الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
أجوبة أسئلة: تساؤلات حول أصول الفقه

بسم الله الرحمن الرحيم

 (سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

أجوبة أسئلة:

تساؤلات حول أصول الفقه

إلى محمد عياد

 

 

الأسئلة:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شيخنا الجليل أعانكم الله وأجرى الخير على أيديكم

 

الموضوع: تساؤلات حول أصول الفقه

بداية أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم في هذه التساؤلات وخصوصاً ونحن نعلم حجم الأعباء التي تقومون بها، وحجم المسؤوليات التي أخذتم على عاتقكم الاضطلاع بها، أعانكم الله وسدد خطاكم وكحل عيوننا وعيونكم بتطبيق شرع الله بدولة الخلافة الثانية.

 

أما عن الأسئلة فهي على النحو التالي:

 

1. قرأت في أبحاث متعددة أنه يوجد أكثر من طريقة للأصوليين كالمتكلمين، وطريقة الفقهاء، والاستقراء الكلي، وتخريج الفروع على الأصول ...، فما حقيقة هذه الطرق، وهل نحن قريبون من إحداهن أم لنا لون خاص في أصولنا.

 

2. ورد في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث صفحة 11 ما نصه "أما الفقه فهو في اللغة الفهم، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا نَفقَهُ كَثيِراً مِمَا تَقُول﴾ وفي اصطلاح المتشرعين هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية. والمراد من العلم بالأحكام، بالنسبة للعالم بها، ليس مجرد المعرفة، بل حصول الملكة بالأحكام الشرعية، أي أن تصل هذه المعرفة، والتعمق فيها، إلى حد أن تحصل لدى الشخص العالم بهذه الأحكام ملكة بها. ومجرد حصول الملكة كاف لأن يعتبر من حصلت له الملكة فقيهاً، لا الإحاطة بها جميعها. إلا أنه لا بد من العلم بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال" فهل مصطلح الملكة له أصل لغوي أو شرعي، أم هو مصطلح اتفق عليه الأصوليون، وهل هي فطرية تولد مع الإنسان أو مكتسبة، أم لها مقومات فطرية ولكن تتحصل بالتعمق وطول الممارسة، أم غير ذلك؟

 

3. ورد في الكتاب نفسه صفحة 42 قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" استكمالاً لموضوع الواجب، ثم ورد في الكتاب نفسه صفحة 444 موضوع القواعد الكلية وأنها لا تعتبر أدلة، وإنما هي أحكام شرعية مستنبطة من الأدلة التفصيلية، فأشكل علي هل هذه القاعدة وقاعدة "الوسيلة إلى الحرام محرمة" من الأصول أم من الفقه؟

 

بارك الله فيكم وجزاكم عنا وعن المسلمين كل خير

 

الأجوبة:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

(إن رسالتك تتضمن ثلاثة أسئلة، وكل سؤال منها مستقل بذاته، ونحن نجيب عليها بإيجاز إن شاء الله:

 

جواب السؤال الأول:

 

من المعلوم أن الإمام الشافعي هو مؤسس علم أصول الفقه وأنه أول من أفرده بالتصنيف، ثم تتابعت بعد ذلك التصانيف في علم الأصول... وقد اتبع علماء الأصول في كتابة تصانيفهم أنماطاً متعددة منها ما يلي:

 

1- يوجد علماء راعوا في وضع مباحث الأصول وقواعده الناحية الأصولية الفكرية أي لم يلتفتوا إلى الفروع الفقهية في المذهب الذي يتبعونه بل أخذوا بالقواعد والضوابط التي ترجح عندهم صحتها بناء على مناقشة الأدلة الدالة عليها، ولذلك كانت كتبهم مليئة بالاستدلالات والنقاش حول المباحث الأصولية، ولكنها شحيحة بالفروع الفقهية... وسمي هذا النمط في التأليف طريقة الشافعية أو طريقة المتكلمين...

 

ويكثر في هذه الطريقة أسلوب الفنقلة، أي: "فإن قلت ... قلنا" على طريقة علماء الكلام، وتقل فيها الفروع الفقهية، وهي في الواقع أقرب إلى حقيقة وضع المبادئ والقواعد والأصول التي تعتبر أساسًا، لتأتي الفروع، على منوالها، فالأصول حاكمة على الفروع، وهي دعامة الفقه والاستنباط، وهذا الأسلوب أبعدَ الناسَ عن التعصب لفرع فقهي أو حكم مذهبي.

 

ومن الكتب التي ألفت في هذه الطريقة:

- كانت الرسالة للإمام الشافعي أول كتاب على هذه الطريقة، ثم ظهرت كتب كثيرة على منوالها، أهمها:

- البرهان، لإمام الحرمين، أبي المعالي، عبد الملك بن عبد الله الجويني النيسابوري الشافعي، المتوفى سنة 478 هـ.

- المستصفى، للغزالي، أبي حامد حجة الإسلام، محمد بن محمد الغزالي الشافعي، المتوفى سنة 505 هـ.

- الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، سيف الدين أبي الحسن، علي بن أبي علي محمد الشافعي، المتوفى سنة 631 هـ.

 

2- طريقة الفقهاء أو الحنفية:

يوجد علماء راعوا في وضع مباحث الأصول وقواعده ما تدل عليه فروع مذهبهم الذي يتبعونه، فهم لم يبحثوا في القواعد والضوابط بحثاً مجرداً للحكم عليها بعد مناقشة الأدلة الدالة عليها، بل وصلوا إلى القواعد والضوابط من خلال دراسة فروع مذهبهم، وجعلوا القواعد وفق ما تقول به فروع المذهب وبما يتطابق معها... وسمي هذا النمط في التأليف طريقة الحنفية أو طريقة الفقهاء...

 

وهي طريقة متأثرة بالفروع، وتتجه لخدمتها، وإثبات سلامة الاجتهاد فيها، وتمتاز هذه الطريقة بأخذ القواعد الأصولية من الفروع والأحكام التي وضعها أئمة المذهب الحنفي، ويفترضون أنهم راعَوْا هذه القواعد عند الاجتهاد والاستنباط، والسبب في اللجوء إلى هذه الطريقة أن علماء الحنفية لم يعثروا على كتب في الأصول من وضع أئمتهم، كما عثر علماء الشافعية في "الرسالة"، فبحثوا عن القواعد الأصولية في الفروع الفقهية باعتبار أنها لا بد أن تكون قائمة على أساس صحيح.

 

ومن الكتب التي ألفت في هذه الطريقة:

- كتاب الأصول، للإمام الكرخي، أبي الحسن، عبيد الله بن الحسين، المتوفى سنة 340 هـ.

- كتاب الأصول للجصاص، أبي بكر، أحمد بن علي الرازي، المعروف بالجصاص، المتوفى سنة 370 هـ،

- كتاب الأصول، للسرخسي، شمس الأئمة محمد بن أحمد، المتوفى في حدود الخمسمائة، أي سنة 490 هـ تقريبًا، وهو صاحب المبسوط في الفقه.

 

3- طريقة الجمع بين المتكلمين والفقهاء:

وفي القرن السابع الهجري بدأت تظهر طريقة ثالثة تجمع بين المنهجين المتقدمين: منهج المتكلمين، ومنهج الفقهاء، بحيث تذكر القاعدة الأصولية وتقيم الأدلة عليها، وتقارن بين ما قاله المتكلمون وما قاله الفقهاء، مع المناقشة والترجيح، ثم تذكر بعض الفروع المخرجة عليها.

 

ومن أشهر الكتب التي ألفت على هذا المنهج:

 - "جمع الجوامع" لتاج الدين: عبد الوهاب بن علي السبكي المتوفى سنة "771هـ".

- "التحرير" تأليف: كمال الدين: محمد بن عبد الواحد، المشهور بابن الهمام الفقيه الحنفي المتوفى سنة "861هـ".

 

4- اتجاه تخريج الفروع على الأصول:

وبجانب الاتجاهات المتقدمة، ظهر اتجاه رابع يسمى اتجاه "تخريج الفروع على الأصول" بحيث يذكر القاعدة الأصولية، وآراء العلماء فيها، دون الخوض في أدلة كل مذهب، ثم يفرع عليها بعض الفروع الفقهية، إما على مذهب معين، وإما مع المقارنة بين مذهبين مختلفين، كالحنفية والشافعية - مثلا - أو الشافعية والمالكية والحنابلة وهكذا.

 

ومن الكتب التي ألفت في هذا الاتجاه:

- "تخريج الفروع على الأصول" للإمام شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفى سنة "656هـ".

يذكر القاعدة الأصولية، ثم يتبعها بتطبيقات فقهية على مذهب الحنفية والشافعية.

 

- "التمهيد في تخريج الفروع على الأصول" للإمام جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن القرشي الإسنوي الشافعي المتوفى سنة "772هـ".

ويعتبر من أهم الكتب التي ألفت على هذا المنهج، حيث استوعب القواعد الأصولية، إلا أنه قصر التخريج على الشافعية فقط.

 

5- اتجاه بناء القواعد الأصولية على مقاصد الشريعة التي لها سند من الشرع:

وهذه الطريقة اعتمدها الإمام الشاطبي: أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة "790هـ" وذلك في كتابه المشهور المسمى "الموافقات". لقد سلك الشاطبي في كتابه هذا مسلكًا جديدًا لم يسبق إليه، بحيث يذكر القواعد الأصولية تحت أبواب معينة تتضمن مقاصد الشريعة الإسلامية ومراميها المختلفة، والتي تتضمن حفظ الضروريات، والحاجيات والتحسينيات.

 

وهكذا فقد نهج الإمام الشاطبي نهجاً مختلفاً في كتابه "الموافقات" حيث اعتمد بقوة على الاستقراء الكلي فقد جاء في خطبة كتاب الموافقات عن كتابه ما يلي: (لَمْ أَزَلْ أُقَيِّدُ مِنْ أَوَابِدِهِ، وَأَضُمُّ مِنْ شَوَارِدِهِ تَفَاصِيلَ وجُملا، وَأَسُوقُ مِنْ شَوَاهِدِهِ فِي مَصَادِرِ الحُكم وَمَوَارِدِهِ مُبَيِّنًا لَا مُجْمِلًا، مُعْتَمِدًا عَلَى الِاسْتِقْرَاءَاتِ الْكُلِّيَّةِ، غَيْرَ مُقْتَصِرٍ عَلَى الْأَفْرَادِ الْجُزْئِيَّةِ) والمقصود بالاستقراء الكلي هنا هو تتبع الأحكام الشرعية في القضية الواحدة ليخرج من هذا التتبع بحكم كلي على القضية التي استقراها...

 

 هذا هو على نحو مبسط موجز عن معنى المصطلحات التي وردت في سؤالك حول طرائق تصنيف كتب أصول الفقه...

 

  • أما كتاب الحزب في أصول الفقه: "الشخصية الإسلامية الجزء الثالث" فهو قد ركز على الأبحاث الأصولية التشريعية على النحو التالي:

أ- أنه حرص على الاهتمام بالمباحث ذات الصلة بالنواحي التشريعية بعيداً عن النواحي النظرية الصرفة، فلم يتعرض لقضايا ليست أساسية  في مباحث أصول الفقه وفي الاستدلال كمبحث "شكر المنعم واجب بالشرع أم بالعقل" ونحوه... وإذا تعرض لمسائل ليست تابعة للأصول من حيث الاستدلال كبحثه موضوع "الحسن والقبح" في باب "الحاكم" فإنما فعله لما وجد من فائدة تشريعية في التعرض لمثل هذه المسائل لأنها تنير واقع الأشياء فتيسر الحكم عليها، وذلك لأن موضوع هذا الحكم هو الحسن والقبح؛ والمقصود من إصدار الحكم هو تعيين موقف الإنسان تجاه الفعل، وتعيين موقفه هذا متوقف على نظرته للشيء، هل هو حسن، أو قبيح؟ ولهذا تعرض لهذه المسألة...

 

ب- أنه لم يوغل في البحث المنطقي للقضايا التي تعرض لها ولم يفرع عليها تفريعات غير مفيدة، بل اقتصر على البحث التشريعي والاستدلالات التشريعية المنضبطة...

 

ج- أنه اعتمد استدلالات تشريعية ولغوية وعقلية واضحة ومفهومة بعيداً عن الجدل، وبأسلوب ميسر للفهم، ويؤدي إلى إدراك القضية المبحوثة إدراكاً تشريعياً تاماً...

 

د- أنه ذكر بشكل كاف فروع الفقه في التمثيل للقضايا التي تناولها وليس كبعض الكتب الأخرى التي قلما تذكر فيها فروع فقهية، وذلك طمعاً في توضيح المسائل المبحوثة وبيان واقعها التشريعي... ومع ذلك فإنه لم يتوسع في طريقة تخريج الفروع على الأصول كما هو في طريقة الفقهاء، وذلك لأن المقصود الأول من مباحث الأصول هو تقرير القواعد والضوابط الأصولية لا ذكر الفروع الفقهية... فكان كتاب أصول الفقه للحزب وسطاً أي عدلاً في هذا الأمر...

 

لكل ما سبق يعد كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث من أجود كتب أصول الفقه، ومن وفق في دراسته وفهمه فإنه يكون قد ولج الاجتهاد من أوسع أبوابه بإذن الله.

 

جواب السؤال الثاني:

 

أما ما المقصود بكلمة "مَلَكَة" من قوله في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث:

(... أما الفقه فهو في اللغة الفهم، ومنه قوله تعالى: ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ وفي اصطلاح المتشرعين هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية. والمراد من العلم بالأحكام، بالنسبة للعالم بها، ليس مجرد المعرفة، بل حصول الملكة بالأحكام الشرعية، أي أن تصل هذه المعرفة، والتعمق فيها، إلى حد أن تحصل لدى الشخص العالم بهذه الأحكام ملكة بها. ومجرد حصول الملكة كاف لأن يعتبر من حصلت له الملكة فقيهاً، لا الإحاطة بها جميعها. إلا أنه لا بد من العلم بجملة من الأحكام الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال، فلا يسمى العلم بالحكم الواحد أو الاثنين فقهاً. ولا يسمى العلم بكون أنواع الأدلة حججاً فقهاً.) انتهى.

 

فقد جاء في القاموس المحيط ما يلي: (مَلَكَهُ يَمْلِكُه مِلْكاً مُثَلَّثَةً، ومَلَكَةً، محرَّكةً، ومَمْلُكَةً، بضم اللامِ أو يُثَلَّثُ: احْتَواهُ قادِراً على الاسْتِبْدَادِ به.).

 

وجاء في المعجم الوسيط ("الملكة" صفة راسخة فِي النَّفس أَو استعداد عَقْلِي خَاص لتناول أَعمال مُعيَّنة بحذق ومهارة مثل الملكة العددية والملكة اللُّغَوِيَّة)

وذكر في كتاب التعريفات ما يلي: (الملَكة: هي صفة راسخة في النفس، وتحقيقه أنه تحصل للنفس هيئة بسبب فعل من الأفعال، ويقال لتلك الهيئة: كيفية نفسانية، وتسمى: حالة، ما دامت سريعة الزوال، فإذا تكررت ومارستها النفس حتى رسخت تلك الكيفية فيها وصارت بطيئة الزوال فتصير مَلَكَة، وبالقياس إلى ذلك الفعل: عادةً وخلقًا.).

 

وعليه فلكلمة "مَلَكَة" أصل لغوي فهي مأخوذة من لفظ ملك وتعني "احْتَواهُ قادِراً على الاسْتِبْدَادِ به"، ولها أيضاً معنى اصطلاحي على النحو المبين في تعريف كلمة "ملكة" في الأعلى... وليس هذا الاصطلاح خاصاً بالأصوليين بل هو اصطلاح مستعمل في سائر العلوم... وهذا المعنى الاصطلاحي هو المقصود مما ورد في كتاب الشخصية الإسلامية... وبيان ذلك على النحو التالي:

 

لقد عَرَّف النص الوارد في كتاب الشخصية الإسلامية الفقه بأنه "العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من الأدلة التفصيلية"، ثم بين المقصود بهذا العلم بالنسبة للعالم به بأنه لا يكفي أن يكون الشخص عالماً ببعض الأحكام الشرعية حتى يكون فقيهاً، لأنه في هذه الحالة يكون مقلداً لا فقيهاً إذ لا يخلو المقلد من معرفة بعض الأحكام الشرعية... وكذلك لا يلزم أن يكون عالماً بجميع الأحكام الشرعية ليعد فقيها فهذا الأمر ليس في مقدور أحد من الناس... بل ينبغي أن يكون ملماً بجملة من الأحكام الشرعية فيكون عارفاً بها وبأدلتها وبكيفية الاستدلال، وفي الوقت نفسه تصير عنده القدرة من جراء دراسته للفقه وتعمقه فيه على الوصول إلى معرفة الأحكام التي لم يعرفها بعد، وهذه هي "الملكة"، أي يجب أن يصل إلى درجة من العلم تجعله مالكاً للفقه ومسائله ومفاتيحه وأن يصبح ذلك صفة راسخة في نفسه...

 

وليس المقصود بالملكة في الفقه الناحية الفطرية والاستعداد الفطري الذي يتفاوت من شخص لآخر، بل المقصود الملكة المكتسبة بالتعلم والدراسة والتعمق والممارسة... ومع أن الاستعدادات الفطرية يمكن أن تساهم في تولد الملكة الفقهية وتطورها بسرعة، ولكن هذه الاستعدادات الفطرية ليست هي الملكة المقصودة في النص المذكور في الأعلى...

 

جواب السؤال الثالث:

 

1- القاعدة الشرعية الكلية هي التي ينسب فيها الحكم إلى أمر كلي ينطبق على جزئيات كثيرة، فالحكم بالوجوب مثلاً في قاعدة "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" متعلق بأمر كلي وهو "ما لا يتم الواجب إلا به"، والحكم بالحرمة مثلاً في قاعدة "الوسيلة إلى الحرام حرام" متعلق بأمر كلي هو "الوسيلة إلى الحرام"، وهذا الأمر الكلي ينطبق على جزئيات متعددة في أبواب مختلفة من الفقه.

 

2- إن القواعد الكلية هي أحكام شرعية من حيث الاستنباط، فهي تستنبط من النص الشرعي كاستنباط أي حكم شرعي سواء بسواء، سواء أكان من دليل واحد أم من عدة أدلة، إلا أن الدليل فيها يتضمن معنى بمثابة العلة. وهذا هو الذي يجعله منطبقاً على جميع جزئياته، فمثلاً قاعدة: «الوسيلة إلى الحرام حرام» وقاعدة: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب»  كل منها قاعدة كلية، فإذا نظر في أدلتها، يتبين أن الحكم يدل دليله عليه، ويدل على شيء آخر مرتباً عليه أو ناتجاً عنه، فيظهر حينئذ أنه بمثابة العلة، فمثلاً قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ فالفاء في ﴿فَيَسُبُّوا أفادت أن سبكم لأصنامهم يؤدي إلى سبهم لله، وهذا حرام، فيترتب عليه أن سبكم لأصنامهم في هذه الحالة حرام، فكأنها كانت علة. فالنهي عن مسبة الذين كفروا هو دليل الحكم، وقد دل، إلى جانب دلالته على الحكم، على شيء آخر مرتَّبٍ عليه حين قال: ﴿فَيَسُبُّوا اللَّهَ فاستنبطت من هذه الآية قاعدة: «الوسيلة إلى الحرام حرام» ومثلاً قولـه تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ فــ"إلى" في قوله: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ وفي قوله: ﴿إِلَى اللَّيْلِ أفادت أنه ما لم يغسل جزء من المرفق لا يتم غسل اليد إلى المرفق، فلا بد أن يتحقق حصول الغاية، لا أن تدخل الغاية في المغيا، وأنه ما لم يدخل جزء من الليل، ولو دقيقة، لا يتحقق إتمام الصيام؛ فصار غسل جزء مهما قل من المرافق، وصيام جزء مهما قل من الليل واجباً، بدلالة الآيتين؛ لأنه لا يتم ما أوجبه - وهو غسل اليدين وصيام النهار - إلا بالقيام به. فأفادت هذه الغاية جعل ما يكمل غسل اليدين، وصيام النهار، وهو واجب، واجباً، فكأنها كانت علة. فالآية دلت على الحكم، ودلت على شيء آخر مكمِّلٍ له حين قالت: ﴿إِلَى اللَّيْلِ فاستنبطت من هاتين الآيتين قاعدة: «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».

 

3- وكما ترى فإن استنباط القاعدة الكلية يصاحبه ما يشبه العلة أو بمثابة العلة ولذلك فكأنها دليل؛ ولهذا فإن هاتين القاعدتين وأمثالهما هما كما ذكرنا آنفاً أحكام شرعية، ولكن هذه الأحكام ليست أحكاماً تفصيلية بل هي قواعد يجري الاستدلال بها على الأحكام الشرعية، لأن طريقة استنباطها فيها ما يشبه العلة أو بمثابة العلة، ولذلك فإن الاستدلال بالقاعدة على الحكم يأخذ شكل الاستدلال بالدليل بسبب اشتمالها على ما يشبه العلة أو بمثابة العلة، وهذا الاستدلال يختلف عن الاستدلال على الحكم بحكم شرعي فإن هذا لا يأخذ شكل الاستدلال بالدليل بل شكل التطبيق فيلاحظ فيه انطباق الحكم على الواقع...

 

4- ونظراً إلى هذا الواقع في طريقة الاستنباط فإن القواعد الكلية هي أقرب إلى أن تكون من مباحث علم أصول الفقه منها إلى مباحث الفقه التفصيلية، ولذلك جاء الحديث عنها في مسائل أصول الفقه وبحثت في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في مبحث خاص تحت عنوان "القواعد الكلية" كما جرى التعرض في الكتاب نفسه إلى بعض القواعد الكلية بالشرح والتوضيح...

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

16 ذي القعدة  1438هـ

الموافق  2017/08/08م

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر

 

رابط الجواب من صفحة الأمير ويب

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع