- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
لجنة الحريات الفردية والمساواة؛
ركوب على آلام الشعب ووعود زائفة بجنة الدجال!
لقد قامت الثورة التونسية على خلفية المطالبة بالحرية والكرامة المساواة، وقد جاء دستور 14 كانون الثاني/يناير 2014 معبرا حسب زعمهم عن هذه التطلعات المشروعة، وهذا هو المدخل الذي اعتمدته لجنة الحريات الفردية والمساواة في تشريعها لقوانين ما أنزل الله بها من سلطان، لكن الواقع المعاش وردة فعل الشارع تجاه مقترحاتها القذرة تبرز مدى خور تفكير أعضائها وسطحيته؛ فالشعب لم يطالب بحرية وكرامة ومساواة تسلخه عن دينه وتجعله يتنكر لهويته الإسلامية وعقيدة "لا إله إلا الله" بل على العكس من ذلك فإن خروجه كان للمطالبة بحرية ممارسة شعائره الدينية الإسلامية بكل حرية ودون مخبر على كل باب يسجل حركات وسكنات كل من صلى وصام وتصدق وزكى... وكذلك خروجه كان للمطالبة بالمساواة ليس في الميراث ولكن المساواة في تحصيل الرزق والعيش الكريم الحر دون أن تتسلط عليه عصابات "الطرابلسية" آنذاك ودون احتكار لموارد البلاد ومقدراتها من قبل النظام الحاكم وزمرته على حساب الشعب المثكول، وفي هذه المطالب التي خرج من أجلها وقام بثورة ظن أنه سيضمن كرامته وعزته، لكن هيهات فقد جرت الرياح بما لا تشتهي السفن وبرزت لجنة الحريات الفردية والمساواة يوما في ثياب الواعظين تمشي في الأرض تهذي وتسب المسلمين وتقول يا عباد الله توبوا إنه تقرير حكيم فمخطئ من ظن يوما أنّ للّجنة ديناً!
وكيف يكون لها دين تدين به وهي ترتدي ثوب النفاق وتدعي على الله كذبا وتطعن في القرآن وفي سنة خير الأنام وتقر قوانين وضعية تخلط الحابل بالنابل وتعيث في الأرض فسادا وتدعو للمساواة التامة بين المرأة والرجل وتحمل في طياتها مغالطات وافتراءات على أحكام الله؟!
فحكم الميراث في الإسلام ليس مبنياً على الاجتهاد كما ادعت اللجنة بل هو حكم ثابت بنص القرآن القطعي الدلالة والقطعي الثبوت، أما تقرير اللجنة فما هو إلا اجتهاد شيطاني في تحوير النص القرآني إذعانا منها لإملاءات صندوق النقد الدولي وقرارات الأمم المتحدة لمزيد تكريس التبعية والارتهان للأجنبي عبر تمرير مخططات مشبوهة ليست سوى حرب صليبية بأيادٍ عربية.
وإن عدنا لموضوع المساواة في الميراث الذي ركزت اللجنة اهتمامها عليه فلا نفهم منه إلا حرصها الشديد على مزيد تعميق الهوة الاقتصادية بين الأفراد في المجتمع عبر تكريس تعاليم النظام الرأسمالي الذي يقوم على حرية التملك حيث تكون النفعية أساس أعماله. أما أحكام الميراث في الإسلام فقد جاءت عامة شاملة حيث أوجدت معالجات صحيحة لأزمات اقتصادية.
فالإرث في الإسلام وسيلة من وسائل تفتيت الثروة وهذا ليس علة له بل هو بيان لواقعه، وهذا التفتيت يمكن أن ينتفع به جميع الورثة حسب ما أقره الشرع وبينه، وبذلك يقضي الإسلام على التفاوت والطبقية في المجتمع فيُستأنف تبادل المال في دورة اقتصادية بين الناس ولا يُحفظ في شخص معين تتجمع لديه الثروات.
أما فيما يخص الجزء الثاني من القانون وهو الحريات فقد أبدعت اللجنة في انفتاحها ومحاولاتها الحثيثة لإرضاء أسيادها من المنظمات والجمعيات الغربية! قال الله تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾. [سورة البقرة: 120] وسندها في ذلك فقه القضاء الأوروبي والكندي والأمريكي الذي يقر باستقلالية الفرد ويعتمد الديمقراطية نظام حياة، فهي الضامن له لتوفير الحريات العامة وهي: حرية التملك التي تقوم على النفعية والربح اللامشروط وتكديس رأس المال، وحرية المعتقد والتي طالبت اللجنة في قانونها برفع القيود الدينية والشرعية عن حرية الاعتقاد والتعبد، وثالثا حرية الرأي التي وزنتها اللجنة بمكيالين حيث أقرت بقوانين زجرية شديدة على كل من يتعدى على ديانة الآخر وتحقيرها كعبادة الشيطان والأصنام، وذلك عبر منعها لكل نقد للفن أو للبحوث، وفتح باب التهكم والسخرية من الإسلام عبر إلغاء عقوبة السجن فيما يخص الاعتداء على الأخلاق الحميدة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾. [سورة الكهف: 106] وإلغاء القيود الدينية والأخلاقية عن السينما والمسرح وهذا ما يذكرنا بكاريكاتير صحيفة "شارلي إيبدو" والفيلم المجسِّد للذات الإلهية، قال تعالى: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ [سورة المائدة 13]، وأخيرا الحرية الشخصية التي أوصلت المجتمعات في البلدان الديمقراطية إلى مجتمعات بهيمية منحطة جعلتها في مستوى من الإباحية القذرة والتي اقتدت بها اللجنة وسارت على نهجها فقامت بإلغاء عقوبة السجن فيما يخص البغاء وشجعت على الزنا عبر إقرار حقوق ابن الزنا وإلغاء الفصل 230 من المجلة الجزائية المتعلق بجريمة اللواط والمساحقة... الخ، من القوانين المُسقَطة علينا!
فهذه بعض النماذج التي أنتجتها الديمقراطية من الحريات العامة التي يتغنون بها والتي يحاولون غرسها في المجتمعات الإسلامية، وهي شكل من أشكال وجهها الحضاري الذي يفتخرون به ويدعون إليه ويحملونه إلى العالم ليشاركهم فيه، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على مدى فساد هذه الديمقراطية وعفنها ونتن رائحتها.
فالغرب الكافر يحمل العداء الشديد للإسلام والمسلمين، فأكل الحقد اللئيم على الأمة الإسلامية كبدَه واستطاع أن يوجد لأفكار الديمقراطية المسمومة سوقاً في بلاد المسلمين عبر أبواقها الإعلامية المأجورة وعبر ما يطلق عليه نخبة المجتمع المدني. قال تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾. [آل عمران 118]
هذا كله غيض من فيض مما ورد في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة حيث اكتسب تقريرها من الطول (237 صفحة) ما جعله دستورا جديدا في حد ذاته يصعب على عامة الناس قراءته! وهذا فعل مقصود من لجنة الخراب حتى لا يتسنى للشعب المقهور الذي جعلته سياسة الدولة الفاشلة لاهثاً ليلا نهارا وراء لقمة العيش فلا يتسنى له الاطلاع على بنوده، وهذا ما يدفعنا إلى شحذ الهمم والوقوف وقفة حزم وعزم جنبا إلى جنب بين الإنسان العادي ورجال العلم ورجال القانون والمثقفين المخلصين لدينهم وعقيدتهم لكشف بنود هذا القانون المسموم حتى يعرف القاصي والداني ما يدبر وراء الكواليس وما يحاك في الغرف السوداء وفي السفارات الأجنبية، للمسلمين لطمس البقية المتبقية من هويتنا الإسلامية وسلخنا عن عقيدتنا وتدمير الأسرة المسلمة التي هي عماد المجتمع وركيزته والتي يريدون تفتيتها لتكون معول الهدم في ظهر الأمة وإفراغ الإسلام من محتواه الثقافي والسياسي التشريعي والحضاري وتقزيمه ليكون دينا بالمعنى الغربي فيحصر دوره في المساجد (دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر). قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. [المائدة: 50]
فيا حرائر تونس ويا شبابها ويا أمة الإسلام! لنوحد الصفوف ونتوحد على إعلاء كلمة الله ونقف جدارا منيعا لصد كل من يحاول تغريبنا والمساس بديننا. قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
فلا لتغيير أحكام الله، ولا لتحريف آيات الله...
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
آمال بوليلة – تونس