الإثنين، 23 شوال 1446هـ| 2025/04/21م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2025-04-16

 

جريدة الراية: ماذا وراء زيارة ماكرون لمصر؟

 

 

في ظل أزمات محلية متصاعدة، وسياقات إقليمية ملتهبة، وبرعاية قوى الاستعمار الدولي، تأتي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للقاهرة، ويقابله السيسي بحفاوة مبالغ فيها، تكشف عما هو أبعد من مجرد بروتوكولات سياسية أو توقيع اتفاقيات اقتصادية أو ثقافية. إنها زيارة تكشف بوضوح طبيعة العلاقة بين النظام المصري والنظام الدولي الذي تمثل فرنسا فيه رأساً من رؤوس الهيمنة والاستعمار، كما تبرز مجدداً طبيعة التبعية التي يحياها النظام المصري، لا سيما في ظل أزمة اقتصادية طاحنة جعلته مستعداً لبيع مقدرات البلاد لقاء استمرار الدعم السياسي الغربي لبقائه.

 

زيارة ماكرون جاءت في وقت بالغ الحساسية، فقطاع غزة يشهد إبادة جماعية على يد يهود. وكان من الأولى لماكرون لو كان صادقاً أن يزور غزة أو أن يندد علناً بجرائم يهود، لكنه لم يفعل، لأن فرنسا ككل الغرب الكافر المستعمر ما زالت تعتبر أمن كيان يهود خطاً أحمر.

 

والأخطر أن تأتي هذه الزيارة بينما فرنسا تجري صفقات ضخمة مع مصر تشمل السلاح والطاقة والتعليم ومشاريع النقل والبنية التحتية، ما يعني استمرار تحويل مصر إلى سوق استهلاكي لمنتجات فرنسا، دون أن تحصد إلا الفقر والتبعية.

 

لقد بالغ النظام المصري في مظاهر الترحيب، فاستقبل ماكرون بالبساط الأحمر، والاستعراضات العسكرية، واللقاءات الحميمية، والإشادة الزائدة عن الحد بدور فرنسا التاريخي.

 

هذه المظاهر تكشف عن عقدة النقص لدى حكام دويلات سايكس بيكو، الذين يرون في رضا الغرب عنهم مفخرة، ويخافون سخطه أكثر من خوفهم من الله! إنهم موظفون عند الغرب بدرجة حكام دول ينفذون أوامره مقابل البقاء على كراسيهم.

 

إن الإسلام لا يُقرّ أبداً العلاقات القائمة على التبعية والذل. يقول تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾. فلا يجوز شرعاً تمكين الكافر المستعمر من بلاد المسلمين، ولا تسليم اقتصادها أو سيادتها أو أمنها له، ولا الوثوق بمن يحارب دين الله علانية في بلده كما يفعل ماكرون بمحاربته الحجاب والنقاب، فكيف يُستقبل استقبال الفاتحين؟!

 

إن تصوير هذه الزيارة وكأنها تدور في إطار "تعزيز التعاون الاقتصادي" أو "دفع عجلة الاستثمار" هو خداع سياسي متعمد، الغرض منه تغطية حقيقة هيمنة الغرب على بلادنا. ففرنسا لا تأتي إلى بلاد المسلمين لتمنحهم فرصاً اقتصادية أو لتساعدهم في النهوض، بل لتعقد صفقات تُمكّن شركاتها من السيطرة على مواردهم، ومن ثم إعادة تدوير الأموال في صالح اقتصادها.

 

ففرنسا تصدر لنا القروض والخبراء وشركات الاستشارة والمقاولين، وتستورد منا السوق المفتوح، والمواد الخام، والعمالة الرخيصة، والانبطاح السياسي. إنها ليست علاقة شراكة بين ندين، بل هي علاقة استعمار بشكل ناعم يستند إلى النفوذ السياسي، والتبعية الفكرية، والانقياد الاقتصادي.

 

إن هذا التعاون الظاهري هو اختراق ثقافي وفكري ممنهج؛ فالاستعمار لم يعد يرسل جنوده ليحتلوا الأرض، بل يرسل شركاته ومؤسساته الثقافية ومناهجه ومشاريعه المشتركة، ليعيد تشكيل هوية الأمة، ويفرض رؤيته للحياة والمجتمع. فمن خلال التعاون التعليمي والثقافي، تُصدّر فرنسا منظومتها العلمانية، وقيمها الغربية، وتدخل مناهجها إلى المدارس والجامعات، وتدعم مراكز أبحاث "تحديثية" هدفها ضرب الثوابت الإسلامية.

 

ومن خلال الإعلام المشترك والمراكز الثقافية، تبث فرنسا خطاباً ناعماً مغلفاً بشعارات "الحداثة" و"حقوق الإنسان"، و"التسامح"، في حين إنها تفتك بالمسلمات في فرنسا وتحارب الحجاب والنقاب والمساجد بلا هوادة. ومن خلال الاتفاقيات الأمنية، تتيح لنفسها الإشراف على البنية التحتية الحساسة، وتبادل المعلومات الأمنية، وتدريب الأجهزة البوليسية، بما يُمكّنها من التغلغل في مفاصل الدولة وتحويل مصر إلى حارس لمصالحها.

 

كيف يعقل لنظام يزعم التعاطف مع غزة أن يستقبل ماكرون، الذي لم يخف يوماً دعمه المطلق لكيان يهود؟! ففرنسا تعد من أكثر الدول الغربية انحيازاً لكيان يهود، وهي من أوائل الدول التي أعلنت أن أمنه خط أحمر، ودعمت عدوانه بدعوى "الدفاع عن النفس"، فكيف يمكن الوثوق بها؟!

 

إن الرد الحقيقي على ماكرون وكل حكام الدول الاستعمارية لا يكون باستقبالهم والاحتفاء بهم، ولا بتوقيع المزيد من صفقات القروض والسلاح معهم، بل يكون:

 

1- بطرد سفراء تلك الدول من بلاد المسلمين، فلا يجوز شرعاً تمكين الكافر المستعمر من بلاد المسلمين، ولا إبقاؤه ممثلاً سياسياً يمارس الضغط والتوجيه من داخل عواصمها.

 

2- وقف جميع المشاريع المشتركة التي تمنحهم موطئ قدم، فهذه المشاريع هي غطاء للاستعمار الاقتصادي، خاصة في قطاعات النقل، والطاقة، والإنشاءات، والتعليم، والإعلام.

 

3- إغلاق قواعدهم العسكرية والاستخباراتية سواء أكانت رسمية أو تحت غطاء "التدريب المشترك"، فكل وجود عسكري أجنبي في بلاد المسلمين هو عدوان سافر.

 

4- اجتثاث أذرعهم الفكرية والتعليمية من مراكز ثقافية، وبرامج تدريب، ومناهج مستوردة، ومنظمات تموّلها سفاراتهم بهدف تغيير عقلية الجيل المسلم.

 

5- قطع الهيمنة المالية الغربية سواء عبر صندوق النقد أو البنك الدوليين أو المؤسسات الفرنسية ذات الامتداد الاستعماري، والتي تقرضنا بشروط تبقينا مكبلين بقيود التبعية.

 

6- وقف التنسيق الأمني ومشاركة البيانات السيادية، فلا يجوز شرعاً ولا عقلاً تسليم بيانات البلاد ومفاصل الدولة لجهات أجنبية تعادي الأمة وتخترق سيادتها.

 

هذه الخطوات لا يمكن أن تتحقق في ظل هذه الأنظمة العميلة، التي وجدت لخدمة المستعمر الغربي، لا للذود عن مصالح الأمة، وإنما بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تقطع يد الغرب الكافر سياسياً واقتصادياً وثقافياً من بلاد المسلمين، وتعيد توجيه طاقات الأمة نحو التحرير والبناء، وتعيد للأمة عزتها وسلطانها.

 

وإننا في حزب التحرير، نفضح هذه السياسات ونبيّن خطرها على الدين والدنيا، وندعو أهل مصر وخاصة جيشها لأن يتحركوا كما تحرك الصحابة من قبل، ويقلبوا الطاولة على العملاء والخونة، ويقيموا خلافة راشدة على منهاج النبوة، تعيد الكرامة لمصر والأمة، وتحرر الأرض وتنتصر للمستضعفين في فلسطين وسائر بلاد المسلمين.

 

 

بقلم: الأستاذ سعيد فضل

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع