الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

 جواب سؤال

 الإكراه الملجئ وحرمة التبرع بالقلب

إلى Saleem Eshaq

 

السؤال:

 

السلام عليكم شيخنا ورحمة الله وبركاته،

 

من مقاصد الشريعة المحافظة على النفس، والمقاصد لا تعني علة الأحكام ككل ولا علة الحكم الواحد. وفي الشرع قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، والحق أنها خاصة في موضوع الأكل والشراب للبقاء على حياة الناس عند حصول المجاعات المهلكة.

 

والإكراه الملجئ يبيح التلفظ بكلمة الكفر إذا أخذ جزء المال أو النفس أو بتر جزء من الجسم أو التهديد واللواط أو الزنا في المحارم.

 

والسؤال في ظل هذا الفهم هل يجوز لشخص قال له الأطباء إنه بحاجة لزراعة قلب وإلا بغلبة الظن أنه سيموت، مع العلم أن التبرع بالقلب بعد الوفاة حرام، وكذلك أخذ العضو المتبرع به غير التبرع؟

أفيدوني جزاكم الله خيرا.

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

واضح من سؤالك أنك مطلع على موضوع المقاصد والضرورات والإكراه الملجئ وحرمة التبرع بالقلب بعد الوفاة... ومع ذلك فأنت تسأل عن حكم زراعة القلب لشخص غلب على ظن الأطباء موته إن لم يزرع له قلب، وتشير إلى الفرق بين التبرع بالعضو وبين أخذ العضو المتبرع به...

 

أولاً: قبل الإجابة على تساؤلك فإني أثبت لك بعض ما جاء في جواب سؤال أصدرناه في 23 ربيع الآخر 1440هـ الموافق 2018/12/30م حول موضوع نقل الأعضاء:

 

[...بالنسبة لسؤالك عن نقل الأعضاء فواضح أنك اطلعت على الأدلة التي تدل على حرمة نقل الأعضاء من الشخص الذي مات وهو معصوم الدم إلى الحي وفق ما هو مبين في كتيب الاستنساخ، وقد وقع الاستدلال في الكتيب بأمرين على حرمة نقل الأعضاء من الميت إلى الحي وهما:

 

1- أنه لا يملك أحد جسم الميت بعد موته، فلا الميت له سلطان على جسمه بعد موته، ولا الورثة لهم سلطان على جسم الميت بعد موته، وذلك كما دلت الأدلة الشرعية... وعليه فلا يملك الميت ولا الورثة أن يتبرعوا بعضو من جسم الميت لأنه غير واقع في ملكهم ولا سلطان لهم عليه...

 

2- أنه لا يجوز التعدي على الميت وإيذاؤه، وكذلك لا يجوز التمثيل به... وذلك كما يلي:

 

أ- بالنسبة لحرمة التعدي والإيذاء فقد وردت أحاديث "تدل دلالة واضحة على أن للميت حرمة الحي، كما تدل على أن التعدي على حرمة الميت وإيذاءه، مثل التعدي على حرمة الحي وإيذائه، فكما لا يجوز التعدي على الحي بشق بطنه، أو قطع عنقه، أو قلع عينه، أو كسر عظمه، فكذلك لا يجوز التعدي على الميت بشق بطنه، أو قطع عنقه، أو قلع عينه، أو كسر عظمه. وكما يحرم إيذاء الحي بشتم، أو ضرب، أو جرح، فكذلك يحرم إيذاء الميت بسب، أو ضرب، أو جرح..."، ومن هذه الأحاديث:

 

- عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيّاً» رواه أحمد وأبو داود وابن حبان.

 

- روى أحمد عن طريق عمرو بن حزم الأنصاري قال: رآني رسول الله ﷺ وأنا متكئ على قبر فقال: «لَا تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ».

 

- روى مسلم وأحمد من طريق أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ مُتَحَرِّقَةٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ».

 

ب- بالنسبة للتمثيل بالميت فإن "قلع عين الميت، أو شق بطنه لأخذ قلبه أو كليته أو كبده أو رئتيه، لنقلها لشخص آخر هو في حاجة إليها، يعتبر تمثيلاً بالميت، والإسلام نهى عن المُثْلَة":

 

- روى البخاري عن عبد الله بن زيد الأنصاري قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَة»

 

- روى أحمد وابن ماجه والنسائي عن صفوان بن عسال قال: بعثنا رسول الله ﷺ في سرية فقال: «سِيرُوا بِاسْمِ اللهِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَغْدُرُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيداً».

 

وبناء على الأدلة المذكورة في الأعلى فإنه يظهر بكل وضوح أن نقل عضو من شخص مات وهو معصوم الدم إلى حي حرام شرعاً...] انتهى النقل من جواب السؤال السابق.

 

وكذلك أنقل لك ما جاء في كتيب الاستنساخ عن نقل الأعضاء في حالة الاضطرار:

 

[...حالة الاضطرار هي الحالة التي أباح الله فيها للمضطر الذي فقد الزاد، وأصبحت حياته مهددة بالموت، أن يأكل مما يجده من المطعومات التي حرم الله أكلها، كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، وغير ذلك. فهل في هذه الحالة يُباح نقل عضو من أعضاء الميت لإنقاذ حياة شخص آخر، يتوقف بقاء حياته على نقل العضو إليه؟

وللجواب على ذلك لا بدّ من معرفة حكم الاضطرار لنتوصل إلى معرفة حكم نقل الأعضاء من شخص انتهت حياته، إلى شخص آخر في حاجة إليها.

  • أما حكم الاضطرار، فإن الله سبحانه وتعالى قد أباح للمضطر الذي فقد الزاد، وأصبحت حياته مهددة بالموت، أن يأكل ما يجده من المطعومات التي حرّم الله أكلها، حتى يحفظ حياته، كالميتة، والدم، والخنزير، وغير ذلك من كل مطعوم حرم الله أكله. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾. فللمضطر أن يأكل مما يجده من هذه المطعومات المحرمة ما يسدّ رمقه، ويبقي حياته، فإن لم يأكل منها ومات، يَكُنْ آثماً، ويَكُنْ قاتلاً لنفسه، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾.
  • وبناءً على ما تقدم من حكم الاضطرار، فهل يمكن أن يطبق هذا الحكم على حالة نقل الأعضاء من شخص انتهت حياته إلى شخص آخر محتاج إليها لإنقاذ حياته بطريق القياس؟
  • والجواب على ذلك فيه نظر، إذ إن شرط تطبيق حكم القياس في هذه المسألة، يقتضي أن تكون العلة الموجودة في الفرع المقيس - الذي هو حالة نقل الأعضاء - مشاركة لعلة الأصل المقيس عليه - الذي هو حالة الاضطرار لمن فقد الزاد - إما في عينها، وإما في جنسها، لأنّ القياس إنّما هو تعدية حكم الأصل إلى الفرع، بوساطة علة الأصل، فإذا لم تكن علة الفرع مشاركة لها في صفة عمومها، ولا في صفة خصوصها، لم تكن علة الأصل موجودة في الفرع، وبذلك لا يمكن تعدية حكم الأصل إلى الفرع.
  • وهنا بالنسبة لحالة نقل الأعضاء، فإن هذه الأعضاء المنقولة، إما أن تكون من الأعضاء التي يتوقف عليها إنقاذ الحياة بغلبة الظن، كالقلب، والكبد، والكليتين، والرئتين، وإما أن تكون من الأعضاء التي لا يتوقف عليها إنقاذ الحياة، كالعين، والكلية الثانية لمن عنده كلية صحيحة، واليد، والرجل، وأمثالها.
  • أما الأعضاء التي لا يتوقف على نقلها إنقاذ الحياة، والتي لا يؤدي فقدها إلى موت الإنسان فإن علة الأصل، والتي هي إنقاذ الحياة غير موجودة فيها، وبالتالي لا ينطبق حكم الاضطرار عليها. وبناءً على ذلك لا يجوز شرعاً نقل العين، أو الكلية لمن عنده كلية صحيحة، أو اليد، أو الرجل من شخص انتهت حياته إلى شخص آخر محتاج إليها.
  • وأما الأعضاء التي يتوقف على نقلها إنقاذ حياة الإنسان بغلبة الظن، ففيها ناحيتان:

الأولى: أن العلة الموجودة فيها - والتي هي إنقاذ الحياة وإبقاؤها - غير متأكدة الحصول، كما هي في حالة الاضطرار، لأنّ أكل المضطر لما حرّم الله أكله من المطعومات يؤدي حتماً إلى إنقاذ حياته، غير أن نقل القلب، أو الكبد، أو الرئتين، أو الكليتين، لا يؤدي حتماً إلى إنقاذ حياة من نقلت هذه الأعضاء إليه، فقد يحصل الإنقاذ، وقد لا يحصل. والوقائع الكثيرة التي حصلت مع من نُقلت إليهم هذه الأعضاء تثبت ذلك. ولهذا فالعلة غير مكتملة.

 

أما الناحية الثانية، فتتعلق بشرط آخر من شروط الفرع في القياس، وهو أن يكون الفرع خالياً من تعارض راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علّة القياس. وهنا في الفرع - وهو حالة نقل الأعضاء - وقد ورد نص راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علّة القياس، وهو تحريم الاعتداء على حرمة الميت أو إيذائه أو التمثيل به، وهذا النص الراجح، هو نقيض ما اقتضته علّة نقل الأعضاء من الجواز.

 

  • وبناءً على هاتين الناحيتين، فإنه لا يجوز نقل الأعضاء التي يتوقف على نقلها إنقاذ الحياة، كالقلب، والكبد، والكليتين، والرئتين، من شخص فقد الحياة، وهو معصوم الدم، مسلماً كان أو ذمياً أو معاهداً أم مستأمناً، إلى شخص آخر تتوقف حياته على نقل هذه الأعضاء إليه] انتهى النقل من كتيب الاستنساخ.

ثانياً: واضح من المذكور في البند "أولاً" أن نقل القلب (ومثله سائر الأعضاء التي يتوقف على نقلها إنقاذ الحياة، كالكبد، والكليتين، والرئتين) من معصوم الدم حرام شرعاً، وهذا يعني أن تبرع معصوم الدم بقلبه لغيره لا يجوز، ويعني كذلك أن أخذ القلب المتبرع به من معصوم الدم لا يجوز لأن معنى التعدي المحرم قائم أيضاً عند أخذ قلب معصوم الدم المتبرع به، فالمحرم في موضوع نقل القلب ليس فقط تبرع معصوم الدم أو وليه بقلبه، بل أخذ قلب معصوم الدم المتبرع به وزرعه في جسم شخص آخر هو حرام أيضاً لأن معنى التعدي على جسم الميت حاصل في حالة التبرع أي في حالة انتزاع قلب معصوم الدم من جسمه، وحاصل عند وضع قلب معصوم الدم في جسم شخص آخر، والواجب في مثل هذه الحالة أي في حالة انتزاع عضو من جسم الميت المعصوم الدم هو دفن العضو المنتزع من جسم المتبرع المعصوم الدم لا استعماله لمعالجة شخص آخر، فقد أخرج أبو داود من طريق عائشة رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيّاً». وجاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود: قال السيوطي في بيان سبب الحديث، عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله ﷺ في جنازة فجلس النبيﷺ على شفير القبر وجلسنا معه، فأخرج الحفار عظماً ساقاً أو عضداً فذهب ليكسره، فقال النبي ﷺ: «لَا تَكْسِرْهَا فَإِنَّ كَسْرَكَ إِيَّاهُ مَيِّتاً كَكَسْرِكَ إِيَّاهُ حَيّاً، وَلَكِنْ دُسَّهُ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ»، فالرسولﷺ أمر وفق هذه الرواية بإعادة دفن عظم الميت ويفهم منه أن عضو الميت المنفصل عنه يجب دفنه.

 

والخلاصة هي أنه لا يجوز أخذ العضو الذي تتوقف الحياة عليه كالقلب من الحي معصوم الدم، وكذلك لا يجوز التبرع به حتى وإن كان لإنقاذ آخر... وأيضاً لا تجوز الوصية بأخذه بعد الوفاة لأن الشخص لا يملك جسمه بعد وفاته، وكذلك لا يملك الورثة إلا نصيبهم من المال، ولكن لا يملكون جسم المتوفى، ومن ثم لا يستطيعون التبرع بأي جزء من جسد المتوفى لأنه عدوان عليه وحرام.

 

آمل أن يكون هذا التوضيح كافياً، والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

11 جمادى الأولى 1442هـ

الموافق 2020/12/26م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع