وجدت في البداية والنهاية لابن كثير عند الحديث عن غزوة أحد في الجزء السادس، عند ذكر عدد الشهداء، ما يلي:

 " قال موسى بن عقبة جميع من استشهد يوم أحد من المهاجرين والانصار تسعة وأربعون رجلا وقد ثبت في الحديث الصحيح عند البخاري عن البراء أنهم قتلوا من المسلمين سبعين رجلا فالله أعلم.


وقال قتادة عن أنس قتل من الانصار يوم أحد سبعون ويوم بئر معونة سبعون ويوم اليمامة سبعون.


وقال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أنه كان يقول قارب السبعين يوم أحد ويوم بئر معونة ويوم مؤتة ويوم اليمامة"

 وعليه فإن هناك روايات بأن عدد الشهداء في مؤتة هم اثنا عشر، وهناك روايات أخرى بأن عدد الشهداء نحو السبعين. وهذا يعني أن ما هو مذكور في الدولة له وجه، وبخاصة وأنه (عقلاً) يتوقع المرء أن الشهداء أعداد كثيرة، وذلك لأن عدد الجيش الإسلامي نحو ثلاثة آلاف، وجيش الأعداء نحو مئتي ألف... بالإضافة إلى أن قادة الجيش الثلاثة قد استشهدوا، وبخاصة وهم الذين كانوا يحملون الراية، ويندفع الجيش بكثافة عادة في الحروب القديمة للقتال حول الراية.. فهو يدل وفق واقع الحروب القديمة أن أعداداً كثيرة من الجيش قد استشهدوا...

وإن تأكد لي غير ذلك مما يستوجب تصحيحاً فسأفعل إن شاء الله.       

      


 

السؤال التاسع:

 

لقد لاحظت في بعض خطاباتنا وخطابات الآخرين القول عن المسجد الأقصى بأنه ثالث الحرمين الشريفين، فهل يجوز ذلك مع أنه يختلف عن الحرمين في الأحكام الشرعية؟ 

 

 

الجواب:

 

إن ضم عدد ترتيبي لآخر جائز إن كان العدد المضموم من الجنس نفسه للعدد الأصلي، سواء أكان ذلك على الحقيقة أم على المجاز بقرينة واضحة، ولا ينكر ذلك إلا من ينكر المجاز في اللغة.

والصواب أن هذا القول جائز لأن المسجد الأقصى ذو علاقة مهمة بالحرمين الشريفين، فأنت تقول عن فلان الشجاع الجريء إنه أسد، وهو ليس أسداً على الحقيقة، ونحن لا نريد هنا أن نخوض في بحث المجاز فهو موجود في اللغة وفي القرآن بشكل واضح.

وقد ورد في القرآن الكريم {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ... } وكما ترى فالله سبحانه يقول (ثَانِيَ اثْنَيْنِ) عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وأبو بكر ليس رسولاً، وإنما ضُمَّ أبو بكر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلاقة التقوى والصدق والأعمال الصالحة... ونحوها.

وأزيدك توضيحاً فإن صلاح الدين رحمه الله عندما حرر القدس من دنس الصليبيين، كلف القاضي محي الدين بن زكي الدين بأول خطبة جمعة بعد تحرير القدس... وقد قال فيها عن المسجد الأقصى ما يلي: " ... وهو أول القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين، لا تشد الرحال بعد المسجدين إلا إليه، ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه..." انظر خطبته رحمه الله في وفيات الأعيان الجزء الرابع صفحة 232 إلى 236 ...

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع