- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح251) يكون منهاج التعليم واحداً، ولا يسمح بمنهاج غير منهاج الدولة
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الوَاحِدَةِ وَالخَمْسِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "يَكُونُ مِنهَاجُ التَّعلِيمِ وَاحِداً، وَلَا يُسْمَحُ بِمَنَاهِجَ غَيرِ مَنَاهِجِ الدَّولَةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 176: الفُنُونُ وَالصِّنَاعَاتُ قَدْ تُلْحَقُ بِالعِلْمِ مِنْ نَاحِيَةٍ كَالفُنُونِ التِّجَارِيَّةِ وَالـمِلَاحَةِ وَالزِّرَاعَةِ، وَتُؤخَذُ دُونَ قَيدٍ أَوْ شَرْطٍ، وَقَدْ تُلْحَقُ بِالثَّقَافَةِ عِندَمَا تَتَأَثَّرُ بِوُجْهَةِ نَظَرٍ خَاصَّةٍ كَالتَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ، فَلَا تُؤْخَذُ إِذَا نَاقَضَتْ وُجْهَةَ نَظَرَ الإِسْلَامِ.
المادة 177: يَكُونُ مِنهَاجُ التَّعلِيمِ وَاحِداً، وَلَا يُسْمَحُ بِمنْهَاجٍ غَيرِ مِنْهَاجِ الدَّولَةِ. وَلَا تُمنَعُ الـمَدَارِسُ الأَهلِيَّةُ مَا دَامَتْ مُقَيَّدَةً بِمنْهَاجِ الدَّولَةِ، قَائِمَةً عَلَى أَسَاسِ خُطَّةِ التَّعلِيمِ، مُتَحَقِّقاً فِيهَا سِيَاسَةُ التَّعلِيمِ وَغَايَتُهُ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ التَّعلِيمُ فِيهَا مُختَلَطاً بَينَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ لَا فِي التَّلَامِيذِ، وَلَا فِي الـمُعَلِّمِينَ، وَعَلَى أَنْ لَا تَختَصَّ بِطَائِفَةٍ أَو دِينٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ عُنصُرٍ أَو لَونٍ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ السَّادِسَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّابِعَةُ وَالسَّبْعُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتَينِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولاً: المادة 176: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ الـمَادَّةِ الثَّانِيَةِ وَالسِّتِّينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ عُمُومُ الأَدِلَّةِ الَّتِي أَبَاحَتِ العِلْمَ، وَقَاعِدَةُ مَنْعِ الفَردِ الوَاحِدِ مِنَ الشَّيءِ الـمُبَاحِ إِذَا حَصَلَ مِنهُ ضَرَرٌ، لِأَنَّ الفُنُونَ وَالصِّنَاعَاتِ مَعَارِفُ فَهِيَ مُبَاحَةٌ يَشْمَلُهَا عُمُومُ أَدِلَّةِ العِلْمِ. فَإِذَا أَوصَلَتْ إِلَى ضَرَرٍ حِينَ تَتَأَثَّرُ بِوُجْهَةِ نَظَرٍ خَاصَّةٍ تُمنَعْ. هَذَا إِذَا لَـمْ يَرِدْ نَصٌّ بِتَحرِيـمِهَا. أَمَّا إِذَا وَرَدَ نَصٌّ بِتَحْرِيـمِهَا كَرَسْمِ ذِي رُوحٍ مِنْ إِنسَانٍ وَحَيوَانٍ وَطَيرٍ وَغَيرِهَا أَوْ نَحْتِ ذِي رُوحٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ لِلأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّصوِيرِ نَـهْياً جَازِماً وَمِثْلُهُ النَّحْتُ.
ثانياً: المادة 177: إِلزَامُ الرَّعَايَا بِـمِنهَاجٍ وَاحِدٍ لِلتَّعلِيمِ أَمْرٌ مُبَاحٌ، لِأَنَّهُ مِنَ الـمُبَاحَاتِ الَّتِي جُعِلَ لِلإِمَامِ أَنْ يُلزِمَ النَّاسَ بِأُسْلُوبٍ مُعَيَّنٍ فِيهَا، وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانٍ رضي الله عنه فَقَدْ نَسَخَ الـمَصَاحِفَ، وَبَعَثَ بِهَا إِلَى الآفَاقِ. فَالعُلُومُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ، وَطُرُقُ التَّعلِيمِ كُلُّهَا مُبَاحَةٌ، لِأَنـَّهَا كُلَّهَا مِنَ الـمَعَارِفِ. وَلَكِنَّ انتِظَامَ هَذِهِ الـمَعَارِفِ الَّتِي تُعَلَّمُ أَوِ الَّتِي يَجرِي التَّعلِيمُ بِحَسَبِهَا فِي بَرَامِجَ مُعَيَّنَةٍ هُوَ أُسلُوبٌ لِتَنظِيمِ التَّعلِيمِ، مِثْلُ أُسلُوبِ تَنظِيمِ دَوَائِرِ الدَّولَةِ. فَلِلإِمَامِ أَنْ يَتَّخِذَ أُسلُوباً مُعَيَّناً لَـهَا يُلزِمُ النَّاسَ بِهِ لِأَنَّهُ مِمَّا يَدخُلُ فِي رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، فَطَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَاجِبَةٌ.
أَمَّا مَنْعُ الدَّولَةِ لِلتَّعلِيمِ الَّذِي يَسِيرُ عَلَى مَنَاهِجَ غَيرِ مَنَاهِجِهَا فَدَلِيلُهُ أَنَّ مَا جُعِلَ لِلإِمَامِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِرَأيِهِ وَاجتِهَادِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ لِلقِيَامِ بِهِ أُسلُوباً مُعَيَّناً، وَإِذَا اختَارَ كَانَتْ طَاعَتُهُ فَرْضاً، وَتَحرُمُ مُخَالَفَتُهُ. إِذْ إِنَّ طَاعَتَهُ الـمَذكُورَةَ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ بِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأولي الأمر منكم). (النساء 59) وَالـمَذكُورَةَ فِي قَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ يُطِعْ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ)، وَقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ». (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ) إِنَّما هِيَ الطَّاعَةُ لَهُ فِيمَا جُعِلَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِرَأيِهِ وَاجتِهَادِهِ، وَالطَّاعَةُ لَهُ فِي هَذِه الحَالِ هِيَ طَاعَةٌ لِأُولِي الأَمْرِ.
أَمَّا الأَحكَامُ الشَّرعِيَّةُ كَالـمَندُوبَاتِ وَالـمُبَاحَاتِ وَالوَاجِبَاتِ وَالـمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّ طَاعَتَهُ فِيهَا إِذَا أَمَرَ بِهَا هِيَ طَاعَةٌ للهِ وَلَيسَتْ طَاعَةً لَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ لَا يُطَاعُ: رَوَى نَافِعُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ». (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ)، وَأَخرَجَ أَحْمَدُ بِإِسنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عِمْرَانَ بِنِ حُصَينٍ: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي رِعَايَةِ الشُّؤُونِ هُوَ فِيمَا جُعِلَ لِرَأيِهِ وَاجتِهَادِهِ، وَطَاعَةُ أَمْرِهِ الـمَأْمُورُونَ بِهَا هِيَ فِي هَذِهِ الأُمُورِ، فَإِذَا رَعَى شُؤُونَ الـمُبَاحِ عَلَى وَجْهٍ مُعَيَّنٍ كَوَضْعِ بَرنَامَجٍ مُعَيَّنٍ، وَأمرُهُ بِهِ وَنَهيُهُ عَنْ خِلَافِهِ كَانَتْ طَاعَتُهُ وَاجِبَةً.
هَذَا مِنْ حَيثُ تَوحِيدُ مِنْهَاجِ التَّعلِيمِ. أَمَّا مِنْ نَاحِيَةِ إِبَاحَةِ الـمَدَارِسِ الأَهلِيَّةِ، فَإِنَّ الرَّسُولَ r كَانَ يُرسِلُ مُعَلِّمِينَ لِلنَّاسِ يُعَلِّمُهُمُ الإِسلَامَ، وَكَانَ يَسْمَحُ لِلمُسلِمِينَ أَنْ يُعَلِّمَ بَعضُهُمْ بَعْضاً، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ إِنسَانٍ أَنْ يُعَلِّمَ مَنْ يَشَاءُ بِأُجْرَةٍ وَبِغَيرِ أُجْرَةٍ. وَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ مَدْرَسَةً، وَلَكِنَّهُ كَسَائِرِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ مُلْزَمٌ بِمِنْهَاجِ الدَّولَةِ، أَيْ بِالـمِنهَاجِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الخَلِيفَةُ. لِلدَّلِيلِ الـمَارِّ مِنْ طَاعَةِ الإِمَامِ فِيمَا يَأمُرُ بِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيفَ إِذَنْ يُعَلِّمُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَولَادَهُمْ دِينَهَمُ إِذَا كَانَتِ الـمَدَارِسُ الأَهلِيَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ وَفْقَ مِنْهَاجِ الدَّولَةِ الإِسلَامِيَّةِ، كَانَ الجَوَابُ أَنَّهُمْ لَا يُمنَعُونَ مِنْ تَعَلُّمِ دِينِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ فِي بُيُوتِهِمْ وَأَمَاكِنِ عِبَادَتِهِمْ، أَيْ فِي غَيرِ الحَيَاةِ العَامَّةِ كَالـمَدَارِسِ، فَهَذِهِ تَسْرِي عَلَيهَا سِيَاسَةُ التَّعلِيمِ لِلدَّولَةِ.
وَقَدْ كَانَ تَعَلُّمُ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِعِبَادَاتِـهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ وَكُنُسِهِمْ مَوجُوداً زَمَنَ الرَّسُولِ r وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَقَد أَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ t قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمِدْرَاسِ، فَقَامَ النَّبِيُّ r فَنَادَاهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا...»، وَالـمِدْرَاسُ هُوَ مَوضِعُ عِبَادَتِـهِمُ الَّذِي كَانُوا يَقرَؤُونَ فِيهِ التَّورَاةَ، وَكَذَلِكَ يَجتَمِعُونَ فِيهِ وَيُصَلُّونَ فِي أَعيَادِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ: "وَالـمِدْرَاسُ: الـمَوضِعُ يُقْرَأُ فِيهِ القُرآنُ، وَمِنهُ مِدْراسُ اليَهُودِ"، أَيْ الَّذِي يَقْرَأُ اليَهُودُ فِيهِ تَورَاتَـهُمْ. وَفِي لِسَانِ العَرَبِ: "...وَفُهْرُ اليَهُودِ بِالضَّمِّ مَوضِعُ مِدْرَاسِهِمُ الَّذِي يَجتَمِعُونَ إِلَيهِ فِي عِيدِهِمْ يُصَلُّونَ فِيهِ". أَي أَنَّهُمْ كَانُوا زَمَنَ الرَّسُولِ r لَا يُمنَعُونَ مِنْ تَعَلُّمِ دِينِهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ وَكُنُسِهِمْ. وَقَدِ استَمَرَّ ذَلِكَ فِي عَهْدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، فَقَدْ أَخرَجَ عَبدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ t "أَنَّهُ رَأَى قَوماً سَدِلِينَ فَقَالَ: كَأَنَّـهُمُ اليَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهْرِهِمْ"، قُلنَا لِعَبدِ الرَّزَّاقِ مَا فِهْرُهُمْ قَالَ: كَنَائِسُهُمْ، أَيْ أَنَّ عَلِيّاً t وَصَفَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ "سَدِلِينَ" كَاليَهُودِ الَّذِينَ يَخرُجُونَ مِنْ كُنُسِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُؤَدُّوا عِبَادَتَـهُمْ فِيهَا... أَيْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ دِينَهُمْ وَطُقُوسَ عِبَادَتِـهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ وكُنُسِهِمْ، أَوْ فِي أَمَاكِنَ مُلْحَقَةٍ بِهَا، وَلَم تَكُنْ لَـهُمْ مَدَارِسُ خَاصَّةٌ بِالـمَعْنَى الـمَعرُوفِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.