الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

فصل السلطات بين النظرية والواقع ومخالفتها له ج1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد سادت فكرة فصل السلطات أنظمة الحكم في العالم لسيطرة النظام الرأسمالي الديمقراطي على العالم وتأثر الجميع بنظم حكمه. فنريد هنا أن نتناول هذا الموضوع لنعرف ماهية هذه الفكرة، أي فكرة فصل السلطات؟ ومن أين أتت هذه الفكرة؟ وهل هي عبارة عن نظرية ولا تنطبق على الواقع ولا تتطبق فيه؟ فهل توافق الواقع أم تخالفه؟


بعد هذه التساؤلات نأتي إلى الإجابات عنها؛ فإن فكرة فصل السلطات هي هيكل الدولة المدنية. وهي فكرة غربية بحتة مرتبطة بالفكر الغربي الديمقراطي. وقد ظهرت هذه الفكرة مع ظهور فكرة الدولة المدنية التي هي مضادة لمفهوم الدولة الدينية الغربية. فظهورها كان كردة فعل على حصر السلطات في يد الحكام المستبدين في أوروبا من ملوك وأباطرة. ولقد ظن بعض المفكرين السياسيين الغربيين بأن الاستبداد سببه حصر السلطات أو حصر صلاحيات الحكم في يد الحاكم.

 

فأوجدوا هذه الفكرة كردة فعل على هذا الواقع السيء في بلادهم لمعالجة موضوع الحكم عندهم. ويعتبر الإنجليزي جون لوك في كتابه الحكومة المدنية الذي أصدره عام 1690 أول من تكلم في موضوع فصل السلطات ضمن مفهوم الدولة المدنية وذلك عقب الثورة الإنجليزية ضد الاستبداد الذي كان يتمثل بالحكم الملكي المطلق بالتحالف مع الكنيسة إلى جانب تحكم العائلات العريقة والثرية في رقاب الناس، وطالبت بإقامة الجمهورية ولكن لم تتمكن من إقامتها. ومن ثم جاء من بعده الفرنسي دي مونتسكيو في كتابه روح القوانين عام 1748 فقام بتطوير هذه الفكرة إلى أن رسخت حتى يومنا هذا على أساس فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية عن بعضها البعض. ولكن يقال أن الفيلسوف اليوناني أرسطو هو أول من تكلم في هذا الموضوع في كتابه السياسة. ولكنه لم يتكلم في ذلك بوضوح ولم يبلوره حسب الشكل الحالي. بل أراد ترشيد الحكم وتنظيمه. فذكر أن للديمقراطية ركنين؛ حكم الأكثرية وحماية حقوق الأقليات والأفراد. وقال: السيادات ثلاث هي السيادة الفردية ويعني بها سيادة الحاكم، والسيادة الشعبية، والسيادة الشرعية. ومن المعلوم أن الفلسفة اليونانية هي أحد مصادر المعلومات الأولية للفكر السياسي الغربي. فيأتي الفلاسفة والمفكرون الغربيون فيدرسونها ويستقون منها المعلومات، ومن ثم يعملون على تطويرها حسب مبدئهم الرأسمالي ليعملوا على تطبيقها حسب واقعهم. وقد أصبحت فكرة فصل السلطات إحدى الأفكار الأساسية لنظام الغرب الديمقراطي الذي ينادي له في كافة أنحاء العالم ولدولته المدنية التي يعمل على تسويقها من جديد بين المسلمين.


مع العلم أن الأنظمة في العالم الاسلامي ومنه العربي قد أقيمت على هذا الأساس ولو بشكل نظري عندما أسقط الغرب نظام الحكم في الإسلام وهو نظام الخلافة الإسلامية عن طريق عملائه. وبعد حدوث الثورات في البلاد العربية بدأت الدول الغربية تعمل على تفعيل تطبيق هذه الفكرة من جديد ضمن الدولة المدنية الديمقراطية عندما رأت هذه الدول أن الأنظمة التي أقامتها على هذا الأساس شكليا ولكنها كانت استبدادية فعليا بدأت تتساقط نتيجة ازدياد الوعي لدى الأمة وكسر حاجز الخوف. فخافت الدول الغربية على سقوط نظامها السياسي ومنظومتها الفكرية فأرادت تفعيل ذلك بصورة ملمعة لتظهر على أنها غير استبدادية. فالفكرة بشكل عام موجودة في الدساتير التي وضعها الغرب للأنظمة التي أقامها في العالم الاسلامي ولذلك نراه يلزم المسلمين بنفس الدساتير ويريد أن يخدعهم من جديد، فيظهر أن الخطأ كأنه ليس في وجود أنظمته وإنما في عدم تفعيلها أو تطبيقها كما ينبغي وفي وجود حكام فاسدين. فأوهم الغرب الناسَ قائلا بأنه عندما يجري إقامة نظام الدولة المدنية على أسس فصل السلطات فعندئذ تطبق الديمقراطية ويستعيد الإنسان كرامته ويسعد في ظل الحرية.


فهذه السلطات الثلاث تتكون منها الدولة المدنية عند الغربيين؛ فأولها السلطة التشريعية التي تتمثل بالبرلمان الذي ينتخب أعضاؤه كنواب عن الشعب في سن القوانين وتشكيل السلطة التنفيذية ومراقبة هذه السلطة وإسقاطها بحجب الثقة عنها. وثانيها السلطة التنفيذية التي تتمثل بالحكومة التي تنفذ القوانين التي تشرعها السلطة التشريعية. وثالثها السلطة القضائية وعلى رأسها المحكمة الدستورية وهي التي تنظر في دستورية القوانين وتنظر في مدى التزام السلطة التنفيذية بهذه القوانين وتسمع لشكاوى الناس بحقها. فأصبحت الدولة لديهم مركبة من هذه السلطات الثلاث. وقالوا بأنه يجب أن تكون كل سلطة منفصلة عن الأخرى ومستقلة. فتكون الدولة مركبة من سلطات ثلاث منفصلة وليست من سلطة واحدة. فقالوا أن الدولة تحكمها ثلاث سلطات مستقلة عن بعضها البعض كل واحدة تمارس صلاحياتها باستقلالية، بل قالوا أنها قوى ثلاث قادرة أن تفرض نفسها على الآخرين بحدود صلاحياتها. وبذلك تتوزع الصلاحيات على قوى ثلاث فيزول احتمال التفرد بالسلطة وبالتالي يمنع الاستبداد.


وبالرغم من قولهم بفصل السلطات إلا أن التداخل بينها حاصل؛ فيحصل التداخل بين السلطة التنفيذية والتشريعية وكذلك التعارض والتناقض. فالسلطة التنفيذية أو الحكومة تريد سن قوانين وتنفيذ قرارات معينة حسبما ترى من مصلحة عند ممارستها لصلاحياتها وقيامها برعاية شؤون الناس وربما السلطة التشريعية لا ترى ذلك. فيحدث تصادم بين السلطتين ربما يؤدي ذلك إلى شلل في عمل الحكومة. ولذلك قاموا بالتحايل على الأمر فجعلوا تشكيل الحكومة من الأكثرية البرلمانية حتى يساعدها ذلك في سن القوانين أو التشريعات واتخاذ القرارات عندما يصوت حزب الأكثرية وهو حزب الحكومة لصالح تشريعاتها وقراراتها أو إذا كانت ائتلافية فتكون الأكثرية البرلمانية من الأحزاب التي تشكلت منها الحكومة. فأصبحت السلطة التشريعية متوافقة أو متواطئة مع السلطة التنفيذية فلم تعد هناك استقلالية ولا انفصال بين هاتين السلطتين بل أصبحتا متحدتين، وهذا مع ما يجري في كافة الدول المدنية الديمقراطية. فعندئذ تستصدر السلطة التنفيذية التشريعات والقوانين بسهولة ويسر لدى السلطة التشريعية، أي أن البرلمان يشرع للحكومة ما تريد ويقر قراراتها ويوافق على سياساتها. لأن هاتين السلطتين أصبحتا مشكلتين من حزب الأكثرية أو من عدة أحزاب شكلت الأكثرية. وبذلك انتفى فصل السلطات في الواقع بشكل عملي. فهذا يدل على تناقض مدى النظرية أو الفكرة مع الواقع في موضوع فصل السلطات وعلى عدم إمكانية فصل تلك السلطتين عن بعضهما البعض، وإلا لا يمكن تسيير أعمال الدول وشؤون الناس. ويدل ذلك على مدى التحايل والخداع للشعب بأنه يحكم وأن ممثله البرلمان يشرع وهو مستقل عن الحكومة، فدل كل ذلك على فساد فكرة فصل السلطات.


وقد وضعت سلطة قضائية ووضع على رأسها المحكمة الدستورية فهي أعلى مرتبة في القضاء والحل والفصل الأخير يرجع إليها لتنظر في دستورية التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية وتراقب تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية، وحتى تتمكن أحزاب الأقلية المعارضة من الشكوى لديها لتنظر في المخالفات الدستورية والقانونية، بالإضافة إلى شكاوى الناس إذا رأوا أن الأحكام التي صدرت بحقهم تخالف الدستور.


فالأصل أن تكون السلطة التشريعية هي المشرعة وتشريعها هو التشريع فلا سلطة عليه؛ فكيف يضع عليها حكما فيفند تشريعاتها ويحكم على صحتها وخطئها؟ فكيف تكون إذنْ السلطة التشريعية مستقلة وهي ترى أن فوقها قوة أقوى منها ربما تحكم على تشريعاتها بالخطأ فتسقطها؟ فهل تستطيع أن تنظر في القوانين بشكل مستقل وهي تحسب حسابا للمحكمة الدستورية وتخاف أن ترد تشريعاتها؟ فإذا حكمت سلطة أخرى على صحة تشريعات المشرّع فهل هذا مشرع حقيقي؟ فيدل ذلك على عدم استقلال السلطة التشرعية في تشريعاتها ويدل على عجز هذا المشرّع وأن احتمال الخطأ وارد عليه! فهذا يدل على إقرار أهل الفكر الغربي ضمنيا بأن المشرّعين الذين أنابهم الشعب ناقصون وأنهم ربما يخطئون! لأنهم وضعوا فوق السلطة التشريعية التي هي الأصل وهي المشرع الأول والأخير في النظام الديمقراطي وضعوا فوقها سلطة قضائية ربما تفند كل تشريعاتها؟ فكيف يكون المشرع مخطئ وكيف يوضع فوقه سلطة أقوى منه ليست منتخبة من الشعب وإنما هي مجموعة أفراد لا يتجاوز عددهم مجموع أصابع اليدين ويكون المئات من ممثلي الشعب محكوماً لهذه الفئة القليلة بل إن الشعب كله أصبح محكوما لأحكام وقرارات تلك المحكمة؟ فيدل ذلك على عدم صحة فصل السلطة وأن الشعب غير مشرع ولا يحكم نفسه بنفسه فيعني ذلك أن لا وجود للديمقراطية في الواقع. فالسلطة التشريعية هي سلطة الشعب الحقيقية في الديمقراطية التي تعني أن الشعب هو المشرع وهو الذي يحكم فكيف يوضع عليه سلطة من عدة أفراد في المحكمة الدستورية من السلطة القضائية؟ فهذا يناقض الديمقراطية ويناقض مفهوم الدولة المدنية التي رفضت سلطة رجال الدين الذين كانوا يشرعون للملك وزمرته وكانت سلطتهم فوق الشعب؟ وإذا قيل أن الشعب عاجز عن أن يضع قوانينه بنفسه لأنه غير متخصص بذلك وكذلك ممثليه في السلطة التشريعية وأن محكمة الدستور متخصصة في القانون وتفهمه أكثر ممن هم في البرلمان وفي غيره! فهذا الكلام وحده ينقض الديمقراطية ويبرهن على أنها غير موجودة أصلا لأن الشعب لا يحكم نفسه بنفسه فلا يشرع ولا يدير دولة وإنما تفرض عليه القوانين فرضا ويحكم بصرامة القانون وبقوة الشرطي. والحقيقة أن الشعب غير راض عن كثير من التشريعات ولا تخدمه وإنما تخدم فئة قليلة من أصحاب النفوذ والمال. ونلاحظ في الغرب الديمقراطي أن كل فئة من الناس غير راضية عى القوانين التي تتعلق بها؛ فتراها لا تؤدي تلك القوانين هاضمة لحقها وتخدم فئة نافذة فيما يتعلق بموضعها، ولذلك سمحوا بحرية الاحتجاج والإضراب لكل فئة حتى تطالب بحقها من الفئة المتنفذة، وتعمل على تسوية الأمور بعد الإضرابات والاحتجاجات بحل وسط يلبي بعض مطالب المحتجين وليس كلها ويترك الباقي الى مرحلة أخرى فوضعت قاعدة خذ وطالب حتى لا يتمكن المحتجون على هضم حقوقهم من تلبية كامل حقوقهم فتبقى ناقصة.


والسلطة القضائية أيضا عاجزة ولكنها جعلت على أنها الحكم مع أنها مكونة من مجموع أفراد قليلين بينما البرلمان مشكل من أعداد كثيرة تمثل الشعب وانتخب على أساس مطالبه ولكن محكمة الدستور أقوى منه! فكيف يحصل ذلك؟ وإنْ قيل أن هؤلاء الأفراد متخصصون في القانون ويفهمون الدستور أكثر من غيرهم من الناس فيفهمونه اكثر من الشعب ومن البرلمان الذي يمثله! فهذا القول وحده ينقض الديمقراطية كما قلنا ويثبت أن الديمقراطية غير موجودة فعلا لأن الشعب لا يحكم نفسه بنفسه فلا يشرع لنفسه بل إن هناك أفراداً قليلين يشرعون ويحكمون على التشريعات، ولا هو يدير دولة حسب تشريعاته وإنما تفرض عليه التشريعات فرضا ويحكم بصرامة القانون وقوة الجندي! وقلنا بأننا نلاحظ في الغرب الديمقراطي أن كل فئة من فئات الشعب غير راضية عن القوانين التي فرضت عليها والأصل حسب الديمقراطية أن تكون كل فئة هي على الأقل هي المشرعة للقوانين المتعلقة بها أو أن يؤخذ رأيها فيما يتعلق بها! ولكن لا هذا ولا ذاك يحدث، وإنما تفرض عليها القوانين فرضا. ويترك لكل فئة حق الاحتجاج والإضراب في محاولة للتنفيس حتى لا تقوم ضد القانون وضد الدولة وإذا نجحت في إضرابها واحتجاجاتها تلبى لها بعض المطالب وليس كلها وتعطى بعض العلاوات لا كلها.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع