الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

ورقة حزب التحرير السياسية الثانية لأهل الشام المؤمنين المرابطين: معاً لإسقاط طاغية الشام وإقامة حكم الإسلام «خلافة على منهاج النبوة»

قال عليه الصلاة والسلام: «تكونُ النُّـبُوَّةُ فيكمْ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون،ثمّ يرْفعُها اللّهُ إذا شاءَ أنْ يرْفَعَها.ثـُـمّ تكونُ خِلافةً على مِنهاج النبوَّة، فتكونُ ما شاءَ اللّهُ أنْ تكون، ثـُمّ يرْفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثـُمّ تكونُ مُلْكاً عاضّاً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثـُمّ يرفعُها إذا شاءَ الله أنْ يرفعَها. ثـُـمّ تكونُ مُلْكاً جَبريَّةً، فتكونُ ما شاءَ الله أنْ تكونَ، ثـُـمّ يرفعُها إذا شاءَ أنْ يرفعَها. ثـُـمّ تكونُ خِـلافـةً على مِنهـاج النُّـبُوَّة، ثم سكت» (أخرجه أحمد).


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:


هذه ورقةٌ سياسيّةٌ نقدّمها لأهلنا الصامدين في الشام، بعد مرور ثلاث سنين طوالٍ على انطلاقة ثورتهم المباركة، علّها تنير لهم سبيل الخلاص، وتعينهم على الوصول إلى هدفهم المنشود، رغم ما يعانونه من قتلٍ وبطشٍ وحصارٍ وتجويعٍ وتشريد... سائلين المولى عزّ وجلّ أن ينعم على أمّتنا بنصرٍ منه وفتحٍ قريب، وما ذلك على الله بعزيز.


• مدخل:


في مثل شهر رجب هذا من العام 1342هـ ظنّ الغرب الكافر أنّه قضى على الأمّة الإسلاميّة إلى الأبد، بقضائه على مكمن عزّها ومصدر قوّتها، دولة الخلافة، وتنصيبه على بلاد المسلمين أنظمة حكمٍ عميلةً له، راحت تحكمها بشرائع الكفر، وتمارس عليها أبشع أنواع القهر والظلم والاستعباد، فتلعب دور الوكيل المخلص لموكّله، والموظّف الساهر على تحقيق مصالح سيّده.. بعد أن ظنّ الغرب أنّه قد قضى على هذه الأمّة، صُعق عندما رآها تنتفض من تحت الركام، وتثور على حكّامها الخونة، قطّاع طرقها ومصّاصي دمائها، محاولةً استرداد ما استُلب منها من حقوق، وذلك بأن تُحكم بشريعة الإسلام، فهي الحقّ الذي يعيد إليها كافّة الحقوق.


لكنّ الغرب الكافر كان متيقّظاً لما يحدث، وقارئاً لما يجري قراءةً صحيحة؛ فخوفاً منه على تهاوي عروشه التي بناها في بلاد المسلمين وذهاب نفوذه منها إلى الأبد، وضماناً لاستمرار سيطرته على مجريات الأحداث... لم يألُ جهداً في استخدام كافّة إمكاناته المتاحة من سياسيّين ومفكّرين ومراكز أبحاثٍ ووسائل إعلامٍ، وبادر إلى كلّ بلدٍ قامت فيه الثورة، فاستبدل بالحاكم العميل حاكماً عميلاً آخر، وقال للناس: "ها قد نجحت ثورتكم، وأسقطتم النظام، فعودوا إلى بيوتكم، وانعموا بمنجزات النظام الجديد...".


لقد فعل الغرب ذلك في تونس ومصر وليبيا واليمن، فأجهض ثوراتها تباعاً، رغم ما قدّمته من تضحياتٍ على مذابح التغيير، لتلد أنظمةً عميلةً له كما كانت سابقاتها، ترعى مصالحه، وتحكم بقوانينه، وتبقي على نفوذه قائماً في هذه البلاد.


أمّا الضربة التي لم يكن يتوقّعها الغرب ولا عملاؤه فقد أتته من هاهنا، من بلاد الشام، من صفوة الله من أرضه وفيها صفوته من خلقه وعباده، حين قامت ثورتها المباركة على أيدي فتيةٍ صغارٍ في درعا، ثمّ انتشرت لتعمّ أرجاء سوريا، بعد أن تنادى المخلصون لنصرة إخوانهم المظلومين، مطالبين باسترداد كرامتهم المفقودة، وحرّيتهم من تسلّط شرار الخلق، وحقّهم في الحفاظ على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ومقدّساتهم، وحكمهم بشريعة الله جلّ جلاله، الشريعة التي إذا حكم بها أيّ شعبٍ عادت إليه كافّة حقوقه المسلوبة... فلا نفسٌ تقتل بغير وجه حقّ، ولا مالٌ يغتصب أو يختلس، ولا عرضٌ ينتهك أو يفتضح، ولا يصدّق الكاذب، ولا يخوّن الأمين، ولا ينطق الرويبضة، ولا يلقى حملة الدعوة إلى الله والمجاهدون تحت أطباق الثرى أو في ظلمات السجون...


وانتشرت الثورة انتشار النار في الهشيم، وعمّت المظاهرات المدن والقرى، وثبت الناس على المطالبة بحقوقهم رغم ما تعرّضوا له من قمعٍ عنيف، فلم يزدها القمع إلّا توقّداً واشتعالاً، ولم يزدها طول الأمد إلّا رسوخاً وصلابةً..


وتعامى العالم عمّا يقوم به نظام البغي والإجرام من قتلٍ للثائرين العزّل، ممّا أوصل الأمر إلى درجة عدم الاحتمال؛ فحمل الثوّار السلاح دفاعاً عن حرماتهم ودمائهم وأعراضهم وأموالهم، وشكّلوا الكتائب والألوية المجاهدة، مهدّدين النظام بالسقوط، ممّا أضاف إلى القضيّة أبعاداً أخرى، وجعل أمريكا تهرول مسرعةً، مادّةً يد العون إلى النظام المتهالك، عبر قرارات الأمم المتّحدة بإعطائه المهلة تلو المهلة، وإرسالها المبعوث تلو المبعوث، ريثما يستطيع القضاء على الثورة.. وازداد ولوغ النظام في دماء المسلمين عبر ارتكابه المجازر المتتالية، واستخدامه السلاح الكيماوي، والقصف العنيف بالصواريخ، وإلقاء البراميل المتفجّرة... كلّ ذلك لم يوهن عزائم الثوّار المجاهدين، بل زادهم إصراراً على إيصال ثورتهم إلى برّ النجاة.


• نبذةٌ عن الصراع الدوليّ حول سوريا:


منذ سقوط الخلافة 1342هـ - 1924م، والصراع الدولي على أرض الشام مستمر؛ بين قطبي الاستعمار القديم بريطانيا وفرنسا حتى منتصف القرن الماضي... ثم أزيحت فرنسا عن المشهد السوري، وأُقصيت عن المنطقة... واستمر الصراع بين بريطانيا وبين الاستعمار الجديد أمريكا حتى سبعينات القرن الماضي حيث استطاعت أمريكا تنصيب عميلها حافظ وولده بشار من بعد، ومن ثم أصبح النفوذ الفعلي في سوريا لأمريكا، وأصبح حاكم سوريا يقوم على خدمة مصالح أمريكا، وحفظ أمن دولة يهود، حتى أصبحت الجولان المحتلة أكثر أمناً لليهود من تل أبيب في ظل حافظ وبشار! لقد استطاعت أمريكا إقصاء نفوذ بريطانيا من سوريا، حتى خلال التحركات الحالية في سوريا وثورة أهل الشام على الظلم والطغيان، فأمريكا هي اللاعب الدولي الأساس، وتسير معها الدول الأخرى بتناغم؛ فبريطانيا تدرك أن لا نفوذ لها في سوريا، وإنما تستغل الأحداث الجارية عن طريق تدخل عملائها، وبخاصة قطر، وأقصى ما تطمح إليه أن يكون لها شيء من دور في الحل الذي تنجح في فرضه أمريكا، أي أن بريطانيا تقوم بالتشويش على أمريكا عن طريق عملاء بريطانيا ورجالها لتبقى في صورة الأحداث، ولكي تحصل على شيء من أمريكا، ليس بالصراع كما كان سابقاً، بل بإشعار أمريكا أن لها عملاء يستطيعون التشويش إن لم تعطها أمريكا شيئاً، ولو كان فتاتاً! وحتى هذا التشويش من عملائها قد خفّ شيئا ما، فنشاط قطر (أبرز عملاء بريطانيا) لم يعد بالقوة نفسها قبل أشهر كما يلاحظ بسبب تأثير أمريكا... وأما روسيا، فهي تدرك أن ليس لها، ولا يكون لها، نفوذ في سوريا، بل هي تسير في الاتجاه نفسه الذي ترضاه وتريده أمريكا، والحل الذي تريده أمريكا لن توقفه روسيا، حتى التدخل العسكري إن قررته أمريكا فلن تقف في وجهه روسيا.


وهكذا فإن ما يجري في سوريا اليوم هو من الناحية الفعلية بين: أمريكا وأحلافها وأتباعها وهوامشها من جانب، وبين المخلصين من أهل الشام من جانب آخر، ومع ذلك فكل ما بذله الغرب وعلى رأسه أمريكا، وما بذله عملاء الغرب مجتمعين، بعد أكثر من ثلاث سنوات، هذا الوسع الذي بذلوه لم يستطيعوا به تحقيق أهدافهم باستبدال عميل بعميل لضمان استقرار نفوذهم في سوريا، بل إن أمريكا وأحلافها وعملاءها، بخاصة، والغرب بعامة، بقضه وقضيضه، ينام ويصبح وهو في رعب من صيحات أهل الشام التي تصدع بتأييد الخلافة ودعاتها وإعلاء راياتها المنتشرة في أرض الشام... وبناء عليه، فإنه يمكن القول بكل اطمئنان:


إن الصراع الغالب في سوريا هو صراع حضاري سياسي يدور بين طرفين؛ طرف أمريكا التي يتبعها الطرف الأوروبي وروسيا والعملاء والأتباع، وطرف الأمة المركَّز في أهل الشام... الطرف الأول، يسعى جاهداً لمنع إقامة الخلافة في أرض الشام، وإيجاد نظام علماني كسابقه يسبح بحمد أمريكا والغرب... والطرف الثاني، يسعى جاهداً لإقامة الخلافة في أرض الشام، عقر دار الإسلام، ثم امتدادها إلى بلاد المسلمين، يحكمها نظام إسلامي يسبح بحمد الله القوي العزيز...


طرف يبتغي الشر في أرض الشام، واستعبادهم ونهب ثروتهم... وطرف يبتغي الخير في الأرض وقطع أيدي الغرب بزعامة أمريكا من العبث في أرض الشام، وردّ أولئك الأشرار إلى عقر دارهم إن بقي لهم حينها عقر دار...


هذا هو الصراع والعاقبة للمتقين ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ بإذن الله رب العالمين.


• مكائد ومؤامرات:


وحتّى يصل الغرب الكافر إلى تلك النتيجة المرعبة، بإقامة نظامٍ علمانيٍّ جديد، نراه يكيد ويمكر، ويقوم بعددٍ من الأعمال، فيتسبّب للثورة والثوّار بقيام عددٍ من المشاكل والأزمات. قال تعالى: ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: 30].
أمّا مكائدهم ومؤامراتهم فنذكر منها ما يلي:


1. صناعة ممثّلين سياسيّين للثوّار لا يمثّلونهم، فلا ينطقون بمصالحهم، ولا يعبّرون عن طموحاتهم، بل عملهم هو تقديم التنازلات باسمهم، وبيع قضيّتهم بأبخس الأثمان... ونجد ذلك جليّاً من خلال رؤيتنا أنّ الثورة إسلاميّة التوجّه والنزعة، وأنّ كلمة "الخلافة" باتت على لسان كلّ ثائر... بينما نرى أعضاء ائتلاف المعارضة الذين يدَّعون تمثيل الثورة رسميّاً لا يبرحون يصرّحون بأنّ هدفهم هو دولةٌ علمانيّة، أو دولةٌ مدنيّةٌ ديمقراطيّة... وهذه خيانةٌ ما بعدها خيانةٌ لدماء الشهداء وتضحيات المخلصين.


2. تجميل الائتلاف العلمانيّ ببعض الشخصيّات والحركات المحسوبة على الإسلام، وظاهرها إلى العلمانيّة أقرب.. يمنّونها بتداول الحكم في نظام الكفر القادم مع غيرها من الشخصيّات والحركات العلمانيّة... وهذه جريمةٌ ما بعدها جريمةٌ تقترفها هذه الشخصيّات والحركات (الإسلاميّة)، بمحاولة إضفائها الشرعيّة على تجمّعاتٍ وكياناتٍ سياسيّةٍ غير شرعيّة، ولن تحصد من ورائها إلّا الخيبة والخسران في الدنيا والآخرة. وهذه الحركات (الإسلامية) لسان حالها يقول:


"نرقِّعُ دنيانا بتمزيقِ دينِنا فلا دينُنا يبقى ولا ما نرقِّعُ"


3. الضخّ الإعلامي الكثيف من قبل القنوات المؤثّرة، لدعم فكرة الديمقراطيّة والدولة المدنيّة، ومحاربة وتشويه مشروع الخلافة الإسلاميّة، واستهدافهم في ذلك عموم الناس، لصناعة حاضنةٍ شعبيّةٍ لمشروعهم الخبيث، والتسويق الكبير لفكرة التطبيق التدريجيّ للشريعة كمبرّرٍ للقبول بنظام حكمٍ علمانيٍّ كافر، بحججٍ واهيةٍ كاذبةٍ، منها أنّنا غير قادرين على إقامة الخلافة إذا لم يسمح لنا الغرب بذلك، ولن يسمح، وأنّ الأمّة غير جاهزةٍ لتطبيق الشريعة الآن بسبب بعدها عن الإسلام، وأنّ أغلب الثوّار (بزعمهم) لصوصٌ! فكيف سنقيم بهم الخلافة الراشدة؟ وهكذا يصدق فيهم قوله تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: 52].


4. صناعة مجالس وهيئات عسكريّة ممثّلة للثورة، كان آخرها وزارة الدفاع في ما يسمّى بالحكومة المؤقّتة وهيئة الأركان. ومن شأن هذه الهيئات مراقبة جميع الأعمال العسكريّة للثوّار واحتواؤها وتوجيهها. وعبر دعمها المسموم يتمّ شراء ذمم وولاءات من يقبل بيعها من قادة الكتائب والألوية المقاتلة والضبّاط المنشقّين.. ليتمّ عبرها تشكيل نواة جيش النظام العلمانيّ المقبل الذي يفترض أن يحمي الحكومة القادمة من المخلصين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36].


5. محاولة ربط من يمكن ربطه من قادة الثوّار بالدول الغربيّة مباشرةً، أو بعملائها من الدول المجاورة، عن طريق المال السياسيّ، وتحويل هؤلاء القادة إلى أدوات تعمل لصالح هذه الدول مباشرةً، ممّا يمنعهم من القيام بأيّة أعمال عسكريّة تصبّ في مصلحة الثورة والثوّار، بل يدفعهم إلى العمل للحفاظ على كياناتهم المصطنعة، ومناطقهم التي يسيطرون عليها، ممّا يجعلهم أقرب إلى أمراء الحروب من قادةٍ للثورة على النظام.


6. محاولة صناعة تجمّعاتٍ عسكرية، لتحقيق مصالح آنيّة، كدفع عدوٍ مشتركٍ مثلاً، وأهدافٍ قريبةٍ لا تخدم الوصول إلى الهدف الحقيقي للثورة، بل تصبّ أحياناً بشكلٍ مباشرٍ في مشروع الدولة المدنيّة الديمقراطيّة، وربط هذه التجمّعات من عنقها بحبل الدعم الخارجي، ممّا يسلبها استقلاليّة القرار.


7. إرهاق أغلب الكتائب والألوية في معارك جانبية، بدل التفكير بالنفاذ إلى العاصمة وضرب النظام الضربة القاضية لإسقاطه وإنهاء الحرب الدائرة.


8. التحريض السياسيّ والإعلاميّ والمزاحمة على الدنيا... كل ذلك أحدث شرخاً كبيراً بين القوى مما دفع إلى أكبر فاجعةٍ منيت بها الثورة، وهي الاقتتال المحزن الذي يحدث بين الثوّار ممّا يزهق الأرواح، ويضعف الجبهات، ويرهق المخلصين، ويجعل النظام يتنفّس الصعداء، ويضحك متفرّجاً على المئات يتساقطون في اقتتالٍ داخليٍّ لا مصلحة فيه للإسلام ولا للمسلمين.. بل المصلحة كلّ المصلحة فيه للنظام المجرم ومن ورائه الغرب الكافر.


9. وعلى الصعيد الاجتماعيّ تمّت محاولاتٌ لربط المجالس المحليّة - الثوريّة والخدميّة - في المناطق المحرّرة بالائتلاف والخارج عبر شمّاعة الدعم والمساعدات، واستغلال ذلك سياسيّاً لدعم مشروع الدولة المدنيّة الديمقراطيّة. وتجدر الإشارة هنا إلى الإدارة السيئة لتوزيع المساعدات (الإنسانيّة) في المناطق المحرّرة من قبل منظمّات الإغاثة التابعة لدول الغرب، وإدارتها بشكلٍ مستفزّ يثير نقمة الناس، وقد يؤدّي إلى اضطراباتٍ اجتماعيّةٍ.


• مشاكل وأزمات:


وأمّا انعكاس هذه الأفعال التي يقوم بها الغرب على واقع الثورة، فقد تمثّل بعددٍ من المشاكل والأزمات التي نتجت على الأرض، ومنها:
1. اعتماد قسمٍ لا بأس به من الجماعات المجاهدة على مسألة الدعم الخارجي (المالي والعسكري) لبدء الأعمال القتاليّة، فلا تفتح أيّة جبهةٍ إلّا إذا توافرت الأموال والأسلحة القادمة عبر هيئة الأركان أو الجهات المموّلة ممّا يرهن قرار هذه الجماعات للخارج، ويفتح الباب أمام الجهات المموّلة لتتحكّم بزمان ومكان الجبهات المفتوحة.


2. انشغال قسم آخر من الجماعات المجاهدة بإدارة المناطق المحررة، ممّا يرهقها ويحمّلها أعباء تفوق طاقاتها، ويضطرّها لإقامة مقرّاتها ضمن المناطق السكنيّة؛ فيؤدّي استهدافها من قبل النظام المجرم إلى إثارة النقمة عليها من الناس، فتفقد جزءاً لا بأس به من حاضنتها الشعبيّة.


3. بسبب توافر عدّة عوامل منها طول مدّة الحرب، وتسرّب بعض اليأس إلى النفوس، واعتماد البعض على قرار الخارج في بدء المعارك، وانشغال البعض الآخر بتخديم وتأمين المناطق المحرّرة، تفشّت ظاهرة فتور همم بعض المجاهدين ومرابطتهم في المقرّات، بدل أن يكونوا على الجبهات ليمنعوا النوم من أن تكتحل به عيون المجرمين.


4. انحراف بعض الجماعات المقاتلة عن هدف وجودها، وهو مقاتلة النظام وإسقاطه، وتحوّلها إلى القيام بأعمالٍ الهدف منها التكسّب والربح المادّي بالدرجة الأولى، ممّا أدّى إلى تفشّي ظاهرة فرض الإتاوات على المحروقات والموادّ الغذائيّة خلال نقلها من منطقةٍ إلى أخرى.. ممّا أدى إلى تعميم الاتّهام بذلك عند بعض الناس إلى جميع الثوّار.


5. الاقتتال الذي يحصل بين المجاهدين، إضافةً إلى سوء الأوضاع المادّية وشدّة انهمار براميل الموت وصواريخ النظام على رؤوس العزّل، شكّل عامل ضغطٍ كبيرٍ على الناس في المناطق المحرّرة، دفع بعضهم إلى التفكير بقبول أيّ حلٍّ ينهي هذه المأساة الحاصلة.


6. الضغط الإعلاميّ الكبير، وتصريحات المعارضين العلمانيّين و(الإسلاميّين المعتدلين)، وبعض قادة الثوّار الملمَّعين، وبعض العلماء، جعل بعض الناس يصدّقون أنّه بدون الغرب لن يحدث أيّ تغييرٍ مرجوّ، فلا مانع إذاً من الارتماء في أحضانه، وطلب العون منه... وجعلهم ينسون أنّ كلّ مصائبنا وعذاباتنا في العصر الحديث كان مصدرها الغرب.


قال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: 113].


7. سوء فهم كثيرٍ من الجماعات والهيئات للإسلام، وسوء تطبيقها له، وأخطاؤها الكثيرة باسمه، وعدم تقديمها مشروعاً إسلاميّاً متكاملاً واضح المعالم، كلّ ذلك جعل العلمانيّين والقنوات الإعلاميّة يستغلّونه لتنفير الناس من عودة الحكم بالإسلام.. وانطلت الخدعة على بعض الناس.

8. وجود ما سبق ذكره من المشاكل والعقبات على أرض واقع الثورة، وسوء الأوضاع المعيشيّة، جعل الذين في قلوبهم مرضٌ ممن لا تزال في نفسه روح التأييد للنظام المجرم، جعلهم يطلّون برؤوسهم، ويلومون الناس على ثورتهم، ويذكّرونهم بأسعار ربطة الخبز وجرّة الغاز أيّام النظام، ممّا يشكّل عامل ضغطٍ إضافيٍّ على الناس للقبول بأيّ حلٍّ قادم.

• تذكرة:


ويجدر بنا في هذا المقام تذكير أهلنا في الشام أنّهم ما قاموا بهذه الثورة المباركة إلّا ليصلوا بها إلى آخر المطاف، فيقطفوا ثمارها، وينعموا بخيراتها.. لقد أحرقوا مراكبهم ونفدت خياراتهم، فبات العدوّ من أمامهم والبحر من ورائهم، ولا سبيل لهم إلّا متابعة السير الحثيث، للظفر بالمراد.. أمّا أن يلقوا بعصا الترحال قبل بلوغ المنال، فإنّها لحسرةٌ وندامةٌ. ﴿كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل: 92].


ونهيب بالعلماء الأجلّاء، والوعّاظ والخطباء، حملة الفقه والعلوم الشرعيّة، أن يقوموا بدورهم في هذا المجال، فيشدّوا من عضد المجاهدين، ويثمّنوا تضحيات المخلصين، ويشحذوا همم المقاتلين، ويوجّهوا سيرهم في طريقٍ مستقيمٍ، نحو ما يحفظ دماء الشهداء من أن تذهب سدى، وما يعيد العزّة والكرامة لأهل الشام ومن ورائهم أمّة الإسلام، ويقولوا الحقّ لا يخشوا في الله لومة لائمٍ.. ونربأ بهم أن يكونوا أبواقاً للسلاطين، فيحرّموا ما أحلّ الله، ويحلّوا ما حرّم الله، بحجّة المصلحة حيناً، وعدم القدرة حيناً آخر.. ونحذّرهم من يومٍ كان شرّه مستطيراً.. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 174].


• تبصرة:


أمّا وقد بسطنا الحديث فيما سبق عن جملة المكائد والمؤامرات التي تتعرّض لها ثورة الشام، وما تعانيه بسببها على الأرض من مشاكل وأزماتٍ؛ فنقول وبالله التوفيق:


إنّه من الإحساس بهذه المؤامرات والمعرفة لتلك المشاكل ينطلق الحلّ.. فالتشخيص الصحيح للمرض ومعرفة أسبابه هو أوّل ما يلزم لوضع العلاج.. وإنّنا في حزب التحرير بعد وضع يدنا على الجرح وتشخيص المرض، نقدّم إلى أهلنا في الشام خلاصة ما نراه من حلولٍ ناجعة، من شأنها أن تقلب السحر على الساحر، وتعيد ثوّار العزّة والكرامة إلى موقع المبادرة، فيتقدّموا إلى هدفهم بثباتٍ، وينالوا به رضوان الله عزّ وجلّ.


ولأنّ الفكر يسبق العمل، فالحلّ الشامل الذي نراه يتمثّل فيما يلي:


أوّلاً: في تجديد الإيمان والارتكاز على عدد من الثوابت الإسلامية التي تكمن في صلب عقيدتنا الإسلاميّة وتركيزها والعمل بمقتضاها في أرض الواقع.


ثانياً: في القيام بعددٍ من الخطوات العمليّة التي من شأنها أن توصلنا مباشرةً إلى الهدف المنشود، إن شاء الله تعالى.


• الثوابت والمرتكزات:


فأمّا الثوابت والمرتكزات التي يجب أن نجدّد الإيمان بها، ونركّزها، ونُسَيِّر بها أعمالنا وتصرّفاتنا، فهي ما يلي:


1. نحن أمّةٌ أحيانا الله بالإسلام، وأكرمنا بحمله إلى الأمم الميتة رسالة حياةٍ، فكنّا خير أمّةٍ أخرجت للناس.. لكنّنا وإن غلبَنا الكفرُ حيناً فتعثّرنا وأضعنا سبيل الرشاد، إلّا أنّنا لن نلبث حتّى نهتديَ إليه، بما يتلألأ في جنباتنا من نور الإسلام، ونهبّ فنكمل مسيرتنا في إنقاذ البشريّة الضائعة من براثن ذاك الهلاك المريع. قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: 44].


2. لا توجد مشكلةٌ في حياة المسلمين إلّا وحلّها كامنٌ في ثنايا نصوص شرعنا الحنيف؛ الكتاب والسنّة. وديننا الحقّ يفرض علينا عدم الاعتراف بالشرعيّة الدوليّة، فهي شرعيّةٌ باطلةٌ.. وعدم الاحتكام إلى القانون الدوليّ، فهو قانون كفر.. وعدم اللجوء إلى الأمم المتّحدة لنيل حقوقنا، إذ لم توجد الأمم المتّحدة إلّا لاغتصاب هذه الحقوق.


قال تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 40].


3. إنّ رفع الظلم عن المظلومين لا يكون إلّا بالاحتكام إلى شريعة الله، وإقامة النظام الإسلاميّ العادل الذي يطبّق الشريعة في كلّ مناحي الحياة.. وكلّ نظام حكمٍ آخر، غير هذا النظام، هو نظامٌ ظالمٌ لا يحقّق العدل. ومن يوهم الناس أنّه سيرفع عنهم الظلم بإقامة دولةٍ مدنيّةٍ ديمقراطيّةٍ فهو كاذبٌ مخادعٌ مجافٍ لدين الله، ويجب الحذر والتحذير منه.


4. لن يستطيع أيّ مشروعٍ سياسيٍّ مطروحٍ أن يجمع شتات الثورة السوريّة، ويلمّ شعثها، ويوحّد قواها، بعدما عبث بها العابثون، وبعثر من قوّتها الماكرون سوى مشروع الخلافة الإسلاميّة الذي ينبض به قلب كلّ مسلم، وتهتف به حنجرة كلّ ثائر، وترنو إليه عيون كلّ مجاهد، والذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه الإمام أحمد: «ثـُـمّ تكونُ خِـلافـةً على مِنهـاج النُّـبُوَّة، ثم سكت».


5. إن هذا المشروع له طريقته الشرعية الواضحة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنوَّرة. وهي تقوم على وجود الحاضنة الشعبية لإقامة الخلافة الراشدة، وينطبق عليها رسالة مصعب رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: "لم يبقَ بيت في المدينة إلا وفيه ذكر الإسلام"، حيث لم يبقَ بيت في سوريا إلا وفيه ذكر الخلافة. وتقوم على وجود قيادة سياسية من أهل الدعوة المؤمنين الذين أعدوا أنفسهم لمهمة الحكم بما أنزل الله ليكونوا كما كان حال المهاجرين مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة، ووجود قيادة عسكرية من أنصار الله المؤمنين من أهل القوة والمنعة ليكونوا كأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة؛ ليتم بهما معاً إسقاط النظام السوري المجرم وإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تحكم بما أنزل الله.


6. إن دولة الخلافة تقوم على نظام فريد في العالم، عماده أن السيادة فيه هي للشرع لا للشعب، بينما السلطان يكون للأمة. وأجهزة الحكم فيه تقوم أساساً على نصب خليفة للمسلمين، ووجود معاوني تفويض وتنفيذ، والولاة، وأمير الجهاد، ودائرة الأمن الداخلي، ودائرة الخارجية، ودائرة الصناعة، ودائرة بيت المال، ودائرة الإعلام، والقضاء، والجهاز الإداري، ومجلس الأمة،... وكلها محددة المعالم قد دلَّ عليها فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الأجهزة تحقق بمجموعها مهمة الاستخلاف في الأرض التي أناطها الله سبحانه بدولة الخلافة.


7. بالنسبة لغير المسلمين، أو ما يطلق عليهم اليوم بالأقلّيات، فليعلموا أنّه لن يعطيهم حقوقهم أيّ نظام حكمٍ في العالم يعيشون فيه كما يعطيهم إيّاها النظام الإسلاميّ، فهو من عند الله، وقد جعل سبحانه لهم ذمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فسماهم أهل ذمة، أي أهل عهد بحفظ حقوقهم، وأما الأنظمة الأخرى غير النظام الإسلامي، فهي أنظمة كفرٍ أنتجتها عقول البشر المحدودة العاجزة، ولن تجلب لهم إلّا الشقاء والبلاء والتعاسة في الدنيا والآخرة.


8. إنّ القوّة لله، والعزّة لله، والنصر بيد الله يؤتيه من يشاء.. فمن يريد القوّة والعزّة والنصر فليطلبها من مالكها، وهو الله تعالى، وليس من أيّ أحدٍ آخر، لا من غربٍ ولا من شرق. وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فإذا شاء الله أن ينصرنا ويكرمنا بإقامة الخلافة على أيدينا فلن يستطيع ردّ ذلك أحدٌ من البشر، لا غربٌ ولا شرق.. والذين يقولون: "إذا لم يسمح لنا الغرب بإقامة الخلافة فلن نستطيع إقامتها"، فليراجعوا عقيدتهم، وليجدّدوا إيمانهم.


قال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ [المائدة: 52]. وقال أيضاً: ﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج: 15].


9. الغرب الكافر هو عدوّنا، وعدو ديننا، وهادم دولتنا، ومصدر مآسينا، وناهب خيراتنا وقد وضع أزلامه من أبناء جلدتنا، حرّاساً علينا، يجلدون ظهورنا، ويقتلون أبناءنا، وينتهكون حرماتنا.. فهل نثور على أزلامه بالالتجاء إليه؟ وأيّة كذبةٍ كبرى يريدون لنا أن نصدّقها عندما يقولون: "أصدقاء الشعب السوري"، ويقصدون بهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا؟


قال تعالى: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ [هود: 113].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين» (رواه الإمام أحمد والنسائي والبخاري في تاريخه وابن جرير).


10. إنّ الحصول على النصر من الله تعالى يتطلّب تحقيق شرطه، وشرطه الوحيد هو أن ننصر الله، بأن نطيعه فلا نعصيه، ونحلّ حلاله ونحرّم حرامه، ونعمل بطريقٍ شرعيٍّ لإقامة شرعه الحنيف. ولم يكن نصرنا، نحن المسلمين، يوماً على أعدائنا بكثرة عددٍ ولا عتادٍ، بل بقوّة إيماننا وتوكّلنا على الله. ومهما ضعفنا مادّياً أو عسكريّاً فلا مبرّر للتخاذل أو الاستسلام. والذين يمّموا وجههم شطر الغرب، يستجدون نصره ويطلبون رضاه، فلن يزيدهم الله إلّا ذلّاً وخسراناً في الدنيا والآخرة.


11. عندما يكون مشروعنا مشروع خلافة فمعناه أننا لسنا وحدنا في الميدان، إذ هو مشروع الأمّة كلّها، وإذا أقمناها في بلادنا المباركة فسيؤازرنا ويبايع الخليفة أكثر من مليارٍ وثلاثمائة مليون من المسلمين المخلصين المضطهدين في العالم، والمتلهّفين إلى نبأ إعلان الخلافة، فأفئدتهم توّاقةٌ إلى نصرٍ وعزٍّ وتمكين بعد مائة عامٍ من قهرٍ وظلمٍ واستعباد.. وستنهار أمام جحافلهم الجرّارة أزلام الكفر وجلاوزته بعد سماع ذلك النبأ العظيم.. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: 4-5].


والناظر إلى جميع أنظمة الحكم القائمة في الأرض اليوم يراها تنظر بحذرٍ إلى ثورة الشام، ثورة العزّة والكرامة، ثورة الخلافة الإسلاميّة بإذن الله؛ وذلك لأنّ الجميع يعلم أنّه بقيام الخلافة ستتغيّر خارطة العالم: ستسقط أنظمةٌ وحكوماتٌ ودول، ويتحرّر المسجد الأقصى، ويعود نفط الخليج إلى الأمّة الإسلاميّة، وتمتدّ رقعة هذه الدولة لتشمل العالم الإسلاميّ كلّه، ويتغيّر ميزان القوى في العالم، وتتجّه أنظار الغرب الكافر إلى الدفاع عن عروشه في بلاده، بعد أن كان يحتلّ بلادنا وينهب خيراتنا.. إنّه زلزالٌ أرضيٌّ سيضرب العالم أجمع، ولن تنتهي موجاته حتّى يتحقّق قول الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا...»، (أخرجه مسلم في صحيحه).


وإنّنا في حزب التحرير قد عقدنا العزم منذ عشرات السنوات على متابعة السير حتّى إعادة الخلافة بعون الله، مستجيبين لقوله جلّ جلاله: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾ [آل عمران: 104]، سائرين في الوصول إليها على طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلاميّة الأولى، مستندين إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، واثقين بنصر الله وتمكينه، مؤمنين بقوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55].


• خطواتٌ عمليّة:


أمّا الآن، وقد حدّدنا منطلقاتنا الإيمانيّة التي ندخل بها هذه المعركة المصيريّة، فلم يبقَ سوى تحديد خطوات العمل الرئيسة التي يجب القيام بها، والتي توصلنا بمشيئة الله تعالى إلى ما نرجوه من إسقاط نظام الطاغية، وإقامة حكم الإسلام في دمشق الشام:


1. الإعلان الصريح من قبل جميع الثوّار وقادتهم وأصحاب الفعاليّات الاجتماعيّة ووجهاء الناس أن مشروعنا هو ليس دولةً علمانيّة، ولا دولةً مدنيّةً ديمقراطيّةً بمرجعيّةٍ إسلاميّة، ولا أيّة حكومةٍ إسلاميّةٍ رشيدة.. بل هو خلافةٌ خلافةٌ خلافة، تكون على منهاج النبوّة.


2. الإعلان الصريح أنّ المجلس الوطنيّ وائتلاف المعارضة وهيئة الأركان لا يمثّلون الثورة في شيء، بل هم أدعياؤها وأعداؤها، والراكبون موجتها، والمتلهّفون لقطف ثمرتها.. صنعهم الغرب على عينه، وهيّأهم للجلوس على كرسيّ عمالته.


3. قطع العلاقات بالكامل من قبل السياسيّين المخلصين والعسكريّين مع الدول الغربيّة وعملائها من حكّام العرب والمسلمين، ومع المنظّمات السياسيّة التابعة لهذه الدول وعملائها.. والحذر كلّ الحذر من مكرهم وكيدهم والوقوع في حبائلهم.


4. الانفكاك التامّ عن المال السياسيّ القذر، القادم من دول الغرب وعملائها، والجهات التابعة لهم، كي لا يكون للمموّلين أيّ تأثيرٍ على القرارات السياسيّة والعسكريّة للثوّار... والاستعاضة عنه بما يقدمه أهل البر والتقوى من الناس، وبما نمتلكه مهما كان قليلاً، ففي ذلك الغَناء كلّ الغَناء، فالمال النظيف، وإن كان قليلاً عندنا فهو كثير مبارك عند الله تعالى.


5. اعتبار كلّ من يقف في وجه مشروع الخلافة هو خائناً لله ولرسوله وللمؤمنين.


6. على المخلصين من الثوّار في الكتائب والألوية نبذ قياداتهم العسكريّة المرتبطة بالخارج، واستبدال قياداتٍ نظيفةٍ بها، تسير بهم مع المخلصين نحو نيل رضوان الله تبارك وتعالى، وتشكل هذه القيادات النظيفة مجلساً عسكريا قوياً كفؤاً يقودهم ويجمعهم على البر والتقوى، فإن بقاءهم متفرقين متنازعين يُذهب قوتهم ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 46].


7. إعطاء من سبق ذكرهم من قادة الثوار وأهل القوة النصرة لحزب التحرير وقيادته، واجتماع أهل الحل والعقد من قضاة وعلماء ووجهاء الناس، اجتماعهم على تأييد الحزب وقيادته بصدق وإخلاص... - لأنه يمتلك مشروعاً واضحاً للدولة مستمداً من كتاب الله وسنة نبيه، كما أنه الأقدر على كشف المؤامرات التي تحاك ضد المسلمين بالإضافة إلى خبرته في السياسة الدولية - والسير خلف هذه القيادة بثباتٍ لإقامة هذا المشروع العظيم، مشروع الدولة الإسلامية، الخلافة الراشدة، أسوةً بالأوس والخزرج عندما بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب ونصروه، فأكرمهم الله بأن ألّف بين قلوبهم، وأقام دولة الإسلام على أيديهم، بعد أن كانوا متفرّقين متناحرين يضرب بعضهم رقاب بعض، وبعد أن كانت تربطهم باليهود عهودٌ ومواثيق، بينما كان اليهود يوقعون بينهم العداوة والبغضاء.


هذا ما نراه من خطواتٍ عمليّةٍ لا بدّ من القيام بها للوصول إلى دولة الخلافة في الشام، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]. علماً أنّنا في حزب التحرير نعدّ العدّة لتلك اللحظة منذ زمنٍ بعيدٍ، وقادرون بعون الله تعالى على حشد الدعم والتأييد لدولة الخلافة الناشئة من جميع بلدان العالم الإسلاميّ، بصورٍ وأشكالٍ عديدة.. فالمسلمون في العالم ينظرون بحرقةٍ إلى الشام، عقر دار الإسلام، مترقّبين ينتظرون تلك اللحظات الحاسمة، التي ستغيّر تاريخ العالم، جاهزين لتقديم كل التضحيات للوصول إلى النصر العظيم.


فاللهَ اللهَ في نصرة دينكم وإقامة دولة الخلافة الراشدة لنعود بها من جديد خير أمة أخرجت للناس، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. قال تعالى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]. وقال عز من قائل: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ [الطلاق: 3]، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنفال: 24].


وإنّنا، في حزب التحرير، إذ نقدّم لأهلنا الصامدين في الشام هذه الورقة السياسيّة، التي تشخّص واقع ثورتهم وما فيه من مشكلات، وتضع له الحلول الناجعة. فكلّنا ثقةٌ وأملٌ أن يتمّ تبنّيها والعمل بما جاء فيها من قبل المجاهدين المخلصين، علّ الله أن يفتح لنا بها أبواب رحمته، ويغدق علينا من فضله ومنّه وكرمه، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

رابط مشروع دستور دولة الخلافة الذي أعده حزب التحرير:


http://www.tahrir-syria.info/index.php/dostor/126-mashro3dostor.html

التاريخ الهجري :25 من رجب 1435هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 25 أيار/مايو 2014م

حزب التحرير
ولاية سوريا

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع