- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2015-12-30م
بريطانيا ومعضلة البقاء أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي
بقلم: أحمد الخطواني
يتشكّل داخل حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا رأيٌ عامٌ متصاعدٌ ومساندٌ لفكرة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان خمسون نائباً من الحزب قد شكّلوا مجموعة ضغط مؤيدة للانسحاب من الاتحاد الأوروبي تحت اسم "محافظون من أجل بريطانيا" إذا لم يتم القبول بالشروط البريطانية داخل الاتحاد الأوروبي، وفي الاجتماع الأخير لقادة دول الاتحاد عرض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في خطاب مفصلي له وجّهه للأوروبيين مطالب بريطانيا من الاتحاد والتي اعتبرها إصلاحات، وهي في الواقع اعتراضات على كيفية اتخاذ القرارات داخل الاتحاد، فمثلاً تقوم دول مجموعة اليورو السبع عشرة المنضوية في اتفاقية الاتحاد النقدي بالتفاوض والتوافق على القرارات النقدية والمالية لوحدها، ودون الرجوع إلى دول الاتحاد السبع والعشرين - خاصة بعد نشوب الأزمة الاقتصادية التي ضربت اليونان ودول جنوب أوروبا - وبعد ذلك تُعرض القرارات الجاهزة التي تمّ التوصل إليها على سائر دول الاتحاد ومنها بريطانيا لإقرارها، وهذا يعني عملياً أنّ صناعة القرارات داخل المنظومة الأوروبية باتت محصورة بيد الدول المنضوية في مجموعة اليورو فقط، والتي تسيطر عليها فرنسا وألمانيا تحديداً، بينما بريطانيا والتي هي خارج مجموعة اليورو لا يتم إطلاعها على ما يدور داخل المجموعة إلا بعد الانتهاء من اتخاذ القرارات، أي للمصادقة عليها فقط.
فأوروبا تريد من بريطانيا الدخول في مجموعة اليورو إذا أرادت التأثير في الاتحاد الأوروبي، وهذا معناه التخلي عن الجنيه الإسترليني، والتخلي عن بعض الصلاحيات السيادية للدولة البريطانية، وهو أمر لا يمكن لبريطانيا القبول به.
لذلك تسعى بريطانيا لتغيير طريقة اتخاذ القرارات داخل الاتحاد الأوروبي لكي تبقى فيه، لكنّ الأوروبيين، خاصة الألمان والفرنسيون، يرفضون هذا المطلب البريطاني بشدة، ويريدون من بريطانيا إمّا الدخول في البيت الأوروبي كسائر الأوروبيين أو الخروج النهائي من الاتحاد، فهم يعملون بجد على تقوية دور منطقة اليورو على حساب دور الاتحاد في المنظومة الأوروبية، وهم يريدون أوروبا موحدة على المدى البعيد، ومن غير المتوقع أن يُقدّموا تنازلات كبيرة لبريطانيا في هذا الشأن، وهو الأمر الذي يضع البريطانيين في مأزق صعب، فلا هم يستطيعون البقاء داخل الاتحاد مجرّدين من الصلاحيات، ولا هم يرغبون بالخروج من المنظومة الأوروبية خالي الوفاض، لذلك فهم قد حدّدوا نهاية العام 2017 لإجراء استفتاء عام على الشعب، واتخاذ القرار النهائي بالخروج أو البقاء في الاتحاد الأوروبي استناداً إلى نتائج المفاوضات مع دول منطقة اليورو.
فما يؤرّق بريطانيا حقيقة هو الخوف من هيمنة دول منطقة اليورو السبع عشرة على مجريات اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تهميش دور بريطانيا في أوروبا، والذي يزيد الأمر صعوبة على البريطانيين هو موقف أمريكا الضاغط على بريطانيا والذي يدفع باتجاه بقائها داخل الاتحاد بأي ثمن، والتلميح لها بعدم إشراكها في القضايا الدولية إلا من خلال وجودها داخله، فبريطانيا أصبحت بين نارين؛ نار أوروبا ونار أمريكا، وأصبح من الصعب عليها المراوغة أو المزاوجة بين الأوروبيين والأمريكيين، ووضع رِجل في أوروبا ورِجل في أمريكا كما كانت تفعل في الخمسين سنة الماضية، وعليها من الآن أن تُوازن وتختار بدقة في هذه المسألة الشائكة، وهي إن لم تجد حلاً مناسباً لهذه المشكلة العويصة فستخسر بريطانيا مكانتها الدولية، وتفقد كثيراً من تأثيرها العالمي، وتنحدر عن مستواها الدولي الحالي.
فهذه القضية هي الأهم بالنسبة لمطالب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أمّا القضايا الأخرى المتداولة إعلامياً فمن السهل على بريطانيا معالجتها، والوصول إلى حلول وسط بشأنها، وذلك من مثل مواضيع الهجرة والرعاية الصحية والتنافس الاقتصادي والإعانات الإنسانية التي تُقدم للمهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي في بريطانيا، ومنح صلاحيات واسعة للاتحاد على حساب الأعضاء، وقضايا الأمن وضبط الحدود، وغيرها من القضايا المشتركة بين الدول الأوروبية.
إنّ بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي يُوفر لها مزايا سياسية أهم بكثير من المزايا الاقتصادية، فمثلاً الرباعية الدولية وما شاكلها من مجموعات دولية مماثلة، تمنح بريطانيا موقعاً دولياً متميزاً تستطيع من خلاله المشاركة والتأثير في معظم القضايا العالمية، أمّا في حال خروجها من الاتحاد فستفقد هذا الموقع قطعياً..
فالاتحاد الأوروبي هو الشريك رقم اثنان في العالم بعد أمريكا، وليس أي دولة منفردة من الدول الأوروبية، فأمريكا أصبحت تعتبر أنّ الاتحاد الأوروبي هو من يستحق أن يكون شريكاً دولياً معها وليس دولاً أوروبية منفردة كبريطانيا أو فرنسا.
لذلك فإنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيه مجازفة كبيرة على مكانتها الدولية ونفوذها العالمي، وبقاؤها فيه من دون الدخول في منطقة اليورو فيه خضوع للإملاءات الفرنسية والألمانية التي تحطّ من مكانتها أوروبياً، لذلك فهي إن لم تنجح في إدخال مطالبها وشروطها على دول الاتحاد فعليها الاختيار بين خيارين أحلاهما مُرّ.
المصدر : جريدة الراية