الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

استراتيجية أمريكا تجاه السودان؛ خطة دولة إستعمارية لتمزيق البلاد

 

 

في يوم الاثنين 19/10/2009 أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي مشترك مع السفيرة سوزان رايس؛ مندوب أمريكا الدائم لدى الأمم المتحدة، والجنرال سكوت غرايشن، المبعوث الخاص للولايات المتحدة للسودان، أعلنت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه السودان، وكان قد سبق ذلك بيان للرئيس أوباما حول هذه الاستراتيجية التي حُددت لها ثلاثة أهداف رئيسية، حيث قالت وزيرة الخارجية الأمريكية: (إستراتيجيتنا لها ثلاثة أهداف رئيسية هي: 1/ وضع نهاية للنزاع  وانتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق وجرائم الحرب والإبادة الجماعية في دارفور. 2/ تطبيق اتفاقية السلام الشامل التي تؤدي إما إلى سودان موحّد ومسالم بعد العام 2011، أو إلى الاتجاه على طريق منظم نحو دولتين منفصلتين قابلتين للحياة تعيشان في سلام فيما بينهما. 3/ وجود سودان لا يوفر الملاذ الآمن للإرهابيين).

 

لقد ظلت الحكومة والوسط السياسي في حالة ترقب وانتظار لهذه السياسة منذ أن أعلن الرئيس أوباما اهتمامه بالشأن السوداني، حيث صرّح في 18/03/2009 قائلاً: (إن السودان يعتبر من أولويات هذه الحكومة) مقرناً ذلك بتعيين الجنرال سكوت غرايشن مبعوثاً خاصاً للسودان في ذات اليوم؛ 18/03/2009م، وقد قال الرئيس أوباما في  بيانه حول هذه الإستراتيجية: (فأولاً علينا أن نسعى لوضع حد نهائي للصراع والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والإبادة في دارفور. ثانياً، إن اتفاقية السلام الشامل بين شمال السودان وجنوبه يجب أن تطبق لغاية إيجاد إمكانية سلام طويل الأجل. وهذان الهدفان يجب أن يتابعا في وقت واحد وبصورة عاجلة) وهذا ما عبّرت عنه كذلك سوزان رايس حيث قالت: (دعوني أشدد على هدفين أساسيين من أهداف السياسة الأميركية هنا وهما: أولاً، إنهاء الإبادة الجماعية التي نشهدها حالياً في دارفور والتوصل إلى سلام دائم لجميع سكان دارفور؛ ثانياً، دعم التنفيذ الكامل والفعّال لاتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب). وبالرغم من إعلان وزيرة الخارجية عن ثلاثة أهداف لهذه السياسة إلا أنه يمكن أن نحصر أهدافها في اثنين فقط، (كما ذكر ذلك أوباما وسوزان رايس) هما: قضية دارفور، وتنفيذ اتفاق نيفاشا بين الشمال والجنوب، حيث ان وزيرة الخارجية تقول: (إذاً فإننا سننتهج تناول موضوعين رئيسيين هما دارفور واتفاق السلام الشامل في آن واحد وبشكل مترادف)، بل إنها ذهبت أبعد من ذلك عندما عدّت وجود ملاذ آمن للإرهابيين ثمرة لعدم تنفيذ اتفاق نيفاشا حيث تقول: (ورغم أن اتفاق السلام الشامل بين الشمال والجنوب في العام 2005م كان خطوة تاريخية نحو الأمام، فإن السودان يقف اليوم عند مفترق طرق- إما أن يؤدي به إلى تحسن مطّرد في حياة الشعب السوداني أو أن يتردى إلى مزيد من النزاع والعنف، إن زعزعة استقرار السودان لا يؤدي إلا إلى أن يعرّض للخطر مستقبل الـ 40 مليون شخص من مواطنيه هناك فحسب، وإنما يمكن أن يتحوّل إلى  مفرخة للعنف وعدم الاستقرار في منطقة مضطربة أصلاً، ويوفر ملاذاً آمناً للإرهابيين الدوليين).

 

نخلص من ذلك أن للسياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان هدفين معلنين هما: قضية دارفور، وتنفيذ اتفاق نيفاشا، وحقيقة ذلك كالآتي:

 

أولاً: إن أوراق قضية دارفور ليست في يد الحكومة بالكامل ولا في يد أمريكا، بل هي في يد أوروبا، خاصة فرنسا التي تدعم حركات التمرد خاصة (حركتي العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد؛ أبرز الحركات المتمردة)، وبالرغم من دعم أمريكا لمفاوضات الدوحة كمنبر تفاوضي، وبالرغم من التحركات الكثيفة التي قام بها المبعوث الأمريكي للسودان سكوت غرايشن بين حركات التمرد بغرض توحيدها للضغط على حركتي العدل والمساواة وحركة عبد الواحد لجرهم للمفاوضات، وقد نجح في جمع تسع حركات، إلا أنه ليست هناك بوادر لجلوس حركات التمرد الكبرى على طاولة المفاوضات، بل أُعلن عن فشل الجولة الرابعة في مفاوضات الدوحة المزمع عقدها في 27/10/2009م.

 

لذلك فإن أمريكا تجاه قضية دارفور لا تستطيع إلا أن تستمر في محاولاتها لتوحيد أكبر عدد ممكن من حركات التمرد، والاستمرار في رفع العصا بوجه حركتي العدل والمساواة وحركة عبد الواحد من خلال الاستمرار في التهديد، علماً بأن أوروبا كانت في السابق تجهض أي إجراء يُتخذ ضد هذه الحركات، كما فعلت في أعقاب مفاوضات أبوجا في 2006م، إلا أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة مليئة بتهديد الحكومة وحركات التمرد، حيث تقول سوزان رايس: (وستكون هناك عواقب وخيمة على الأطراف التي تتراجع أو التي تقف ببساطة ساكنة دون حركة. وسوف يتم إخضاع جميع الأطراف للمساءلة).

 

غير أن أمريكا تعوّل هذه المرة على ضغط شركائها الدوليين، خاصة في ظل إظهار إدارة أوباما لمرونة تجاه أوروبا وروسيا في السياسة الدولية، حيث تقول وزيرة الخارجية: (وأي تراجع للخلف من جانب أي طرف سيُواجه بممارسة ضغوط موثوق بها على شكل وضع عراقيل أمامه من جانب حكومتنا أو شركائنا الدوليين). ونخلص من ذلك إلى أن سياسة أمريكا المتعلقة بقضية دارفور هي الاستمرار في الضغط على حركات التمرد، خاصة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان جناح عبد الواحد لإلحاقها بالمفاوضات.

 

ثانياً: إن جوهر السياسة الأمريكية الجديدة تجاه السودان هو تنفيذ اتفاق نيفاشا، وذلك للوصول إلى دولة كاملة السيادة في جنوب السودان بشكل سلمي يؤدي في المستقبل إلى تفتيت كل السودان، وهي تأمل من خلال ضغطها أن تُحسِن الحكومة من تنفيذ اتفاق نيفاشا في نصوصه التفصيلية، وأن تقدّم تنازلات فيما يتعلق بنصوص الإنفاق العامة كما في اعتماد الحكومة للأغلبية البسيطة في الاستفتاء لجنوب السودان في عام 2011م، حيث قبلت الحكومة بانفصال الجنوب بأغلبية بسيطة (50% + صوت واحد)، بالرغم من أن المؤتمر الوطني كان قد أعلن في مؤتمره العام في شهر أكتوبر الجاري أنه لن يقبل بأقل من أغلبية 75% لانفصال الجنوب. ولما كانت أمريكا تعلم أن الحكومة قادرة على إفشال إستراتيجيتها هذه من خلال عرقلتها لتنفيذ أتفاق نيفاشا، تقول سوزان رايس: (على مدى سنوات ظلت مسارات السلام مليئة بحطام بقايا الوعود المنكوثة والالتزامات غير المنفذة من جانب حكومة السودان)، لذلك وضعت أمريكا الحكومة بين جزرة حوافز غير مدركة ماهيتها، وعصا الضغوط، يقول الرئيس أوباما: (وإذا تصرفت حكومة السودان بشكل يعمل على تحسين الوضع على الأرض والترويج للسلام ستكون هناك حوافز، وبخلاف ذلك سيزاد الضغط من قبل الولايات المتحدة والأسرة الدولية)، وهو ذات المنحى الذي سارت فيه سوزان رايس حين قالت: (وسوف نستخدم حوافز موزونة جيداً، حسب الحاجة، ونمارس ضغوطاً حقيقية، حسب الحاجة).

 

هذه هي حقيقة سياسة أمريكا الجديدة القديمة تجاه السودان؛ وهي السعي لفصل جنوب السودان ومن ثم تمزيقه، مستغلة في ذلك تهافت الحكومة على جزرة أمريكا المتصورة في رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فبالرغم من كل التعاون بين السودان وأمريكا، الذي تحدّث عنه مجدداً المدير العام لجهاز الأمن والمخابرات في لقائه برؤساء تحرير الصحف في 18/10/2009، حيث قال: (نلوم أمريكا على إبقاء إسم السودان على لائحة الدول الراعية للإرهاب على رغم تعاونه، أما منطلقاتنا في هذا التعاون فقد كانت وطنية لحماية أمن السودان وليس إرضاءً لأمريكا)، لم ترفع أمريكا اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ولم تعط الحكومة ما تريده من إظهار الرضا عنها وتطبيع العلاقات بالكامل معها، لأن أمريكا ستُبقِي من هذا التهافت دافعاً لتنفيذ سياستها ولن تعطي الحكومة شيئاً، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاّ غُرُورًا}.

 

أيها المسلمون: إن أمريكا من خلال تنفيذها لاتفاق نيفاشا خلال الأربع سنوات الماضية منذ العام 2005م وضعت البلاد على شفير الهاوية من خلال صناعة كيانين متصارعين متشاكسين، وعشرات الجيوش والجماعات المسلحة، وحالة الفراغ الإستراتيجي المطبقة على البلاد، بل إن أمريكا من خلال هذه الإستراتيجية تسعى تضليلاً في أن تصور للناس تخويفاً أنه إما السير في تنفيذ إتفاق نيفاشا هذا، أو الإنهيار الكامل للبلاد من خلال السقوط في دوامة الفوضى الكاملة. يقول الرئيس أوباما: (والآن يقف السودان على شفير الوقوع في مزيد من الفوضى إذا لم يتخذ إجراء سريع).

 

أيها المسلمون: إن الواجب علينا أن نتعاطى مع هذه الإستراتيجية الجديدة بوصفها خطة دولة إستعمارية مبدئية عدوة للإسلام والمسلمين، تسعى للسير في تمزيق بلدنا نحن المسلمين، وأن السبيل إلى مواجهة ذلك إنما يكون بأن نحاسب الحكام والقوى السياسية وحركات التمرد على أساس الإسلام. وأن نسعى لبناء دولة مبدئية على أساس الإسلام؛ هي دولة الخلافة الراشدة التي تتعامل مع أمريكا وأمثالها بما يجعلهم هدفاً لخططها واستراتيجياتها الرامية لإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام.

 

 

 

{ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

 

 

 

التاريخ الهجري :3 من ذي القعدة 1430هـ
التاريخ الميلادي : الخميس, 22 تشرين الأول/أكتوبر 2009م

حزب التحرير
ولاية السودان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع