الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 2 تعليقات
جواب سؤال: الشواهد والمتابعات في علم الحديث

بسم الله الرحمن الرحيم

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

جواب سؤال

الشواهد والمتابعات في علم الحديث

إلى أسامة عياط

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله شيخنا،

 

هناك سؤال أود أن أسأله لحضرتكم وهو متعلق بعلم الحديث:

 

عرّف العلماء الحديث الصحيح بأنه: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من أول السند الى منتهاه ولم يكن شاذّا ولا معللاً، هذه هي ضوابط تصحيح الحديث، ولكن أجد كثيراً من العلماء يصححون الأحاديث الضعيفة عن طريق الشواهد والمتابعات؛ فمثلا قد يأتي حديث من طريق ما ويكون هذا الحديث ضعيفا ثم يكون لهذا الحديث شواهد أو متابعات ولكن تكون هذه الشواهد والمتابعات ضعيفة، ومع ذلك نرى العلماء يصححون الحديث عن طريق هذه الشواهد والمتابعات. فما مدى اعتبار هذه الشواهد والمتابعات؟ ومتى يكون لها تأثير في تصحيح الحديث؟

 

 أرجو الإجابة، وبارك الله بكم.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

قبل الإجابة على السؤال لا بد من توضيح بعض المصطلحات ذات العلاقة مثل "الشواهد والمتابعات والمتن والسند" وهي مصطلحات في علم الحديث، وسيكون توضيحها عن طريق ذكر أمثلة:

 

- جاء في مسند الشافعي: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».

 

- المتن هو ما ينتهي إليه السند من الكلام وهو في هذا الحديث قول النبي e: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ».

 

- السند هو سلسلة الرجال الذين يوصلون المتن إلى قائله، فسند هذا الحديث هو: الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر عن رسول الله e.

- هذا الحديث لم يروه فقط الشافعي عن مالك، بل رواه عن مالك أيضاً عبد الله بن مسلمة بالإسناد نفسه عن عبد الله بن عمر، فقد روى البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e، قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا العِدَّةَ ثَلاَثِينَ»، فعبد الله بن مسلمة تابع الشافعي في رواية هذا الحديث أي روى الحديث عن شيخ الشافعي وهو مالك بالسند المذكور، ولذلك يطلق على رواية عبد الله بن مسلمة مصطلح "متابعة"، وهي في هذه الحالة تسمى متابعة تامة...

 

- وكذلك روى مسلم في صحيحه هذا الحديث عن عبد الله بن عمر كما يلي: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللهِ e ذَكَرَ رَمَضَانَ، فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ فَقَالَ: «الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا - ثُمَّ عَقَدَ إِبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ - فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ». ففي هذه الرواية للحديث تابع نافع عبد الله بن دينار في الرواية عن عبد الله بن عمر، وهذه تسمى متابعة قاصرة لأنها لم تكن من ابتداء السند...

 

- وروى النسائي في سننه هذا الحديث كما يلي: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَجِبْتُ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»، وواضح أن هذه الرواية للحديث هي بسند آخر عن صحابي آخر وهو ابن عباس وليست عن عبد الله بن عمر، ويطلق على حديث النسائي أنه "شاهد" لحديث الشافعي المذكور في الأعلى، وكذلك لحديث البخاري ولحديث مسلم... كما يطلق على كل من أحاديث الشافعي والبخاري ومسلم في الأعلى بأنها شواهد لحديث النسائي... وإذا كان متن الحديث الشاهد فيه اختلاف باللفظ وتشابه في المعنى فيطلق عليه "شاهد بالمعنى" وذلك كحديث البخاري في صحيحه: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ e: أَوْ قَالَ: قَالَ أَبُو القَاسِمِ e: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ» فمتن هذا الحديث مشابه لمتن حديث الشافعي في المعنى ولكن ليس في اللفظ لأنه يذكر هنا شهر شعبان...

 

والآن نأتي إلى جواب السؤال:

 

- الأحاديث التي يكون سبب ضعفها فسق الراوي أو اتهامه بالكذب أو نحو ذلك فإنها لا تتقوى بغيرها من الأحاديث بل ترد ولا يعمل بها، جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الأول ما يلي:

 

(... ومن الخطأ القول إن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحـيح. فإنه إذا كان ضعف الحديث لفسق راويه أو اتهامه بالكذب فعلاً، ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفاً إلى ضعف...) انتهى.

 

وقال ابن الصلاح في المقدمة:

(لَيْسَ كُلُّ ضَعْفٍ فِي الْحَدِيثِ يَزُولُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وُجُوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يَتَفَاوَتُ:

 

... وَمِنْ ذَلِكَ ضَعْفٌ لَا يَزُولُ بِنَحْوِ ذَلِكَ، لِقُوَّةٍ الضَّعْفِ وَتَقَاعُدِ هَذَا الْجَابِرِ عَنْ جَبْرِهِ وَمُقَاوَمَتِهِ. وَذَلِكَ كَالضَّعْفِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْ كَوْنِ الرَّاوِي مُتَّهَمًا بِالْكَذِبِ، أَوْ كَوْنِ الْحَدِيثِ شَاذًّا.) انتهى.

 

- يوجد روايات لأحاديث يكون فيها راو أو أكثر عنده سوء حفظ أو يكون مستوراً أو نحو ذلك ولكنه غير متهم بالكذب أو الفسق... أي أن سبب الضعف مرجعه إلى سوء الحفظ أو نحوه وليس إلى الصدق أو الدين... فهذه الروايات للأحاديث إذا أخذت وحدها فإننا نحكم عليها بالضعف وذلك لضعف بعض رجال السند... لكن عند تتبع الروايات يتبين أن لهذه الروايات متابعات وشواهد معتبرة أي تصلح لتقوية الرواية ذات العلاقة وهي تجبر سوء الحفظ وتخرج متن الحديث عن كونه شاذاً أو منكراً... ففي هذه الحالة فإننا لا نحكم على الحديث بالضعف بل يكون حديثاً حسناً لأنه روي من وجه آخر يجبر الخلل الذي بسببه كان يمكن أن يكون الحديث ضعيفاً... جاء في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الأول ما يلي:

 

(الحسن: هو ما عرف مخرّجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء. أي أن لا يكون في إسناده من يُتَّهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً. وهو نوعان:

 

أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ، ولا هو متهماً بالكذب. ويكون متن الحديث قد روي مثله من وجه آخر فيخرج بذلك عن كونه شاذاً أو منكراً...) انتهى.

 

وجاء في مقدمة ابن الصلاح ما يلي:

(... فَتَنَقَّحَ لِي وَاتَّضَحَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ قِسْمَانِ:

 

أَحَدُهُمَا: الْحَدِيثُ الَّذِي لَا يَخْلُو رِجَالُ إِسْنَادِهِ مِنْ مَسْتُورٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ أَهْلِيَّتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ مُغَفَّلًا كَثِيرَ الْخَطَأِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَلَا هُوَ مُتَّهَماً بِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ، أَيْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعَمُّدُ الْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ وَلَا سَبَبٌ آخَرُ مُفَسِّقٌ، وَيَكُونُ مَتْنُ الْحَدِيثِ مَعَ ذَلِكَ قَدْ عُرِفَ بِأَنْ رُوِيَ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى اعْتَضَدَ بِمُتَابَعَةِ مَنْ تَابَعَ رَاوِيَهُ عَلَى مِثْلِهِ، أَوْ بِمَا لَهُ مِنْ شَاهِدٍ، وَهُوَ وُرُودُ حَدِيثٍ آخَرَ بِنَحْوِهِ، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَاذًّا وَمُنْكَرًا، وَكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ يَتَنَزَّلُ...) انتهى. وقال كذلك:

 

(... لَيْسَ كُلُّ ضَعْفٍ فِي الْحَدِيثِ يَزُولُ بِمَجِيئِهِ مِنْ وُجُوهٍ، بَلْ ذَلِكَ يَتَفَاوَتُ:

فَمِنْهُ ضَعْفٌ يُزِيلُهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ضَعْفُهُ نَاشِئًا مِنْ ضَعْفِ حِفْظِ رَاوِيهِ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالدِّيَانَةِ. فَإِذَا رَأَيْنَا مَا رَوَاهُ قَدْ جَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَرَفْنَا أَنَّهُ مِمَّا قَدْ حَفِظَهُ، وَلَمْ يَخْتَلَّ فِيهِ ضَبْطُهُ لَهُ...) انتهى.

 

وعليه فإنه لا يستعجل في الحكم بالضعف على الأحاديث بمجرد وجود رجل مستور أو سيئ الحفظ في السند... بل تدرس الروايات الأخرى لمعرفة المتابعات والشواهد... غير أنه ينبغي لفت النظر إلى أن تقوية الأحاديث بالمتابعات والشواهد هي من المسائل الدقيقة التي تفتقر إلى علم وإحاطة بعلوم الحديث ودقائق الروايات والجرح والتعديل فليس كل متابعة أو شاهد يعتبر كافياً لتقوية الحديث بل لا بد من توفر شروط فيها حتى تكون معتبرة ومناسبة لجبر الخلل وللحكم على الحديث بالقبول.

 

آمل أن يكون هذا الموضوع قد أصبح واضحاً بإذن الله.

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

23 من شوال 1437هـ

الموافق 2016/07/28م   

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك:facebook

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على غوغل بلس:Googleplus


رابط الجواب من صفحة الأمير على تويتر: Twitter

 

رابط الجواب من موقع الأمير

 

2 تعليقات

  • إبتهال
    إبتهال الجمعة، 29 تموز/يوليو 2016م 18:50 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

  • Khadija
    Khadija الجمعة، 29 تموز/يوليو 2016م 13:35 تعليق

    بوركت كتاباتكم المستنيرة الراقية، و أيد الله حزب التحرير وأميره العالم عطاء أبو الرشتة بنصر مؤزر وفتح قريب إن شاء الله

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع