الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لن يساوم المسلمون على الخلافة

 

(مترجم)

 

  

لفتت الأحداث الأخيرة في العراق وموضوع الخلافة انتباه العالم. فتنافست وسائل الإعلام والخبراء والمعلقون في ادّعاء الخبرة في هذا الأمر. ولم يضف ذلك إلا مزيداً من التشويش، ذلك لأنهم روجوا أوصافاً مزيفة تشوه صورة هذه الفريضة الإسلامية الجليلة.


استغلت وسائل الإعلام والمعلقون العالميون هذه الفرصة مرة أخرى لوصف الخلافة كفكرة متطرفة، وللضغط على المسلمين لمقاومة فكرة الحكم بالإسلام نفسه. يجب أن يكون واضحاً لدى المسلمين أنه يمكن للمرء أن يختلف مع الإعلان الفارغ الذي جاء من العراق والمسرحية التي عرضت علينا في وسائل الإعلام العالمية، دون رفض مفهوم الخلافة. فالخلافة في الواقع مركزية في الإسلام، ورفضها هو خط أحمر لا يقترب منه المسلمون؛ وهذه حقيقة واضحة من المصادر الشرعية، وجرى الإجماع عليها على مر العصور.


منذ هدم الخلافة على يد مصطفى كمال في عام 1924، أسرع كثير من الناس لادّعاء لقب الخليفة لأنفسهم، وذلك لإدراكهم الصدى الروحي والسياسي له في جميع أنحاء العالم الإسلامي - مثل الملك فاروق من مصر، والشريف حسين من مكة، إضافة إلى الدول الإسلامية الزائفة مثل المملكة العربية السعودية والسودان وإيران وغيرها. اعتمد كثير من مثل هذه الادّعاءات على الضعف في فهم ما تعنيه الخلافة، وبالتالي خُدِع المسلمون بالاعتقاد بأنه قد هلّ أخيرا عصر جديد بالنسبة للعالم الإسلامي.


وقد استخدمت كل هذه الادّعاءات من قبل أولئك الذين كانوا مستعدين لتشويه صورة الخلافة، بأن جعلوها ترتبط في نظر الناس بالضعف والأجندات السياسية لأولئك الذين ادعوا أنهم قد طبقوا شيئا يحمل اسمها، ولكنه في الواقع لا علاقة له بالخلافة. فلكي نتجنب هذا الارتباك، ولمنع المسلمين من أن يُضَلَّلوا مرة أخرى، نذكر الجالية المسلمة في المملكة المتحدة بما يلي:


1. الخلافة أمر مركزي في الإسلام، فعلى المسلمين أن يرفضوا الضغوط التي تمارس عليهم لوصفها بالفكر المتطرف. لقد شهدنا العديد من المحاولات لوصف الخلافة كأمر هامشيّ أو فكرة متطرفة. لكنّ الخلافة بالفعل هي السلطة التنفيذية التي حددها الإسلام كطريقة يتم من خلالها تطبيق الدين في المجتمع وحمل الدعوة بها إلى العالم. وبدونها يكون الإسلام مجموعة من العبادات والأخلاق، فتعطل بذلك أحكامه المتعلقة بالحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. لذلك يعتبر الإسلام أن أحد مهامّ الخليفة هو رعاية شؤون الناس؛ المسلمين وغير المسلمين الذين يقيمون تحت سلطانه. قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾. [المائدة: 44]


فمركزية الخلافة الإسلامية هي وجهة النظر الإسلامية المعتبرة فيما يتعلق بالحكم كما ثبت في المصادر الإسلامية القطعية، وكما طبّقت تاريخيا - ولا خلاف عليها بين كبار العلماء على مر العصور. لذا يجب على المسلمين رفض الدعوات لتشويه سمعة دولة الخلافة بوصفها فكرة متطرفة، واعتبار رفض فكرة الخلافة هذه بمثابة خط أحمر لا يقترب منه المسلمون.


2. على المسلمين رفض دعوات التفرقة على أسس عرقية وطائفية. فقد بيّن تاريخ المسلمين أنه على الرغم من الفروق بينهم، فإن العنف الطائفي الخطير الذي نشهده الآن يكاد يكون لا سابقة له. فحجم هذا الصراع وطبيعته أمر جديد - وهذه حقيقة واضحة ليس للمسلمين فحسب. فقد لاحظ الأكاديمي الأستاذ فريد هلداي أن "الصراع الفعلي والمباشر بين السنة والشيعة (على خلاف الشك والاختلاف الطائفي) كان حتى الآونة الأخيرة غائباً بشكل ملحوظ".


فالخلافة غير طائفية ولا تنتمي إلى أي مذهب أو فهم شرعيّ معين، بل هي لجميع المسلمين. يوجد الآن محاولة متعمدة من قبل المعلقين والسياسيين لطرح صورة صراع طائفي، مع أن الصورة أكثر تعقيداً من مجرد اختلاف بين طرفين كما تُصَوَّر كثيراً. فبعد وقت قصير من الغزو الأمريكي، شاهدت العراق عملاً مشتركاً من جانب الفصائل المختلفة هناك، كصلاة جمعة مشتركة، ومؤتمرات ودعوات للتعاون، ومسيرات تهتف "لا شيعي، لا سنّي!"


علاوة على ذلك، فقد ثبت أن الإسلام هو القوة الوحيدة القادرة على توحيد العرب والأكراد والتركمان وغيرهم. وهذا أمر طبيعي لأنّ الله سبحانه وتعالى حرّم الفرقة بين المسلمين، فقال: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾. [آل عمران: 103]


3. يجب أن يكون المسلمون صوتا واحداً ضد السياسات الغربية المأساوية التي تدمر العالم، وأن يرفعوا المحنة عمن يعانون من المسلمين. فقد أدت السياسات الخارجية البريطانية والأمريكية في العالم الإسلامي إلى كل شيء: من الغزو المباشر لبلاد المسلمين، وهجمات الطائرات بدون طيار على الأبرياء، وتأجيج التوترات العرقية والطائفية، وتنصيب ودعم الطغاة القساة الذين يفرضون البؤس على المسلمين، ويمدونهم بالسلاح في حروب بين المسلمين أنفسهم، إضافة إلى حديث جديد عن مزيد من التفكيك العرقي والطائفي للعراق في ثلاث دويلات جديدة؛ واحدة لكل من الأكراد والسنة والشيعة. وينبغي التذكير أنه بعد الغزو الأمريكي للعراق فحسب برزت هذه الاتجاهات المدمرة الأخيرة في الشرق الأوسط، على الرغم من محاولة أمثال توني بلير والمحافظين الجدد إنكار ذلك.


لم يجلب تدخل هذه الدول الغربية سوى القهر والمعاناة للعالم الإسلامي. فلا يجوز للمسلمين أن يبقوا صامتين على الخراب الذي توقعه هذه الدول في العالم الإسلامي، بل لا بد من أن يرفعوا أصواتهم باستخدام أفضل الكلام وأحسن السلوك لفضح الطبيعة المدمرة لسياسة الغرب تجاه العالم الإسلامي، ودعم الأمة الاسلامية في محنتها بالقول والفعل والإنفاق، لقوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾. [التوبة: 71]


4. يجب أن يكون المسلمون دعاة للخلافة - فهي التي ستجلب الاستقرارَ لا الفوضى إلى العالم الاسلامي، وستكون منارة هداية لبقيّة البشريةِ. وعلى النقيض من نذر الشؤم التي يقدمها المعلقون الإعلاميون والصورِ التي تخرج من العراق عن تصاعد الفوضى، ستكون الخلافة قوة استقرار للعالم الإسلامي، لأنها لا تتعارض بل تتناغم مع قِيَم الناسِ في العالم الإسلامي. فالخلافة ذات جذور راسخة، وهي قادرة على استيعاب كل مواطنيها بضبط عملهم وفق مرجعية واحدة مشتركة.


لقد جلب ضياع الخلافة معه خسارة لم يسبق لها مثيل بخصوص السلطةِ والقيادةِ تجاه القضايا الإسلاميةِ. فسمح الفراغ الناتج عن ذلك لأفراد غير جديرين في أَنْ يُصبحوا رموزَاً عالميةَ بمجرّد خطب عاطفية جوفاء يرددها هؤلاء عن مناهضة الاستعمار والتصدي للعدوانِ. مع أن الخلافة هي المؤسسة الوحيدة التي شرعها الإسلام لتولي القيادة في القضايا الإسلاميةِ عالمياً.


ستكون الخلافة منارة للعالم بأسره وسط فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية تنتشر في ربوعه. ذلك لأنها قائمة على قانون إلهيّ، لا على العقل الإنساني، لذلك فقانونها في مأمن من المعايير ذات التغيّر المستمر. والخلافة هي التي تكرّس حكم القانون، من خلال خليفة اختارته الأمة، ومحاسبة من خلال نظامِها القضائيِ، إضافة إلى مبدأ الشورى. وهي دولة غير طائفية، بل مبنية على مفهوم المواطَنة، وتمنع ممارسة الظلم على أي مكوّنات دينية أَو عرقية تعيش تحت سلطانها.


5. على المسلمين دعم العمل لإقامة الخلافة الإسلامية في العالم الاسلامي، وهو عمل من أجلّ الفروض التي أمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «إنّه لا نبيَّ بعدي، ولكن ستكون خلفاء فتكثر». قالوا ما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول، وآتوهم حقهم». وقال أيضاً: «من مات وليس في عنقه بيعة (لخليفة) مات ميتة جاهلية». وهذا يبين عظم إثم من لا يعمل لإيجاد خليفة وإعْطاء البيعة له، إذا لم يكن هناك خليفة.


على المسلمين أنْ يَتحدّوا التصويرَ الخاطئ للخلافة، وذلك بالفهم الدقيق لماهية الخلافة. سيكون إزالة الأنظمةِ القهرية القائمة في العالم الاسلامي، وإقامة نظام سياسي مستند على الإسلامِ، على رأسه خليفة اختارته الأمة، وخاضع للمحاسبة، ويعتمد على أسس شرعية صلبة في تناسق مع رعيته، سيكون قوة استقرار في المنطقة. تمثل الخلافة رؤية سياسية بديلة للعالم الإسلامي يزداد الدعم لها من قبل المسلمين عالمياً، على الرغم مِنْ محاولاتِ تشويهِ سمعتها التي يقودها المعلّقون الإعلاميون والسياسيون. على المسلمين مواصلة دعم العمل للخلافة التي ستَكُونُ بلا ريب فاتحة عصر جديد للعالم الإسلامي.


﴿إنّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. [البقرة: 174]

 

 

التاريخ الهجري :9 من رمــضان المبارك 1435هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 07 تموز/يوليو 2014م

حزب التحرير
بريطانيا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع