خبر وتعليق هل هذا ما أردتموه يا مسلمون من ثوراتكم: بأن يمنع تأسيس الأحزاب على أساس الإسلام، وأن يمنع إقامة النظام على هذا الأساس؟!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في 24/4/2012 أعلن النظام في ليبيا بعد الثورة على لسان عضو اللجنة القانونية بالمجلس الانتقالي مصطفى لندي قانونا لتأسيس الأحزاب السياسية يحظر فيه إقامة أحزاب على أساس ديني أو جهوي أو قبلي قائلا: "إن الشرط الأساسي هو ألا تبنى الأحزاب والكيانات السياسية على أساس جهوي أو قبلي أو ديني، وألا تكون امتدادا لأية أحزاب من خارج البلد..". وبعد ثلاثة أيام أعلن عن تأجيل صدور هذا القانون.
التعليق: نريد أن نلفت الانتباه في هذا التعليق إلى النقاط التالية:
1. إن هذا القانون يوجّه ليبيا نحو النظام العلماني، وإذا ما أُقرّ فإنه يثبت أن النظام القائم هو علماني. حيث يمنع أن يقوم الأمر على أساس الدين. فأهل ليبيا يدينون بدين الإسلام الحنيف. فيمنع هذا القانون أهل البلد المسلمين من أن يمارسوا العمل السياسي على أساس دينهم. ويكون عملهم السياسي على أساس غير دينهم الإسلام، أي حسب قوانين الكفر. وذلك ما كان على عهد الطاغية الهالك القذافي حيث كان يحظر العمل السياسي على أساس الدين بصورة أخرى حيث كان يمنع العمل الحزبي، وكان ينزل أقصى العقوبات من سجن وقتل وتعذيب في حق الذين يعملون في حزب سياسي مؤسَّس على أساس الدين، أي على أساس الإسلام، فأعدم العديد من المنتسبين لهذه الأحزاب، وخاصة شباب حزب التحرير، وهذا القانون لنظام ما بعد القذافي يساوي قانون الطاغية الهالك، إلا أنه أسوأ منه بحيث يسمح للعمل الحزبي على غير أساس الدين الإسلامي فيعطي الفرصة لنشر الأفكار غير الإسلامية بين أهل البلد المسلمين. فإنه يُشتمّ من هذا النظام رائحة تشبه نظام ذاك الطاغية وهو في بداية تكوينه إلى أن يظهر ويقوى فسوف ينزل العقوبات فيمن يمارس النشاط السياسي على أساس الإسلام. والقذافي منع العمل الحزبي على أساس الدين بعد أكثر من ثلاث سنوات من انقلابه الذي قام به عام 1969. ولكن النظام الجديد يريد أن يكون أشد من النظام البائد تطرفا في عدائه للعمل السياسي على أساس الدين الإسلامي!
2. هذا القانون يساوي بين الدين والعنعنات الجاهلية العفنة من جهوية وقبلية وعرقية. فالدين الإسلامي عقيدة ينبثق عنها نظام للحياة، يتضمن نظام الحكم والاقتصاد والتعليم والنظام الاجتماعي ونظام العقوبات والسياسة الخارجية؛ فيعالج كافة مشاكل الإنسان ويرعى شؤونه الدنيوية والأخروية. فكيف يساوَى بينه وبين النعرات والعنعنات الجاهلية، وهي التي يحرمها الدين الإسلامي ويحاربها حربا لا هوادة فيها؟! والإسلام قيادة فكرية ناجحة نجاحا منقطع النظير لا يميز بين الناس ويقودهم بالفكر، فقد دمج كافة القوميات والأعراق والقبائل في بوتقة الإسلام، بل صهرهم فيها، فأصبحوا بنعمة الله إخوانا في أمة واحدة حملت رسالة الهدى والحق للعالم كله. والإسلام لا يعرف الحدود التي رسمها المستعمر حتى يقال أنه يمنع إقامة أحزاب امتدادا لأحزاب من خارج البلد!
3. يلاحظ في كل البلاد العربية التي حصلت فيها الثورات أنه عندما تصدر الأنظمة الجديدة قوانين تتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية فإنها أول ما تضع فيه حظر تأسيس الأحزاب على أساس الدين أي على أساس الإسلام؛ لأن هذه البلاد غالبية أهلها مسلمون. والنصارى حسب إحصاءات الغرب نزل تعدادهم في العالم العربي إلى 5%. وإن قيل أنهم سيؤسسون أحزابا سياسية على أساس ديني وهذا غير متصور لأن الدين النصراني لا يحوي نظاما للحياة فهو ليس بعقيدة روحية سياسية كالإسلام. بل المنتسبون للدين النصراني لا يسعهم إلا أن يؤسسوا أحزابا علمانية. فالحزب المسيحي الديمقراطي في ألمانيا حزب علماني ومن ينتسب له عليه أن يتبنى أفكاره العلمانية. ولا يحمل من النصرانية إلا الاسم. حتى إن النصرانية ليست من شروط العضوية فيه. فهو يوجه دعوته ودعايته لأبناء المسلمين القاطنين في البلاد لكسبهم لعضويته، وفيه بالفعل أشخاص من أبناء المسلمين انتسبوا له وتبنوا أفكاره وبرامجه. وعندما أعلن في مصر عن حظر تأسيس الأحزاب على أساس ديني رحب الأقباط بذلك. لأنهم سوف لا يمارسون السياسة على أساس دينهم بل سيؤسسون أحزابا علمانية يكون غالبية أعضائها من المسلمين. وهذا ما فعله نجيب سايروس الذي أصبح مليارديرا هو وغيره من عائلته على عهد الطاغية الساقط حسني مبارك الذي كان يمنع تأسيس الأحزاب على أساس الدين.
4. إن المفروض في البلاد الإسلامية ومنها العربية أن يكون تأسيس الأحزاب السياسية فيها على أساس العقيدة الإسلامية وأن تحصر أفكارها في الأفكار النابعة من هذه العقيدة، وأن تكون برامجها وأهدافها تبعا لهذه العقيدة، وأن يمنع تأسيس الأحزاب على غير الإسلام أو أن تكون لديها توجهات أو سمات أو أفكار غير إسلامية من علمانية ووطنية وقومية وجهوية وعرقية وقبلية وتعصبات مذهبية. فالغرب الذي كان يدين غالبية أهله بالدين النصراني فصل دينه عن حياته السياسية لأنه لا يتضمن نظاما للحياة، وقد اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله يشرعون لهم الدين ويتحالفون مع الملوك والأمراء، فكان نتيجة ذلك أنْ ظهر الاستبداد الديني من رجال الكنيسة والاستبداد السياسي من الملوك والأمراء، فقامت ضدهم ثورات من قبل شعوبهم فأسقطتهم وأقامت النظام العلماني الديمقراطي. ولكن لم يظهر مثل ذلك في الإسلام ولا في تاريخ دولته العريقة التي امتد حكمها على ما يزيد 13 قرنا. فقد حرم الاستبداد الديني ولم يجعل العلماء مشرعين، بل هم مجتهدون يخطئون ويصيبون، فتقبل اجتهاداتهم وتُردّ، وجعل الربوبية لله الواحد الذي له الخلق والأمر. وحرم الاستبداد السياسي فكان الخلفاء يبايعون على شرط طاعة الله ورسوله في سياستهم، ويحاسبون على مدى طاعتهم تلك، وطاعة الناس لهم كانت مرتبطة بمدى طاعة الحكام لله ورسوله. فوجد العدل وساد الأمن والأمان وأُعطيت الحقوق لأهلها. وكانت هناك أحزاب إسلامية عديدة تمارس عملها، وإن ظهرت بعض الأحزاب ممن تحمل السلاح لخطأٍ في الفهم لديها.
5. الأصل في الأحزاب السياسية عدم حمل السلاح وعدم القيام بالأعمال المادية وتكتفي بالعمل السياسي والفكري البحت. وهذا ما طلبه الإسلام في دعوته لتأسيس الأحزاب بأن تدعو إلى الخير (الإسلام) وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة وتجادل بالتي هي أحسن، وأن تدعو إلى الله على بصيرة، وأن لا تركن إلى الذين ظلموا ولا تشاركهم في الحكم ولا تسكت عنهم، فتقول الحق ولا تخشى في الله لومة لائم. فكان حزب الصحابة رضوان الله عليهم من هذا القبيل، وكذلك من تبعهم من التابعين وتابعي التابعين.
6. كلمة أخيرة نوجهها لأهلنا في ليبيا ولغيرهم من شعوبنا الإسلامية التي ثارت على الطغاة ونسأل: هل قمتم بثوراتكم على شخص القذافي أو على شخص حسني مبارك أو على شخص ابن علي أو على شخص علي صالح وعلى بعض المقربين من هؤلاء الأشخاص فقط وتركتم النظام الذي يجعل الحكام طغاة لطبيعته التي تخالف فطرة الإنسان التي تتوافق معها عقيدة الإسلام الروحية السياسية؟! وهل قبلتم بنظم هي امتداد للانظمة الساقطة تجعل قوانينها قوانين طاغوت ما أنزل الله بها من سلطان؟! أم أردتم إقامة نظام يزيل الظلم ويقيم العدل ويحق الحق ويزهق الباطل ويعيد الكرامة للإنسان التي كرمه الله بها؟! والمعلوم أنكم أردتم الأخيرة. فإذنْ كيف تقبلون بمنع إقامة الأحزاب على أساس الإسلام، بل كيف تقبلون بإقامة نظام على غير أساس الإسلام؟!