- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
طموحات كيان يهود التوسعية بين الواقع والتحديات
إن الذي أنشأ كيان يهود ورعاه هو بريطانيا وفرنسا وأمريكا؛ ليكون رأس حربة موجهة لقلب البلاد الإسلامية وخنجرا مسموما في قلب الأمة الإسلامية محدثا جرحا نازفا، وأرادوا له أن يبقى ينزف ولا يندمل فأمدوا هذا الكيان بكل سبل الحياة، وتعتبره الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، شريكا استراتيجيا في المنطقة.
إن إنشاء كيان يهود وسيلة لضمان استمرار النفوذ الغربي في المنطقة بعد انتهاء الاستعمار التقليدي واستبدال استعمار جديد به وبشكل جديد، فوجود كيان سياسي قوي، مدعوم غربيا، في قلب البلاد الإسلامية يحقق أهدافا استراتيجية، مثل السيطرة على الموارد والطاقة (النفط)، وضمان تفوق الغرب عسكريا وسياسيا في المنطقة وإضعاف الوحدة الإسلامية والحيلولة دون إقامة الخلافة.
والدعم الغربي لكيان يهود لم يقتصر على الجوانب السياسية والعسكرية، بل شمل دعما اقتصاديا وتقنيا هائلا، وهناك دور ديني للإنجيليين بدعمه في الغرب، خصوصا في الولايات المتحدة. حيث يؤمن العديد من الإنجيليين بأن دعم الكيان يعجل بعودة المخلّص وفقا لمعتقداتهم الدينية. هذا الدعم لا يتوقف عند السياسة، بل يمتد إلى تمويل المشاريع، بما في ذلك المستوطنات في الضفة الغربية. وهذا الدعم يستخدم لتبرير سياسات الاحتلال والاستيطان ما يعمق معاناة الفلسطينيين ويزيد من تعقيد الصراع. والغريب في هذا الأمر أن هذه النظرة الدينية تعزز سياسات تقوم على الظلم والتسلط، حيث يبرر توسع يهود في الضفة والاعتداء على حقوق الفلسطينيين كجزء من "خطة إلهية" حسب زعمهم، وهذا الدعم العقدي يجعل كيان يهود في موقف أقوى دوليا، لكنه يزيد من تعقيد القضية الفلسطينية ويعمق معاناة الفلسطينيين والشعوب العربية المحيطة.
ومنذ تأسيس كيان يهود عام 1948، ارتبطت سياساته وطموحاته الجغرافية بمفاهيم تاريخية ودينية توراتية عنده تشير إلى الرغبة في التوسع على حساب جيرانه. هذه الطموحات تتجلى في بعض الخطابات السياسية التي تروج لفكرة "إسرائيل الكبرى" التي تشمل أراضي من مصر والسعودية ولبنان وسوريا، بل وحتى العراق والأردن. ومع ذلك، يبقى تحقيق هذه الرؤية تحديا كبيرا، بل إنه شبه مستحيل، في ظل الواقع الديموغرافي والسياسي للمنطقة، فإن هذه الأفكار تصطدم بواقع صعب فعلى الرغم من القوة العسكرية والتكنولوجية التي تتمتع بها دولة يهود، إلا أن عدد سكانها، الذي يقدر بحوالي عشرة ملايين نسمة، يمثل عائقا كبيرا أمام أية محاولات للتوسع في مناطق ذات كثافة سكانية عالية مثل الدول العربية المحيطة.
وهنالك تحديات كبيرة بالرغم من الدعم الكبير لهذا الكيان من كل دول الغرب وعملائهم في الدول العربية، وهذه التحديات داخلية وخارجية؛ أما الداخلية فهي مستمرة منذ سنوات طويلة منذ بداية الانتداب البريطاني وإلى يومنا هذا والصراع دموي وعنيف لا يكاد يتوقف. ورغم صغر مساحة فلسطين لكن ارتباط أهلها والمسلمين عقائديا بها ووجود المسجد الأقصى ومكانته في عقيدة المسلمين، شكلت مصدرا دائما للصراعات والمقاومة. والتحديات الخارجية تتمثل في عدم قدرته على التوسع للعجز الديموغرافي والاقتصادي، وهذا الواقع يطرح تساؤلات حول قدرة كيان يهود على إدارة أراض أوسع أو السيطرة على سكانها إذا قرر التوسع. إضافة إلى ذلك، فإن الدول المحيطة به، مثل مصر والأردن وسوريا ولبنان، تضم ملايين السكان، ما يجعل أي محاولة للتوسع مستحيلة من الناحية العملية، فكيان يهود رغم قوته العسكرية، لا يمتلك الموارد البشرية أو الاقتصادية اللازمة للسيطرة على هذه المناطق عسكريا والتمدد في هذه المساحات الشاسعة. فهذه المساحات أكبر بكثير من قدراته، ولكنه يستطيع أن يهيمن على شعوب المنطقة ومقدراتها من خلال حكامها، لذلك كان يبني نفسه على أنه أقوى قوة رادعة في المنطقة بمساعدة أمريكا وجل دول الغرب.
في المقابل، يبدو أن أمريكا قد لعبت دورا رئيسيا في تحجيم كيان يهود جغرافيا لمعرفتها بصغره من حيث العدد والإمكانيات الديموغرافية بدءا من اتفاقية كامب ديفيد مع مصر عام 1979، مرورا باتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994، وحتى المحاولات الحالية لترسيم الحدود مع لبنان وسوريا، تسعى أمريكا لتحقيق استقرار نسبي في المنطقة عبر تقليص النزاعات الإقليمية. ورغم وجود طموحات توسعية لدى بعض الأطراف في كيان يهود، فإن تحقيق هذه الطموحات يبدو مستحيلا في ظل التحديات الواقعية الديموغرافية، والمقاومة، والضغوط الدولية، وكلها عوامل تجعل هذه الطموحات مجرد أفكار نظرية أكثر من كونها خططا قابلة للتنفيذ. ومع ذلك، يبقى الدعم الغربي، سواء أكان سياسيا أو دينيا، عنصرا أساسيا في استمرار كيان يهود كقوة إقليمية، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.
إن الولايات المتحدة كانت دائما تلعب دورا معقدا في الصراع بين أهل فلسطين ويهود. في بعض الفترات، خاصة خلال تسعينات القرن الماضي، أظهرت دعما لفكرة إقامة حكم ذاتي فلسطيني أو حتى نواة لدولة فلسطينية، كما ظهر في اتفاقيات أوسلو (1993) وهذه الاتفاقيات منحت الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن من المهم أن نفهم أن هذا الدعم لم يكن دائما نابعا من رغبة صادقة في تحجيم كيان يهود داخل الأراضي الفلسطينية أو تقليل قوته، بل كان مرتبطا بمصالح أمريكية أوسع في المنطقة، مثل استقرار الشرق الأوسط، وتحسين العلاقات مع الدول العربية، ومواجهة التحديات الإقليمية.
في الوقت نفسه، فإن أمريكا لم تكن جادة تماما في الضغط على كيان يهود للالتزام بحل الدولتين أو وقف الاستيطان، وكذلك النظام الدولي، وهم يدركون أن أي توسع لكيان يهود سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي وهم يعملون على تحجيم طموحاته التوسعية من خلال اتفاقيات سلام تجارية واقتصادية وتكنولوجية وليس جغرافيا خارج حدود فلسطين.
وفي الختام أقول إن أمريكا والغرب كله ليس قدرا لا يُغلب ولا يقهر، فإرادة الله فوق كل شيء، وإن أحوالنا ستتغير بتوفيق الله وتأييده، ولن يدوم هذا الحال ما دام العاملون المخلصون يصلون الليل بالنهار لإقامة هذا الدين من جديد باستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الإسلام وبالثقة بالله العزيز الجبار قاهر الجبابرة وناصر أوليائه. وسيهزم الجمع ويولون الدبر، فأحوالنا ليس لها من دون الله كاشفة، فكيدوا أيها الكافرون وامكروا كيف شئتم. قال تعالى: ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ وقال سبحانه: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد نزال (أبو أسامة)