الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

Al Raya sahafa

 

2019-08-21

 

جريدة الراية:

تصريحات خان النووية

هل هناك أزمات مصطنعة لإضفاء الشرعية على ضم الهند لكشمير؟

 

 

انتقل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في غضون أسبوعين من الحديث عن تسليم الأسلحة النووية إلى استخدامها ضد الهند، وفي الثالث من تموز/يوليو 2019، قال خان "إن الحرب النووية ليست خياراً وإن باكستان ستسلم أسلحتها النووية شريطة أن تفعل الهند الشيء نفسه" (1) وبعد أسبوعين، ألمح خان، رداً على ضم الهند لكشمير، إلى "احتمال اندلاع حرب نووية إذا لم يتم حل النزاع بين الخصمين ودياً" (2).

 

إنّ التصريحات المتناقضة حول الأسلحة النووية تظهر عدم إدراك خان لقيمة وأهمية هذه الأسلحة. والأمر المقلق أكثر من ذلك هو السرعة التي دخلت بها حكومة خان في المساومة على مسألة حيوية أخرى بعد رهن اقتصاد البلاد وقضية أفغانستان وكشمير.

 

وحتى لو تمكن الطرفان من حل قضية كشمير سلميا وعقد اتفاق أمني يلتزم به الطرفان، مثل توقيع معاهدة سلام بينهما، فإنه لا يوجد ما يدفع الهند إلى تفكيك ترسانتها النووية، وذلك لأن استراتيجية الهند النووية ليست محورها باكستان. فقد كان الدافع الأصلي لنيودلهي للحصول على أسلحة نووية هو تحييد التفوق التقليدي للقوات المسلحة الصينية، ولثني الصين فيما بعد عن استخدام أسلحتها النووية ضد الهند.

 

وأحد التعقيدات الأخيرة في حسابات التفاضل والتكامل النووي للهند هو علاقتها الوثيقة مع أمريكا، وهو الأمر الذي جعل روسيا والصين تشعران بالقلق الشديد من نوايا الهند على المدى البعيد. وقد دفعت صفقة الهند النووية مع أمريكا وعلاقاتها العسكرية والبحرية الوثيقة مع البنتاغون، دفعت الصين إلى بناء علاقات وثيقة مع روسيا من أجل موازنة أي تهديد قد يحصل من التحالف الهندي الأمريكي، سواء على صعيد القوة العسكرية التقليدية أو صعيد التفوق النووي. لذلك كان احتمال أن تتنازل الهند عن ترسانتها النووية يتوقف على قيام الصين وروسيا بالخطوة نفسها. ولكن من غير المرجح أن تتخلى الدولتان عن أسلحتهما النووية ما لم تنضم إليهما أمريكا في السعي نحو عالم خالٍ من الأسلحة النووية.

 

وبالتالي فإن إدراك خان الضعيف للاستراتيجية النووية وسياسة الأسلحة النووية يثير القلق على أقل تقدير. ومنطق خان أنه "في حال تخلت الهند عن الأسلحة النووية، فإنه سيفعل الشيء نفسه"، هذا المنطق يجعل باكستان عرضة للتهديدات التقليدية والنووية من أمريكا أو كيان يهود أو روسيا أو حتى الصين. فالقوة العسكرية التقليدية لباكستان لا تكفي لردع هذه القوى عن احتلالها أو التحالف مع الهند النووية منزوعة السلاح لتقطيع البلاد. لذلك كان من الضروري أن تحافظ باكستان على ترسانتها النووية ومضاعفتها واستخدامها إذا اندلعت الحرب. والدرس المستفاد من المواجهة النووية لكوريا الشمالية مع أمريكا هو أن الأسلحة النووية تردع العدو وتمنع اندلاع الحروب. وقد شجّع غياب الأسلحة النووية في دول من مثل العراق وسوريا وليبيا، شجّع القوى النووية مثل أمريكا على غزوها من دون أي خوف من العقاب. ويبدو أن هذا الفهم المهم لقيمة الرؤوس النووية قد غاب عن عقل خان البسيط.

 

كما أن تأكيد خان حول تصاعد تخوف اندلاع حرب تقليدية مع الهند وتطورها إلى حرب نووية هو في غير محله. ففي أوقات الأزمات الشديدة، يعمل امتلاك الدول للأسلحة النووية على نزع فتيل التوتر وتحقيق السلام، وذلك لأن عواقب الحرب النووية يجعل الجهات المتحاربة نوويا تدرك أن التكاليف الباهظة (التدمير الشامل) لاستخدام الأسلحة النووية تفوق أي مكاسب متوقعة. وهذا المنطق يثير الخوف بين المتحاربين ويساعد على استعادة الحياة الطبيعية بينهما، وعلى سبيل المثال، في نزاع مرتفعات (كارجيل) في عام 1999 والحرب الحدودية بين الصين وروسيا في عام 1969، كان الخوف من استخدام أي من الأطراف للأسلحة النووية عاملا مهما لنزع فتيل التوتر وتحقق السلام في نهاية المطاف.

 

وغالباً ما يتباهى خان بإيجاد نموذج لدولة المدينة الإسلامية، لكنه لا يزال غافلاً عن استراتيجيتها النووية. حيث تعتبر الأسلحة النووية في الإسلام شراً بغيضاً ولكن المسلمين ملزمون بامتلاكها في هذا العصر النووي. وقيمتها الأساسية هي إثارة الرعب والردع بين الدول النووية المتحاربة، لثنيها عن تهديد المصالح الحيوية للدولة الإسلامية. وبالتالي، فإن الأولوية القصوى للدولة الإسلامية ذات شقين؛ أولاً، منع الدول المالكة للأسلحة النووية - بأي ثمن - من الإضرار بوحدة الأمة. وثانياً، توفير الظروف اللازمة لتحقيق "الصفر" العالمي، أي القضاء على جميع الأسلحة النووية من على وجه الأرض وجعل العالم مكاناً أكثر أماناً.

 

إنّ جهل خان بالحكم الشرعي المتعلق بالأسلحة النووية يشير إلى أنه سوف يفشل في عكس عملية ضم الهند لكشمير وسيعرّض استراتيجية باكستان النووية إلى تهديد لأمن باكستان. وبدلاً من ذلك، من المرجّح أن تفتح هزيمة خان الخانقة الباب أمام أمريكا لاستخدام الابتزاز النووي بين باكستان والهند، وإجبار الرأي العام الباكستاني على قبول ضم الهند لكشمير المحتلة. وهذا يشبه تفريط نواز شريف بالمكاسب الاستراتيجية في (كارجيل) في ظل امتلاك باكستان للأسلحة النووية، وتمكين حزب (بهارتيا جاناتا) من الفوز بالانتخابات لكي تستهل أمريكا عصراً جديداً من العلاقات الاستراتيجية مع الهند. وكذلك عمران خان فإنه على وشك تكرار هذا التاريخ الخياني!

 

بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع